:)
أمة اقرأ لا تقرأ .. بقلم عدنان الضاهر
في معظم الدراسات والإحصاءات التي تصدر سواء عن المنظمات الدولية أو المؤسسات الحكومية والخاصة فإننا لا نتفاجئ أن نرى أسماء الدول العربية تتصدر رأس القائمة إن كان الإحصاء يبدأ بالسلبي وينتهي بالإيجابي أو تتربع دائما على ذيلها إن كان يبدأ بالإيجابي وينتهي بالسلبي.
وهذا الترتيب المخزي حقيقة لم يعد مقتصراً على جانب واحد بعينه , بل أصبح شاملاً وجامعاً لكافة مناحي الحياة الإنسانية من بحث علمي وقراءة للكتاب والترجمة والإنتاج الفكري والأدبي مروراً إلى نسبة الأمية وتفشي الجهل ومصادرة الحريات العامة وحتى الرياضة بكافة أنواعها .....إلخ.
والدخول في معمعة الأرقام والإحصاءات ليس محبذاً في هذا المقام , ولكن للتوضيح والبيان لا بد من الإشارة إلى بعض منها .
فعلى مستوى الإنفاق الحكومي على البحث العلمي تشير إحصاءات عام 2004 إلى أن إنفاق الدول العربية مجتمعة لم يتجاوز 1,7 مليار دولار أي ما نسبته 0,3 % من الناتج القومي الإجمالي .
وهو مبلغ يكاد لا يتجاوز ما تنفقه إحدى الجامعات الأمريكية وحدها كجامعة هارفارد مثلاً .
أما الطامة الكبرى لشعوبنا العربية فتتمثل في معدلات القراءة المتدنية جداً والتي يخجل المرء من ذكرها . حيث لا يتجاوز معدل قراءة الفرد العربي من الكتاب ربع صفحة سنوياً , بينما تصل إلى 11 كتاب للفرد الأمريكي و35 للأوروبي و40 كتاب للمستوطن الإسرائيلي في الكيان الصهيوني.
وتذكر منظمة اليونسكو في تقرير صادر لها أن معدل نشر الكتاب في العالم العربي لا يتجاوز ما نسبته 7% ,وأن نصيب كل مليون عربي من الكتب لا يبلغ 30 كتاباً في حين أن هناك 584 كتاب لكل مليون أوروبي .
وأن عدد النسخ المطبوعة من الكتاب العربي يتراوح ما بين 1000 و 3000 نسخة في أعلى معدلاتها, بينما تصل إلى عشرات الآلاف في أمريكا وأوروبا.
أما عن حركة الترجمة التي أبدع فيها المسلمون قديماً ولاسيما في العصر العباسي فلا تكاد تكون أفضل حالاً من البحث العلمي والقراءة حيث بات من شبه المعروف لدى الجميع أن دولة أوروبية واحدة مثل أسبانيا تترجم سنوياً أكثر مما يترجمه العرب مجتمعين .
إن أسباب التردي هذا قد يعزوه البعض إلى سنوات الاستعمار التي خضعت لها معظم الدول العربية أو إلى نظرية المؤامرة التي تحاك ضدنا والتي يؤمن بها كثير من الناس أو إلى سياسات بعض الحكومات العربية التي ترى في الجهل والأمية وسيلة ناجعة لإبقاء الشعوب تحت السيطرة .
ومهما يكن فلا يجوز لنا دائماً أن نبحث عن شماعة كي نعلق عليها اخطاؤنا.
فاليابان على سبيل المثال نهضت في أقل من عشر سنوات وبعزيمة أكبر من ذي قبل بعد الحرب العالمية الثانية وأصبحت مدارسها وليست جامعاتها تخرج طلاباً يتفننون في صناعة الرجل الآلي أو ما يعرف" بالروبوت" في حين أنه مضى على استقلال معظم الدول العربية أكثر من نصف قرن من الزمان ولكن لا حياة لمن تنادي .
إن من أكثر الأشياء إيلاماً في حياتنا المجتمعية هي انتشار ثقافة ( القراءة لا تطعم خبزاً ) وهذه الثقافة - مع الأسف الشديد - باتت منتشرة بين خريجي الجامعات أي بين النخبة المحسوبة على الطبقة المثقفة وتلك النظرة المبطنة بالسخرية لمن يُشاهد يقرأ كتاباً بعد التخرج ناسين أو متناسين أن القراءة فعل حضاريٌ إنسانيٌ راق تسمو به النفوس وتطمئن به القلوب وتُهذب بها الأخلاق وهي كذلك ركنٌ أساسيٌ من أركان نهضة الأمم والشعوب .
وكذلك فإن محاولة تغييب رموز الفكر والأدب والإبداع عن المشهد الإعلامي وعن وعي الشباب العربي واستبدالهم بنجوم وهميين من مخرجات سوبر ستار وستار أكاديمي ليكونوا أنموذجاً لهم هي من أكثر العوامل التي تعمل هدماً ونسفاً لقيم الثقافة والقراءة والبحث عند هؤلاء الشباب .
فمن منهم لا يعرف سيرة حياة تامر حسني وهيفا ونانسي وشعبان عبد الرحيم وأليسا وغيرهم كثيرون في حين ينظرون إليك نظرة استغراب ودهشة إذا ما سألت أحدهم عن يوسف زيدان ورائعته عزازيل أو عن عبد الرحمن منيف وملحمته مدن الملح أو ادوارد سعيد بكل أعماله الرائعة أو غيرهم من الكتاب والمفكرين .
ألن نكون صادقين مع أنفسنا إذا قلنا أن حفلة غنائية واحدة لأحد الفنانين المذكورين آنفاً قد تحشد الآلاف من الجمهور والحضور في حين تجد معظم مقاعد القاعات التي تُعقد فيها المحاضرات قد عشش عليها الغبار والنسيان ؟! أليس هذا العصر الذي نعيشه الآن هو عصر المطبلين والمزمرين وليس عصر الكتّاب والمفكرين ؟!
إن معظم الأمم الأخرى قد ارتقت وأنتجت تراثاً حضارياً وفكرياً بفعل ثقافة القراءة والبحث العلمي والترجمة . بينما جافينا نحن هذه الأشياء بعد أن كنا روادها فتقدم القوم وبقينا نحن في آخر الركب . فصغرنا وتقزمنا أمامهم وبتنا في كل حال من الأحوال في محل مفعول به أو في محل مجرور بدل أن نكون في محل فاعل مرفوع الرأس بالعلم والثقافة والمدنية .ألم يعد أعدائنا يهزؤون منا بسبب هجرنا للقراءة ؟! ألم يقل وزير حرب الكيان الصهيوني موشي دايان في أعقاب نكسة حزيران أن العرب لا يقرؤون ؟!
إننا بكل بساطة تحولنا إلى أمة " لا تقرأ " بدل أن كنا أمة " اقرأ " وباتت مجتمعاتنا غارقة إما تحت ثقافة الاستهلاك أو أصبحت مكبلة بتفاصيل وجزئيات الحياة اليومية التي تسرقنا من أنفسنا وتغيبنا عن ذواتنا الحقيقية التي يجب أن نكون عليها وتدخلنا في غيبوبة النعيم بالجهل لتمضي الأمم الأخرى إلى الأمام ونبقى مهرولين إلى الوراء ناسين أن الزمن يمضي وأن لا مكان في هذا العالم للجهلاء .
سيريانيوز