(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)
ومن أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم :
القناعةُ بالموجود وعدمُ طلبهم الزيادة في الدنيا من مَطعم ، أو مشرب ، أو ملبس ، أو مركب ، أو منكح ، أو مسكن أو غير ذلك .
وكان وهب بن منبه رحمه الله تعالى يقول : خرج الغنى والعزُّ يجولان يطلبان من يقيمان عنده ، فلقيا القانع فاستقرّا عنده .
كان محمد بن واسع رحمه الله تعالى يأكل الخبز بالملح أو الخلّ ويقول : مَن رضي من الدنيا بمثل هذا لم يُذل نفسه للناس .
وكان سفيان الثوري رحمه الله تعالى يقول : من لم يقنع بخبز الشعير في هذا الزمان ابتلي بالذل والهوان ،
وقد استأذنه مرة شخص في جمع المال ، فقال له : مَن جمع المال ابتلي بخمس خصال : طولِِ الأمل،
وشدِّة الحرص ،وكثرة الشحِّ ، ونسيان الآخرة ، وقلَّة الورع .
وقد كان حامد اللَّفاف رحمه الله تعالى يقول :
من طلب الغنى بالقناعة فقد أصاب الطريق ،
ومن طلبه بالمال فقد أخطأ الطريق .
وقد أدركتُ بحمد لله تعالى من أصحاب هذا المقام خلقا كثيرا :
منهم شيخنا شيخ الإسلام زكريا ، وشيخنا الشيخ
أمين الدين إمام جامع الغمري ،
والشيخ عبد الحليم بن مصلح .
والشيخ علي النبتيتي ، والشيخ علي البحري ، والشيخ محمد بن عنان ، والشيخ محمد المنير ،
والشيخ محمد العدل وغيرهم رضي الله عنهم ، ورأيتم يفتون الخبز اليابس في الماء ويكتفون به
وكان الشيخ تاج الدين الذاكر رحمه الله تعالى يقول : ليس القناعة بأن يأكل الشخص كل ما وجد من غير كُلفة ،
وإنما القناعة أن يكون عنده المال الكثير والطعام ؛ ومع ذلك لا يأكل إلا كل خمسة أيام أكلة صغيرة ، أو ثلاثة أيام .
وقد كان سيدي علي الخواص رحمه الله إذا أكل لا يجاوز
تسع لقم ويقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: (( حَسبُ ابنِ آدَمَ لُقَيمَات يُقِمنَ صُلبَهُ ))
واللقيمات من الثلاث إلى
التسع ، وقوله صلى الله عليه
وسلم حق وصدق فمن
آمن به صلى الله
عليه وسلم الإيمان
الكامل كفته التسعُ لُقَم ،
ولا يحتاج إلى زيادة عليها .وقد سمعته
رحمه الله مرة يقول : من لم يكتفِ بالتسع لقم في
اليوم والليلة فهو لم يؤمن الإيمان الكامل ، لقوله صلى الله عليه وسلم
« حسب ابن آدم »ا إلخ .قلت : وينبغي حمل ذلك على غير أصحاب الأعمال
الشاقَّة ، أما أصحابها كالحَرَّاث ،
والحصاد ، و التَّرَاس ، والنُّوتي ،
والفاعل ونحوهم ، فلا يكفيه مثل ذلك إلا إن كانت تصير قوّته مَلكَية ، وغلبت روحانيته على جسمانيته ،
والحمد لله رب العالمين .
منقول من كتاب
تنبيه المغترين للشعراني
مطبعة دار البشائر