رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
ومن أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم :
عدم الإجابة إلى طعام من في ماله شبهة من أمير ، ومباشر ، وقاض ، وكاشف ، وشيخ عرب ، وشيخ بلد ، وتاجر يبيع على الظلمة ، وإضرابهم ،
وكثرة تعففهم عما في أيدي الناس من الحلال
واعلم أن من علامة الشبهة في الطعام أن ينوع الإنسان الأطعمة لأنه لو تبع الحل لما وجد شيئا من الحلال ينوع به الطعام ، ولذلك نهى النبي
صلى الله عليه وسلم عن أكل طعام المتبادرين
ـــ يعني : المتفاخرين
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول : لا تأكل إلاَّ من طعام التقي النقي ، ولا تطعم طعامك إلاَّ للتقي النقي وكان رضي الله عنه لا يجيب
إلى وليمة إلاَّ إن وثق بدين صاحبها وثوقا شديداً
وكان أبو مسعود ألبدري رضي الله عنه لا يجيب وليمة إلاَّ إن علم أن لا يكون هناك شيء نهى الله عنه
وقد كان أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه إذا ذهب إلى وليمة ورأى في البيت سترا يرجع ؛ ويقول لا يستر البيوت إلا الأكاسرة
والجبابرة ، ونحن لا نأكل لهؤلاء طعاما
ودُعي حذيفة رضي الله عنه إلى وليمة
فرأى هناك شيئا من زِيِّ العجم فرجع مسرعا ، وقال :
من تشبه بقوم فهو منهم ، ومن رضي بفعل قوم فهو شريكهم
وكان محمد بن سلام السكندري رحمه الله تعالى يقول : قد ذهبت السُّنَّة في الولائم : أن الجافان كانت تملأ طعاما و يُغدى بها إلى المسجد فيأكل
منها كل من كان حاضرا من غني وفقير وشريف
ووضيع ، وكان صاحب الوليمة إذا خصَّ
الأغنياء بالدعوة ؛ لا يأكل الناس
له طعاما ويقولون :
إنه شر الطعام
وكان الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى يقول : إن الرجل ليكون له موقع من قلبي ، فإذا رأيته وسَّع في الطعام سقط من عيني لقلة ورعه
وقد قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بنى إياك وحضور الولائم فإنها تذكرك بالدنيا وشهواتها
وكان أيوب السختياني رحمه الله تعالى يقول : لا يكمل الرجل حتى يكون فيه خصلتان ؛ التعفف عما في أيدي الناس ، وتحمل الأذى منهم
وكان مالك بن دينار رحمه الله تعالى إذا دعي إلى وليمة ورأى هناك أحداّ من ولاة الجور ؛ رجع مسرعا ، وقال : إنا لا نجالس الجبابرة
وكان ميمون بن مهران رحمه الله تعالى يقول : ومؤاكلة المحب تهضم الطعام ، ومؤاكلة العدة تاتخمه
وكان شقيق بن إبراهيم رحمه الله تعالى يقول : لم يبق في هذا الزمان وليمة على وفق السنة ، ولقد ندمت على إجابتي الولائم
وكان الثوري رحمه الله تعالى يقول لأصحابه : عليكم بعدم حضور
الولائم ما أمكن ، إلاّ إن كانت سالمة من البدعة ،
فإنه ما أكل رجل قطُّ من قصعة رجل إلا ذل له
وقد كان أمير المؤمنين عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما لا يجيبان إلى حضور الولائم ، ويقولان : نخاف أن يكون الطعام مباهاة ومفاخرا
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : نُهينا أن نجيب إلى طعام من أظهر لنا أمارات الرياء والسمعة في طعامه ، أو كان في
بيته ستُورٌ كستور الكعبة
وكان حاتم الأصم رحمه الله تعالى يقول : إن مذمة الناس للشخص في هذا الزمان مدحه له ، لأنهم لا يذمونه إلا بما لا تهواه نفوسهم
وكان موسى بن طلحه رضي الله عنهما يقول : أرسل إليّ عبد الملك بن مروان بثلاث بدر فضة وأرسل يقول فرقها على الفقراء فأجبته إلى ذلك ،
ثم أرسلت منها شيئا إلى أبى رزين العقلي وكان
مجهودا رحمه الله تعالى فكأني ألقيت
عليه العقارب ، فردها ؛
وبات طاويا
وقد أرسل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه بمال إلى أبى ذر رضي الله عنه مع عبدٍ له ، وقال له : إن قبله منك ،فأنت حر ،
فلما ذهب إليه العبد بالمال لم يقبله ، فمال له
العبد : يا سيدي ؛ إن قبولك
له فيه عتقي ، فقال له
أبو ذر رضي الله
عنه : إن كان فيه عتقك ، فإن فيه رِقِّي
فاعلم ذلك وفتش نفسك هل تعففت قط كما تعفف هؤلاء ، أم أكلت كلما دعيت إليه ، وقلت : الأصل الحل ، وأتلفت نفسك ، ومن تبعك ممن
يقول لولا أن ذلك حلال ما أكل منه سيدي
الشيخ ، وإياك ودعوى الصلاح
وأنت لم تتعفف ،
والحمد لله رب العالمين
منقول من كتاب
تنبيه المغترين
للشعراني