ومن أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم :الاتعاظ بما يرونه لبعضهم في المنام أو يرى لهم، وعدم قولهم هذه أضغاث أحلام ، كما عليه بعض المتصوفة من أهل هذا الزمان فلا يلتفتون لمثل ذلك ، وربما يقول بعضهم : إن المنام إنما هو للرائي ، لا للمرئي له ، وذلك من الجهل فإن الرؤيا وحي المؤمن يأتيه بها ملك الإلهام في المنام ليعرفه بما جهل من حاله في اليقظة
وقد بينت في غير هذا الكتاب عملي بذلك من حيث التجربة فينبهني الله تعالى بذلك على صورة ما وقعت فيه من النقائص من حيث لا أشعر ، أما ما أشعر به فلا أحتاج فيه إلى منام بل أكتفي فيه بنهي الشارع صلى الله عليه وسلم وما توعدني على ذلك النقص من العقوبة
وقد كان مالك بن دينار رحمه الله تعالى يقول : رأيت مسلم بن يسار رحمه الله تعالى في المنام بعد موته ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ فقال لي :والله ، لقد رأيت أهوالا وزلازل شدادا
وكان إبراهيم التيمي رحمه الله تعالى يقول : رأيت موسى بن مهران في المنام بعد موته رحمه الله تعالى فقلت له : ما فعل الله بك ؟ فقال : إني أحاسب منذ مِتُُّ على أكلي من طعام الأمراء
وقال بعضهم : رأيت الحسن بن ذكوان في المنام بعد موته بسنة رحمه الله تعالى ، فقلت له : ما فعل الله بك ؟ فقال :أنا محبوس من جهة إبره استعرتها ولم أردَّها ، فقلت له : يا أخي ، أيَّ القبور أكثر إضاءة ، فال : قبور أهل المصائب في الدنيا
وكان عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى يقول : ربما يرى بعضهم الرؤيا السوء للرجل الصالح ليزداد بها نشاطا ، وربما يرى بعضهم الرؤيا الصالحة
للرجل السوء ليزداد بها استدراجا ؛ كما قال بعضهم للربيع بن خيثم رحمه الله تعالى : إني رأيتك في المنام كأنك من أهل النار ، قال فكان الربيع بعدها لا ينام الليل مطلقا ، ويقول : خوف النار قد منعني النوم
وقال رجل للعلاء بن زياد رحمه الله تعالى : إني قد رأيتك البارحة وأنت تخطر في الجنة ، فقال له : أما وجد إبليس أحدا يسخر به غيري ، ولا أحدا أحقر في عينه منك حتى يجعلك رسوله !!
وكان فرقد السنجي رحمه الله تعالى يقول : خطر في نفسي مرَّة أني قد صرت من الصابرين فرأيت تلك الليلة قائلا يقول لي : لا تكن من الصابرين حتى تستقلَّ أعمالك في عينك وتخاف عليها من الردَّ والفساد
وقال حوشب لمالك بن دينار رحمهما الله تعالى : رأيت كان قائلا من جهة السماء يقول : يا أهل الأرض ؛ الرحيل ، فما رأيت أحدا رحل إلا محمد بن واسع ، قال : فخرّ مالك مغشيا عليه
وقال فرقد السنجي رحمه الله تعالى : سمعت مناديا ينادي من جهة السماء ويقول : يا أشباه اليهود ؛ إن أُعطيتم لم تشكروا ، وإن ابتُليتم لم تصبروا ، ومع ذلك تزعمون أنكم من الصالحين ، فكونوا على حذر من سطوات ربكم
وقد رأى بعض أصحاب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أن القيامة قد قامت ، ونادي المنادي : أين فلان بن فلان ؟ فصار الناس يحاسبون ، ثم يذهب بهم إلى النار ، ثم نادي المنادي أين عمر بن عبد العزيز ؟ فأتي به فحوسب ، ثم نجا وأمر به إلى الجنة ، قال : فلما قص الرائي هذه الرؤيا على عمر ووصل إلى قوله أين عمر خرَّ مغشيا عليه ، فصار الرجل يناديه في أذنه ويقول: رأيتك والله ؟ قد نجوت ، وعمر لا يعي ما يقول .
ففتش يا أخي ؟ نفسك فأنت أعرف بها من غيرك ، ولا تركن إلى قول بعضهم لك
رأيتك البارحة في الجنة مثلا إلا بعد عرض أفعالك وأقوالك وعقائدك على الكتاب والسنة ، فاعلم ذاك يا أخي ؟ ولا تكن مغرورا .
والحمد لله رب العالمين