:D
فقد اتفقت الأمة على إطلاق هذا الاسم على الله تعالى وهو مصدر عَدَلَ يَعْدِل عدلاً فهو عادل ،
عُدِلَ عن اسم الفاعل عادل إلى المصدر
العدل ، فمن أسمائه جل جلاله ؛
الحَكَمُ العَدْلُ ، هذا المصدر أقيم مقام الاسم ، العدل بدل العادل ،
إذاً فاعلم أن أحد أسماء الله الحسنى
العدل .
الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى عدل في خلقه ،
وعدل في تشريعه وعدل في أمره التكويني ، وفي أفعاله ،
أي عدل في خلقه وعدل في أمره وعدل في فعله ، خلق وأمر وفعل فعدل فهو عدل .
دل في خلقه ، فمكان اليد مناسب جداً ، و في موقع متوسط، و الشيء المعتدل الذي هو بين الإفراط والتفريط ،
الاعتدال من
العدل والاعتدال هو التوسّط ، ودائماً التوسّط هو الموقف الأكمل بين الإفراط والتفريط .
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
فما حظ العبد من هذا الاسم ؟ما حظك من هذا الاسم ، أنت مؤمن فماذا تستفيد من هذه الأسماء ؟ والنبي الكريم يقول : " تخلقوا بأخلاق الله " .
فأمّا حظ العبد من هذا الاسم فهو أن يحترز عن طرفي الإفراط والتفريط ، يعني لا إفراط ولا تفريط ،
}وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }النساء58 فإذاً : نحن حينما نعرف اسم العدل ، نعرف كيف نتخلق بأخلاق الله على
ضوء هذا الاسم أما مع الأولاد ، فإياك أن تعطيهم عطاءً يفسدهم أو أن تحرمهم حرماناً يحقدون به
عليك ، فأعط الواحد منهم المبلغ الكافي ، وأعطه حاجته ، ولو أعطيته فوق حاجته فإنك قد
أفرطت ، ولو أعطيته أقل من حاجته فإنك قد فرطت ، وفي أفعال الغضب يُحترز
عن التهور الذي هو الإفراط والجُبن الذي هو التفريط ويبقى غي حدٍ وسط
وهو الشجاعة ، وفي العقل يُحترز عن الدهاء والخبث والمكر والخداع أو
عن البلاهة والغباء ، ويبقى في حدٍ كما قال :
" لست بالخب ولا الخب يخدعني " .
وأدقُّ موقف لستُ من الغباء بحيث أُخدَع
ولا من الخبث بحيث أخدع . حينما قال الله عز وجل :
" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا " أي في وضع معتدل بين الإفراط وبين التفريط . وفي تربية الأولاد من السهل أن تكون عنيفاً ، والعنف لا يحتاج إلى بطولة إن ضربته موجعاً إياه ،
حطمته ، ومن ثم حقد عليك : عن أبي هريرة : " علموا، ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف ".
وأيضاً لا ترخِ له الحبل فيتجاوز حده ، فالاعتدال أن يبقى ابنك راغباً فيك خائفاً منك " رغباً ورهباً "
وهذا حد دقيق جداً فدائماً الحالات المتطرفة سهلة ، فلا تكن ليناً فتُعصر ، ولا تكن قاسياً فتُكسر ،
والخير وأن تكون بينك وبين الناس شعرة إن شدوها أرخيتها وإن أرخوها شددتها فهذه هي البطولة ،
البطولة أن يكون الذي حولك في حيرة من أمرك ، هم يرجونك ويخافونك في وقت واحد . قال تعالى :
وقال لي رجل هل من المعقول أن يعاقبني الله على ذنب لم أفعله حتى الآن ، قلت : هذا العقاب جزاء ذنب قديم ،
فيجب أن تؤمن بعدالة الله المطلقة : عن قتادة قال: عقوبة بذنبك يا ابن آدم. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا يصيب رجلا خدش عود، ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرق، إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر".
يجب أن تبلغ درجة من اليقين أن اعمل :" اعمل ما شئت فكما تدين تدان " .
البِرُّ لا يَبلَى والذنب لا يُنسى والديّان لا يموت ، اعمل ما شئت ،
تكون باراً بوالديك فالله عز وجل يلهم أبناءك أن يكونوا بررة بك
وإن تخدِمُ تُخدم ، " أنفق بلالاً ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً "
" أنفقْ أنفقَ الله عليك " ولا أعتقد إلا أن أكثر القراء لديهم
من مثل هذه الوقائع والأحداث الكثيرة ، والعبرة منها
كلها : أنه كما تدين تدان ، وكذلك اعمل ما شئت فإنك مجزي به .
وهذه الحادثة ذكرتها أكثر من مرة ، لكن أعيدها للعبرة الصارخة التي فيها :
فاعلم علم اليقين أن الله عز وجل عدل في خلقه ، وعدلٌ في أمره وعدلٌ في فعله ،
أفعاله كلها عادلة ، ولذلك أقول مرة ثانية : " ما من عثرة ولا اختلاج عرق
ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله عنه أكثر " وشيء آخر : وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ{30} (سورة الشورى)
وتقرأ عن زلزال أصاب البلدة الفلانية ، فلعلك تفهم الزلزال فهماً مادياً من أنه اضطراب القشرة الأرضية ، هذا الزلزال قوته ثمانية بمقياس رختر فأغادير في شمال إفريقيا كانت من أجمل مدن المغرب ، تقع على البحر الأطلسي لكن فيها من الفسق والفجور والنوادي العارية ، والملاهي الليلية ،ودور البغاء والفنادق الغارقة في الإثم حتى قمتها مما لا سبيل إلى وصفه ،
فبمدة ثلاث ثوان أصبحت أغادير قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً . فاعتقدْ جازماً أن الزلزال بحكمة
ولحكمة يريدها الله سبحانه ، قال تعالى : وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن
كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِفَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِوَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْيَصْنَعُونَ{112}
إذاً : فالله سبحانه وتعالى عدل في خلقه ، وعدل في أمره وعدل في فعله
ونحن " المؤمنين " ينبغي أن نقف بين الإفراط والتفريط وأن نكون معتدلين في كل أفعالنا .
والحمد لله رب العالمين * * *
منقول للدكتور النابلسي