إكرام الضيف وخدمته بأنفسهم إلا بعذر شرعي ، ثم لا يرون أنهم كافئوه بإطعامه وخدمته ، على تخصيصه إياهم بالإقامة عندهم ، وإحسانه الظن بهم ، وعدم اعتقاده فيهم البخل ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدم الضيف بنفسه ، وكذلك أصحابه وأتباعهم رضي الله عنهم
ولما قدم وفد النجاشي عليه صلى الله عليه وسلم لم يكِّن أحدا يخدمهم غيره صلى الله عليه وسلم وقال «إِنَّهم كَانُوا لأَصحابِنَا مُكرِمين ، وأَنَا أرِيدُ أن أُكافِئُهم على ذلك»
وكان السلف يعدون ليلة الضيف كأنها ليلة عيد لما حصل لهم من السروروكان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يقول : لأن أجمع نفرا من أصحابي على طعامي أحبُّ إلي من عتق رقبةوكان أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : زكاة الدار أن يجعل فيها بيتاً للضيافةوكان بكر بن عبد الله المزني رحمه الله تعالى يطعم الضيف ، ثم يكسوه إذا أراد الانصراف ويقول : إن فضل إجابته إلى طعامي أعظم مما صنعته أنا معهوقد كانت كنية إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ( أبا الضيفان ) لكونه كان يذهب الميلين إلى الضيف ليأتي به إلى منزلهوقد كانت عائشة رضي الله عنها تقول : ليس من السَّرف التبسُّط للضيف في الطعاموقد كان مجاهد رحمه الله تعالى يقول في قوله تعالى ))ضيف إبراهيم المكرمين )) إنما كانوا مكرمين ! لأن الخليل عليه الصلاة والسلام خدمهم بنفسهوكان عبد الواحد بن أبي ليلى رحمه الله تعالى لا يدخل عليه أحد إلا أطعمه وسقاه ، ثم اعتذر إليه - أي : اعترافا بأنه مقصر في حقهقلت : وممن أدركناه على هذا القدم سيدي الشيخ محمد بن عنان ، والشيخ أبو الحسن الغمري ، والشيخ عبد الحليم بن مصلح ، والشيخ محمدالشناوي والشيخ أبو بكر الحديدي وجماعة رضي الله عنهم أجمعين وكانوا لا يتكلفون للضيف خوفا أن يضجروا منه إذا أتاهم مرة أخرى ، ويقولون : من كان يطعم ضيفه ما يجد فلا يبالي به ، أي وقت جاءوقد سئل عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى عن مناولة الضيوف الطعام لغيرهم فقال : إن كان لبعضهم فلا بأس ، وأما للأجنبي ! فلاوكان بكر بن عبد الله المزني رحمه الله تعالى يقول : من دعي إلى طعام فذهب معه بآخر استحق لطمه ، فإن قيل له : اجلس هاهنا ، فقال : بل هاهنا ، استحق لطمتين ، فإن قال لصاحب الدار : ألا تأكل معنا ، استحق ثلاث لطمات - أي : لأن ما فعله في الثلاث خصال فضول منهوكان محمد بن سيرين رحمه الله تعالى يجتهد أن يطعم الضيف من شيء لم يكن عند ذلك الضيف ، ولا في بلدهقال خالد بن دينار رحمه الله : دخلت على محمد بن سيرين رحمه الله تعالى ومعي رفقة فأخرج إلينا شهدا . وقال : أظن أن مثل هذا ليس هو عندكم ؟ قلنا نعموكان ميمون بن مهران رحمه الله يقول : من أطعم ولم يُتمِر ، أي : لم يطعم الضيف تمراُ أو شيئاً حلواً كان كمن صلى العشاء ولم يوترواعلم أن الواجب على المضيف أن يطعم الضيف من الحلال ، وأن يعلمه بمواقيت الضيف أن يجلس حيث أجلسوه ، وأن يرضى بما إليه قدموه وأن لا يخرج حتى يستأذنوكان أوس بن خارجة يقول : ما دعوت قط نفرا إلى طعامي وأكلوه؟ إلا ورأيت الفضل والمنة لهم علي أكثر من منتي عليهموكان حامد اللفاف رحمه الله تعالى يقول : من علامة المتفعل في الزهد أنه إذا استضافه أحد يذكر له سخاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وإن أضاف هو أحداً يذكر له زهد عيسى عليه الصلاة والسلاموقد كان الأصمعي رحمه الله تعالى يقول : إذا استضافك بخيل فبادر إليه وعلمه الكرم ، ولا تأكل له طعاما ، وإياك أن تنسى دابته من العلف ؟ فإنه ربما فرط في عشائها وكان يقول : ما استضفت عند بخيل إلا وصاحت دابتي جوعاً ، واستغنيت عن الخلاء ، وأمنت من التُّخمةقلت : وقد أنشدني شيخ الإسلام كمال الدين الطويل رحمه الله تعالى أبياتا في
البخل ، وهي قوله :
* وَإذا أردتَ إخــــــــــاءَه فَـــارفع يمينك منْ طَعَامِــــهْ
فــــــَـالموت أهونُ عنــــدَهُ مِن مضـــغِ ضيفٍ والتقامِــهْ
سِيَّـــــــانِ كسرِ رغيفِــــهِ أو كسرُ شيءٍ من عظامِـــــهِ
* وَإذَا مـــــررتَ ببابِـــــهِ فأحفظ رَغيفَــــكَ من غُلامِـهْ
فاعلم ذلك يا أخي ؛ وفتش نفسك هل تخلقت بتلك الأخلاق ، أم فرطت فيها وقلت : إن إطعام الطعام ليس هو من طريقتنا ، ولا طريقة شيخنا كما يقع في ذلك بعض من ادعى الطريق بغير صدق ، ويقول : إن كل فقير جعل له سماطا فكأنه جعل مكانه مناخا للبطالين فاحذر يا أخي ؟ من ذلكوالحمد لله رب العالمين منقول من كتاب تنبيه المغترين للشعراني