:)
رؤية الله تبارك و تعالى
وقع الخلاف بين اهل العلم فى مسالة رؤية الله تعالى فى الدنيا , فذهب البعض إلى الجواز
لعدم قيام الدليل الشرعى على المنع , و ذهب الآخرون إالى المنع.
المطلب الاول : المجوزون لرؤية الله تعالى فى الدنياذهب بعض اهل العلم الى جواز رؤية الله تعالى فى الدنيا عقلا , و قالوا ليس فى الشرع دليل قاطع على استحالتها
ولا امتناعها , و الدليل على جوازها فى الدنيا سؤال موسى عليه السلام لها , و محال ان يجهل نبى بما يجوز على الله
و ما لا يجوز عليه بل لم يسال إلا جائزا غير محال , و لكن وقوعه و مشاهدته من الغيب الذى لا يعلمه إلا من علمه
الله تعالى فقال له تعالى فى سورة الاعراف(لن ترانى) الاعراف 43
اى لن تطيق و لن تتحمل رؤيتى ثم ضرب له مثلا مما هو اقوى من بنية موسى و اثبت و هو و الجبل , و كل هذا ليس فيه ما يحيل رؤيته فى الدنيا بل فيه جوازها على الجملة و ليس فى الشرع دليل قاطع على استحالته او امتناعها إذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة (1), و البعض ممن جوذوا رؤيته سبحانه و تعالى فى الدنيا ذهبوا مذهب بعيد
فنجد اصحاب الحلول إذا راوا انسان يستحسنونه لم يدروا لعل الهمهم فيه , و اجاز كثيرون ممن جوز رؤيته سبحانه فى الدنيا مصافحته و ملامسته و مزاورته إياهم , وقالوا : إن المخلصون يعانقونه فى الدنيا و الآخرة إذا ارادوا ذلك (تعالى الله عن ذلك)
و حكى عن بعضهم : ان الله على قدر الاعمال فمن كان عمله افضل رآه احسن ,
و قد ذهب المجمة إلى ان الله تعالى يرى فى الدنيا و الآخرة. (2)
_________________________________________________
(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى , القاضى عياض , جـ1 صـ423ــ , دار الكتب العالمية د.ت
(2) بحوث و دراسات فى علم الكلام , د/عبد القادرالبحراوى , صـ275ــ , د.ت , د.ط
رؤية الله تعالى فى المنام- ذهب البعض إلى ان رؤية الله تعالى فى الدنيا تجوز فى النوم اما فى اليقظة فلا,
( قال الحافظ ابن حجر : جوز اهل التعبير رؤية البارى عز وجل فى المنام مطلقا , و لم يجروا فيها الخلاف فى رؤيا النبى صلى الله عليه وسلم , و اجاب بعضهم عن ذلك بامور قابلة للتاويل فى جميع وجوهها : فتارة يعبر بالسلطان , و تارة بالوالد , و تارة بالسيد , و تارة بالرئيس فى اى فن كان , فلما كان الوقوف على حقيقة ذاته ممتنعا و جميع من يعبر به يجوز عليهم الصدق و الكذب كانت رؤياه تحتاج إلى تعبير دائما , بخلاف النبى صلى الله عليه وسلم فاذا رؤى على صفته المتفق عليها و هو لا يجوز عليه الكذب كانت فى هذه الحالة حقا محضا لا يحتاج إلى تعبير.
و قال الغزالى : ( و مثل ذلك من يرى الله سبحانه و تعالى فى المنام فإن ذاته منزهة عن الشكل و الصورة و لكن تنتهى تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور او غيره , و يكون ذلك المثال حقا فى كونه واسطة فى التعريف فيقول الرائى رايت الله فى المنام لا يعنى انى رايت ذات الله تعالى كما يقول فى حق غيره.
و قال ابو القاسم القشيرى ماحصله : إن رؤياه على غير صفته لا تستلزم إلا ان يكون هو , فإنه لو راى الله عن وصف يتعالى عنه و هو يعتقد انه منزه عن ذلك لا يفتح فى رؤيته بل يكون لتلك الرؤيا ضرب من التاويل , عما قاله الواسطى : (من راى ربه على صورة شيخ كان اشارة إلى وقار الرائى و غير ذلك ),
و قال عياض : ( إنه لا نزاع فى وقوعها و صحتها فإن الشيطان لا يتمثل به تعالى علسهم الصلاة و السلام)
, و قال البغوى : رؤية الله تعالى فى المنام جائزة , قال معاذ عنه النبى صلى الله عليه وسلم :
( إنى نعست فرايت ربى ) و تكون رؤيته جلت قدرته ظهور العدل و الفرح و الخصب
و ممن اثبتها ايضا : الإمام احمد , و ابن تيمية , و خلائف . (1)
_________________________________________________
(1) الرؤية , للحافظ ابى الحسن ابن عمر الدرافطنى , صــ78 , 79 ـــــ , الطبعة الاولى ( 1411 هـــ , 1990 م )المطلب الثانى : المنكرون لرؤية الله تعالى فى الدنيا إتفق السلف و ائمة الخلف على ان الله لا يراه احد بعينه فى الدنيا , و لم يختلفوا إلا فى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ,
و سئل شيخ الإسلام إبن تميمة عن اقوام يدعون انهم يرون الله بابصارهم فى الدنيا
و انهم يحصل لهم بغير سؤال ما حصل لموسى بالسؤال ؟
فاجاب اجمع سلف الامة و ائمتها على ان الله لا يرى فى الدنيا بالابصار و ان العلماء لم يتنازعوا إلا فى النبى صلى الله عليه وسلم و ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم و ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال : ( و اعلموا ان احدا منكم لن يرى ربه حتى يموت) , و من قال من الناس ان الاملياء او غيرهم يرى الله بعينه فى الدنيا فهو مبتدع ضال مخالف للكتاب و السنة و إجماع سلف الامة , لاسيما اذا ادعوا انهم افضل من موسى فإن هؤلاء يستتابون , فإن تابوا و إلا قتلوا و الله اعلم ) (1)
و قال ابن القيم : ( المنحرفون فى باب الرؤية نوعان : احدهما يزعم انه يرى فى الدنيا و يحاضر و يسافر و الثانى من يزعم انه لا يرى فى الآخرة البتة و لا يكلم عباده , و ما اخبر الله به و رسوله و اجمع عليه الصحابة و الائمة يكذب الفريقين(2)
و من الآراء السابقة نستطيع ان نستخلص الآتى :ان رؤية الله تبارك و تعالى فى حد ذاتها ممكنة و جائزه عقلا و شرعا , و لكن رؤيته تعالى فى الدنيا قد حكم الله تعالى بعدم وقوعها كما قال عز وجل فى سورة الانعام ( لا تدركه الابصار ) 103فإن المراد نفى الرؤية فى الدنيا , و هذا احد القولين فى تفسير الآية لتتفق مع الاحاديث النبوية الشريفة التى تؤكد وقوع الرؤية فى الآخرة .فلو ذهبنا إلى القول بان رؤية الله غير ممكنة فى حد ذاتها لاخبرنا على الله تبارك و تعالى عدم قدرته ان يرينا نفسه فى هذه الدار و هذا باطل ممتنع , فان الله على كل شىء قدير , و لكنه من تمام حكمته سبحانه و تعالى حجب عنا نفسه فى هذه الدار ليحيى من يحيى عن بينه و يهلك من يهلك عن بينه , فيستبين المؤمن من الكافر و البر من الفاجر فبعدله , و حكمته بعد نفسه عن ابصارنا و فطرها و ركبها على الا تراه فى هذه الدار , لذا لما قال موسى عليه السلام (ربى ارنى انظر إليك) الاعراف 143قال تبارك و تعالى ( لن ترانى )
اى لن ترانى فى هذه الدار لانى خلقتك على هذه الكيفية , اما من قال بان الله يرى فى الدنيا فهو مبتدع ضال مخادع لما اخبر به الله و رسوله و لاسيما اذا ادعى انه افضل من موسى عليه السلام (3)
المطلب الثالث: رؤيه النبى صلى الله عليه وسلم لله سبحانه وتعالى فى ليله الاسراء ومن اثبت ذلك ومن نفاه
اختلف السلف والخلف فى هذه المسأله اختلافا بينا, فمنهم المثبت ومنهم النكر, ومنهم المتوقف.أ) اما الذبن ذهبوا الى انه صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه فجماعه من الصحابه التابعين وغيرهم نذكر منهم :
عبد الله بن عباس, وانس بن مالك, وابو ذر, وروى فى ذلك عن أبى هريره, وابن مسعود وعروه بن الزبير, وكان يشتد عليه رضى الله عنه اذا ذكر له انكار عائشه رضى الله عنها والحسن البصرى وكان يحلف على ان محمدا رأى ربه, وكعب الاحبار وعكرمه وعبد الله بن الحارس وابن نوفل والزهرى وابراهيم التيمى, وسائر أصحاب بن عباس, واحمد بن حنبل, وابن خزيمه, والاشعرى, وأتباعه وخلائق .
وهؤلاء الذين أثبتوا الرؤيه بنوا مذهبهم على مقتضى تفسير قوله تعالى :-
" ماكذب الفؤاد مارأى افترونه على مايى ولقد رءاه نزلة اخرى "
وعلى قوله تعالى :-" وماجعلنا الرؤيا التى أرينك الا فتنه للناس " الاسراء :- 60
- اخرج مسلم فى صحيحه عن أبى العاليه عن ابن عباس قال :-
( ماكذب الفؤاد مارأى ولقد رآه نزلة أخرى قال : رأه بفؤاده مرتين )
- وروى النسائى فى (التفسير ) من حديث هشام عن قتاده عن عكرمه عن ابن عباس قال :
( تعجبون أن تكون الخله لابراهيم, والكلام لموسى, والرؤيه لمحمد صلى الله عليه وسلم)
- رواه اسحاق بن راهويه عن معاذ بن هشام عن أبيه, وهو اسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقال عاصم الاحول عن عكرمه عن ابن عباس :
" ان الله اصطفى ابراهيم بالخله واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بالرؤيه "
رواه ابن خزيمه فى صحيحه من هذا الوجه (1)
_________________________________________________
(1)الغنيه فى مسأله الرؤيه , ابن حجر العسقلانى ,د.ت,د.ط , طبعه دار الصحابه للتارث , ص ص 17,18.وقال ابن خزيمه فى ( صحيحه ) : ( حدثنى عمرتنا عبد الرازق عن المعتمر بن سليمان عن البارك بن فضاله
قال : كان الحسن يحلف بالله لقد رأى محمد ربه "
وقال الحكم بن أبان : سمعت عكرمة يقول : سمعت ابن عباس سئل : هل رأى محمد ربه , قال : نعم , فقلت لابن عباس : أليس الله يقول : " لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار " – الانعام : 103
قال : ( لا ام لك , ذلك نوره , واذا تجلى بنوره لم يدركه شىء "
رواه النسائى فى (تفسيره) وابن خزيمه فى ( صحيحه ) والترمذر فى ( جامعه ) من حيث الحكم . (2).
ب)أما الذين ذهبوا الى النبى صلى الله عليه وسلم لم ير ربه تعالى ,فجماعه من الصحابه وتابعهم أيضا نذكر منهم : السيده عائشه رضى الله عنها وابن مسعود , واختلف عليه وعلى أبى هريره وأبى ذر , وذهب الدرامى فى السرد على الجهميه الى اجماع الصحابه على ان النبى صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليله المعراج (3)
وعن النكرون مذهبهم على عموم قوله تعالى :" لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار "- الانعام 103وعلى غير ذلك .
أخرج البخارى من حديث القاسم عن عاءشه رضى الله عنها قالت :
( من زعم أن محمدا راى ربه فقد اعظم , ولكنه راى جبريل سادا بين الافق ) (4).
وفى الصحيح من حديث مسروق , قلت لعائشة : ياأماه هل رأى محمدا ربه , فقالت : لقد وقف شعرى ,
من حدثك ان محمدا رأى ربه كذب , ثم قرأت : ( لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير )
ولكنه رأى جبريل عليه السلام فى صورته مرتين ) (5)
___________________________________________________________
(2) المصدر السابق , ص 18
(3) مجموع القناوى ,ج6,ص 507
(4) اخرجه البخارى فى بدء نخلق من صحيحه.
(5) اخرجه البخارى (6/607)وصرحت فى روايه أخرى انها سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالت :
( أنا اول هذه الامه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك , فقال : انما هو جبريل لم اره
على صورته التى خلف عليها هاتين المرتين ) ( 1)
واخرج البخارى عن ابى هريره رضى الله عنه قال : ( رآاه جبريل عليه السلام ) (2).
واخرجا ف الصحيحين عن ابن مسعود فى قوله تعالى : ( فكان قاب قوسين او أدنى فأوحى الى عبده ماأوحى , قال :
( ان محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائه جناح ) (3)
وأخرج مسلم عن ابى ذر انه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : ( نور أنى أراه ) (4).
وجاء عن خزيمه انه قال : ( رآخ بقلبه ولم يره بعينه ). وفى هذا يقول الدارقصلى (5)
" لقد أطال العلماء البحث فى هذه المسأله ,وأتى كل فريق منهم بشواهد تؤيد مذهبه , ولكن من خلال استقرائنا لادله الطرفين , واستشفافنا لسبب بخلاف الجوهرى , وجدنا والله أعلم أن من أ نكر الرؤيه , وأراد بها الرؤيه البصريه لا القلبيه , وجمهور من اثبتها لم يرد بها البصر , وانما أراد بها الرؤيه القلبيه وهذا هو الثابت المشهور عن الصحابه واما ماحكاه الغوى رحمه الله فى تفسيره من ان انس بن مالك وعكرمة والحسن والربيع بن انس ذهبوا الى الرؤيه بالعين , ففيه نظر , وكذا ما حكاه بعضهم عن الامام أحمد من ان النبى صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه ,ولما كان كذلكفان المذهب الى كون النبى صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه تعالى بقلبه لا بعينه والله اعلم ....)
_____________________________________________________________________
(1)اخرجه مسلم (1/159/177)
(2) أخجره برقم (4856,1857,1858)
(3) اخرجه البخارى (8/608)ومسلم ( 1/ 158)(174)
(4)مجموع الفتاوى ,جزء 6 ص ص 509,510وأما الذين توقفوا :فذكر الحافظ بن حجر مانصه : ( وقد رجح القرطبى قول الوقف فى هذه المسأله وعزاه لجماعه من المحققين , وقواه بانه ليس فى الباب دليل قاطع , وغايته ما استدل به للطائفتين ظواهر متعارضه قابلة للتأويل , قال : وليست المسأله من العمليات فيكفى فيها بالادله الظنيه , وانما هى من المعتقدات فلا يكفى فيها الا بالدليل القطعى ) (1), ومفهوم كلام القرطبى فى تفسيره يدل على انه يذهب الى اثبات الرؤيه القلبيه , قال فى قوله تعالى : (ماكذب الفؤاد )