:D
أيها الأخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم
ورود اسم الباسط في السنة الصحيحة :
هذا الاسم ورد في السنة الصحيحة في قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( إنَّ الله هو المُسَعِّرُ ، القابضُ ، الباسط ، الرازق )) .
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أنس بن مالك ] .
الباسط في اللغة :
"الباسط" في اللغة اسم فاعل ، فعله بسط ، يبسط ، بسطاً ، الآن انبسط الشيء على الأرض اتسع ، وامتد ، وتبسط في البلاد ؛ أي سار فيها طولاً وعرضاً ، وبسيط الوجه يعني متهلل الوجه ، مشرق .
والبسيط هو الرجل منبسط اللسان ، وبسط إليّ يده بما أحب أو بما أكره ، وصل إليّ ، بسطها ؛ أي مدها ، وفي الآية :
﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ﴾ .
( سورة المائدة الآية : 28 ) .
من معاني الباسط :
1 ـ يبسط الرزق لعباده بجوده و كرمه :"الباسط" في الرزق الذي يعطي بلا حساب ، هو الذي يبسط الرزق لعباده بجوده ورحمته ، ويوسعه عليهم ببالغ كرمه وحكمته .
"الباسط" يبسط الرزق لعباده بجوده ورحمته ، ويوسعه عليهم ببالغ كرمه وحكمته ، فيبتليهم على ما تقتضيه مشيئته وحكمته ، فإن شاء وسع ، وإن شاء قتر ، فهو "الباسط" القابض .
تقنين الله تقنين تأديب لا تقنين عجز :
لكن يجب أن نعلم علم اليقين أنه إذا قبض ، أو إذا قنن فتقنين تأديب لا تقنين عجز ، إذا قبض بما تقتضيه حكمته الباهرة ، لا لشيء آخر ، لأن خزائن ملكه لا تفنى . ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ .( سورة الحجر الآية : 21 ) .
ومواد جوده لا تتناهى ، كما قال تعالى :
﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ .( سورة الشورى ) .
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ .( سورة الحجر ) .
طبعاً يؤكد أن تقنين الله تقنين تأديب لا تقنين عجز قوله تعالى :
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ﴾ .( سورة الشورى الآية : 27 ) .
لذلك قالوا : الله سبحانه وتعالى علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون
إنسان له دخل محدود ، صائم ، مصلٍّ ، صالح ، يا ترى لو كان دخله غير محدود كيف يكون ؟
لا أحد يعلم إلا الله ، لذلك في حكمة بالغة أن الحكيم عليم ، حكيم عليم .
2 ـ يبسط يده بالتوبة لمن أساء: و
"الباسط" بمعنى آخر ، هو الذي يبسط يده بالتوبة لمن أساء ،
أو هو الذي يملي لهم فيجعلهم بين الخوف والرجاء ، فقد قال عليه الصلاة و السلام :
(( إنَّ اللِهَ عزَّ وجلَّ يبْسُطُ يدَهُ باللَّيْلٍ ليَتوبَ مُسيءُ النهار ، ويبسُطُ يدَه بالنَّهار ليتُوبَ مُسيء الليلِ ،
حتى تطْلُعَ الشمسُ من مغرِبِها )) .[ مسلم عن أبي موسى الأشعري] .
طلوع الشمس من مغربها من أشراط الساعة ، ولكن بعضهم له اجتهاد لطيف أنه حينما نرى أن العلم كله ،
وأن القيم كلها ، وأن الحضارة كلها ، وأن التقدم كله في الغرب يغلق باب التوبة ، أنت حينما لا تعبأ بدينك ،
ولا بقيمك ، ولا بماضيك المجيد ، ولا بهذه الأمة العظيمة التي اختارها الله لتكون وسيطاً بينه وبين خلقه ،
حينما لا تعبأ بكل هذا التاريخ العظيم ، وتلتفت إلى الغرب على حساب دينك وقيمك ،
ربما في مثل هذه الحالة يغلق باب التوبة .
اقتران الباسط مع القابض لأن الاسمين متكاملان :
بعض أهل العلم يرى أنه ينبغي أن نقول القابض
"الباسط" ، الضار النافع ، المعطي المانع ، المعز المذل ،
لأن كلاً من هذين الاسمين متكاملان ، هو يضر لينفع ، ويذل أحياناً ليعز ، ويأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي ، فقد ورد :
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا در استواء )) .
لا تستقيم لأحد نجح في زواجه ، ولم ينجح في عمله ، نجح في عمله لم ينجح في زواجه ،
نجح في زواجه وفي عمله ويعاني من صحته .
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا در استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها ـ عرف حقيقتها ـ لم يفرح لرخاء )) .
لأنه مؤقت ، الموت ينهي الرخاء ، ينهي القوة ، ينهي الغنى ، يلغي الوسامة ، يلغي كل شيء .
(( فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي )) .
[ من كنز العمال عن ابن عمر ] .
الله عز وجل لا يسلب من مؤمن نعمة ما إلا ليزيده قرباً منه :
هناك ملمح دقيق في الحديث القدسي التالي :
(( يا بنَ آدمَ مَرِضْتُ فلم تَعُدْني ، قال : يا رب كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين ؟ قال :
أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تَعُدْهُ ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده )) .
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة ] .
يعني الله عز وجل إذا سلب من مؤمن بعض صحته ، ليضاعف له القرب أضعافاً مضاعفة .
(( أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تَعُدْهُ ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده )) .
(( إنَّ اللِهَ عزَّ وجلَّ يبْسُطُ يدَهُ باللَّيْلٍ ليَتوبَ مُسيءُ النهار ، ويبسُطُ يدَه بالنَّهار ليتُوبَ مُسيء الليلِ ،
حتى تطْلُعَ الشمسُ من مغرِبِها )) .[ رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري] .
أسماء الله كلها حسنى وكل واحد منها يفيد المدح والثناء على الله بنفسه :
لابدّ من أن تقول القابض
الباسط ، والمعطي المانع ، والمعز المذل ، قال هذا كلام لا بأس به لكن فيه نظر ،
أي يحتاج إلى تحفظ ، ما هو التحفظ ؟ قال : أسماء الله كلها حسنى ، الضار من أسمائه الحسنى ،
لو لم تقرنه بالنافع أسماء الله كلها حسنى ، وكلها تدل على الكمال ، وكل واحد منها يفيد المدح والثناء على الله بنفسه ،
من دون اسم آخر ، وإن ذُكرا مقترنين زاد الكمال فيهما ، في وصف رب العزة والجلال ،
كما هو الحال عند اقتران الحي القيوم ، والرحمن الرحيم ، والغني الكريم ، والقريب المجيب ،
هذه كلها من أسماء الله الحسنى .فالقول بالوجوب ذكر الاسمين معاً قال :
وإن كان مستحسناً يعني المستحسن أن تقول الضار النافع ، والمعطي المانع ، والمعز المذل ، والخافض الرافع .
الأعمال الصالحة تجعل عمر الإنسان مديداً من حيث الثمرة :
الآن يقول عليه الصلاة والسلام :
(( مَن سَرّه أن يَبْسُط الله له في رزقه ، وأن يَنْسَأ له في أَثَره )) .[أخرجه البخاري والترمذي عن أبي هريرة ] .
يعني في أجله ، أن يطول عمره ، العلماء في شرح يطول عمره لهم آراء لطيفة العمر لا يزيد ولا ينقص .
﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ .( سورة الأعراف ) .
فكيف يقول النبي الكريم :(( مَن سَرّه أن يَبْسُط الله له في رزقه ، وأن يَنْسَأ له في أَثَره )) .
[أخرجه البخاري والترمذي عن أبي هريرة ] .
فسر العلماء هذا الكلام ، الإنسان فتح محله التجاري ساعة ، ربح صفقة بمليون ،
وإنسان فتح محله عشر ساعات ربح مئة ليرة ، الزمن ليس له قيمة ، القيمة بالربح .
فالإمام الشافعي عاش أقل من خمسين عاماً ، هناك علماء كبار ، ابن باديس بالجزائر عاش أقل من خمسين عاماً ،
هناك عمالقة في العلم عاشوا أقل منه ، وتركوا أثراً لا يمحى ، وهناك أناس يعيشون مئة و خمسة و عشرين عاماً ،
ما قدموا شيئاً .
لذلك معنى (( يَنْسَأ له في أَثَره )) يعني يعطي أعمالاً صالحة تجعل عمره مديداً من حيث الثمرة ،
و هناك حديث :((إن الله عز وجل يمهل حين يذهب ثلث الليل الأول ، ثم ينزل إلى السماء الدنيا فيقول :
هل من مستغفر فأغفر له ، هل من سائل فأعطيه ، هل من تائب فأتوب عليه ، حتى ينفجر الفجر))
[ الدار قطني عن أبي هريرة] .
وهذه والله نصيحة ، حينما تتعقد الأمور ، حينما تلوح أشباح المصائب ، حينما يضيق الأمر ،
حينما تغلق الأبواب ، استقيظ قبل صلاة الفجر ، وصلِّ ركعتين واسأله في السجود حاجتك من خير الدنيا والآخرة .
الله عز وجل جعل الآخرة لمن لا يريد علواً و لا فساداً في الأرض:
أحياناً إنسان يقف أمام بيت جميل تذوب نفسه ألماً ، هنيئاً لأصحاب هذا البيت .
الشاهد في الآية ﴿ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ﴾ .
و لما كان يوم أُحد وانكفأ المشركون قال عليه الصلاة والسلام :
(( اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك ، اللهم إني أسألك النعيم يوم القيامة والأمن يوم الخوف ،
اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين ، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين ، غير خزايا ولا مفتونين )) .
[أحمد عن ابن رفاعة الزرقي] .
منهج الدعاة يقوم على التخويف وبث الرجاء في قلوب الناس في آن واحد:
أيها الأخوة ، قالوا القابض الذي يكاشفك فيقيك ، و
"الباسط" الذي بجلاله يكشفك بجماله فيبقيك ، فأنت بين أن يقيك ،
القابض ، وبين أن يبقيك ، بالقبض يقيك ، يمنعك أن تعصيه ، يمنعك أن تشقى إلى أبد الآبدين ، هو القابض "الباسط" ، القابض الذي يقبض الصدقات ، يأخذها بيمينه ، من أربابها فيربيها .
"الباسط" يبسط النعمة فينميها ، إذاً : يقبض الصدقات ، ويبسط النعم ، والقابض هو الذي يخوفك من فراقه ،
و "الباسط" يؤمن بعفوه وإطلاقه .
الإمام الغزالي يقول : القابض
"الباسط" من العباد من أُلهم بدائع الحكم ، وأوتي جوامع الكلم ،
داعية يخوف ويطمئن ، يعبد الله خوفاً وطمعاً ، يذكر أحوال أهل النار وأحوال أهل الجنة ، يذكر عقاب الله وعدله ،
يذكر رحمته وفضله ، في توازن ، هناك دعاة يعتمد التخويف فقط ، تخرج محطماً من كلامه ، جهنم ، والثعابين ، غفور رحيم : يكون رحيماً حتى يدعو الناس إلى المعصية ، لا ، ينبغي أن تكون متوازناً بين التخويف وبث الرجاء في قلوب الناس .
على الإنسان أن يؤمن بالله العظيم من خلال آياته الكونية ويحبه من خلال نعمه :
طبعاً أختم هذا الاسم
"الباسط" بأثر قدسي ، أن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام قال :
(( يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحب عبادي إلي تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي )) .
الأثر القدسي قال :(( يا رب إنك تعلم إني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ـ هذا توجيه للدعاة ـ ذكرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي )) .
ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني ،
فلابد من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله .﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾ .( سورة الحاقة ) .
معناها يجب أن نؤمن بالله العظيم من خلال آياته الكونية ، ومحبة لله من خلال نعمه ،
وخوف منه من خلال نقمه وبلائه .(( ذكرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي )) .
هذا منهج للدعاة .
والحمد لله رب العالمين