:D
1– ورودُ اسم ( الرزّاق ) في القرآن والسنة :أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، إنه اسم ( الرزاق ) ، فالله سبحانه وتعالى سمّى نفسه (
الرزاق ) في الكتاب وفي السنة ، ففي الكتاب في قوله تعالى :
إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)( سورة الذاريات)
وفي الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنِّي أَنَا
الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )) .[ الترمذي ]
– معنى صيغة المبالغة في ( الرزّاق ) :وصيغة هذا الاسم صيغة مبالغة ، وإذا جاءت أسماء الله الحسنى بصيغة المبالغة فتعني شيئين : تعني كَمًّا ، وتعني نوعاً ، الله عز وجل يرزق من يشاء بغير حساب ، ويرزق النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، يرزق كل المخلوقات ، لذلك الله عز وجل يقول :وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا (6) ( سورة هود)
كلمة ( الدابة ) جاءت نكرة تنكير شمول ، لتشمل هذه الكلمة كل شيء يدب على وجه الأرض ، و( مِن ) تفيد استغراق أفراد النوع . لكن النقطة الدقيقة أن كلمة رزق أوسع بكثير من أن تكون مالاً أو طعاماً وشراباً ، والدليل على ذلك قوله تعالى :
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) ( سورة الواقعة ) .
فالإنسان إذا عرف الله فهذا رزق من الله ، فإذا ألقى الله في قلب الإنسان الأمن فهذا من رزق الله ، الأمن رزق ، إذا ألقى الله في قلبك الرضا هذا رزق ، إذا ألقى الله في قلبك السكينة فهذا رزق ، إذا ألقى الله في قلبك الرحمة فهذا رزق ، لذلك الأرزاق أوسع بكثير من أن تكون مالاً أو صحة أو طعاماً وشراباً .
لذلك إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه ، و لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين ، السكينة رزق ، كما أن المال رزق ، والجمال رزق ، والصحة ، والقوة والسكينة رزق ، والرضى رزق ، والحكمة رزق ، قال تعالى :
وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269)( سورة البقرة)إن الله عز وجل يرزق الأرواح والسرائر كما يرزق الأشباح والظواهر ،
أؤكد لك إذا أنت صليت صلاة صحيحة ، أو إذا أكرمك الله بالحج مثلاً ، وقف في عرفات وبكى حتى انتشى ، يبقى أحياناً شهراً في نشوة هذا البكاء ، أو هذا القرب أو هذه الرحمة ، إذا صلى فرض صلاة وشعر أن هذه الصلاة جيدة ، هذه الصلاة التي أرادها الله عز وجل شعر بخشوع فتح الله عليه في فهم ما تلا من قرآن ، هذه أرزاق ، إذا صام رمضان صياماً مقبولاً وشعر أن صيامه كان صحيحاً ، ليس فيه معاصيٍ ، كان منيباً إلى الله فيه ، وصلى التراويح بنشاط ، يقول لي بعض الإخوة الأكارم لو كان التراويح خمسين ركعة نحن في سرور طبعاً صيامه صحيح مستقيم أثناء النهار ، أكل قليلاً ، نام قليلاً عصراً ، جاء إلى التراويح نشيط.
قال إن الله يرزق الأرواح والسرائر كما يرزق الأشباح والظواهر وأرزاق القلوب الكشوفات والمعاني كما أن أرزاق الأجساد الغذاء والأحاظي، جمع حَظوةً ، الكشوفات أي أن المؤمن يرى مالا يرى الآخرون عنده رؤيا ، عنده شعور ، يعرف جوهر الحياة ، يعرف أين كان وإلى أين المصير ، يعرف أثمن ما في الحياة .وأرزاق الله عز وجل لا تعد ولا تحصى ، ولكن معظمه يستحقه المؤمن بإيمانه.
بعثة النبي أعظم منحة إلهية لنا ، القرآن الكريم منهج عظيم سخره الله لنا ،
من أعطى هذه الدابة القدرة على إنتاج الحليب ؟
مما يلفت النظر أن الغدة الثديية في البقرة شيء محير ، إنها كالقبة تماماً ، فوق هذه القبة شبكة أوعية دموية كثيفة جداً ، وأن الخلية الثديية تختار من الدم حاجتها لتكوين الحليب ، قال تعالى : مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)
( سور النحل )
الفرث قد يكون سائلاً ، وقد يكون غازياً ، كثاني أكسيد الفحم ، وقد يكون صلباً كالروث .
مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) ( سور النحل )
هذا الحليب الذي وهبنا الله إياه عن طريق الأنعام غذاء كامل ،
ما شرب النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الحليب شيئاً إلا قال :
اللهم زدنا منه ، مشتقات الألبان غذاء أساسي للإنسان ،
من صممه ؟ من خلقه ؟ الله جل جلاله .
هذه الفواكه التي ترونها من صمم أنها تنضج خلال صيف بأكمله ، لماذا القمح ينضج في يوم واحد ؟
والفواكه تنضج على مدى الصيف ؟
لذلك معنى الرزاق أنه خلق الأرزاق ، لكن الذي يلفت النظر تناسب هذه الأرزاق مع بنية الإنسان ، القمح غذاء كامل للإنسان .
هذا أمر إلهي في القرآن الكريم ، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، قال تعالى :
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) ﴾ .( سور عبس )
إذاً : التفكر في الرزق من موجبات القرآن الكريم ، لأن القاعدة الأصولية : كل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، وأنت تأكل الطعام صباحاً وظهراً ومساءً تفكر ، الزبدة من مشتقات الألبان ، واللبن المصفى من مشتقات الألبان ، والجبنة من مشتقات الألبان ، والقشطة من مشتقات الألبان ، والسمن من مشتقات الألبان ، ما هذه الألبان التي أكرمنا الله بها ؟وأحد أسباب كسب الرزق خبراتك ، والخبرات التي تملكها إما خبرات في الطب ، أو الهندسة ، أو الفيزياء ، أو الكيمياء ، أو الرياضيات ، أو الفلك ، أو في صنعة ، أو في حرفة ، أو في مهارة ، أو في شيء آخر ، فكلّ إنسان يعيش بالخبرة التي يملكها من حرفة يحترفها ، من مهنة يمتهنها ، فهي خبرات متراكمة .
إذاً : الله عز وجل فضلاً على أنه خلق لك الأرزاق ، وجعلها متوافقة توافقا تاماً مع خلق الإنسان ، أعطاك وسائل لكسب الرزق ، كل واحد منا له عمل ، والعمل بفضل مهارات يملكها وخبرات ، هذا بالتجارة ، هذا بالصناعة ، هذا بالزراعة ، هذا بالطب ، هذا بالهندسة ، هذا بالتدريس ، هذا بالفيزياء ، بالكيمياء ، بالحقوق لحل مشكلات الناس ، كل إنسان يعيش من حرفة ، من مجموعة خبرات متراكمة يستخدمها لكسب المال ، إذاً : الله عز وجل جعل لك معايش ، والآية دقيقة :
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ (10) ( سور الأعراف )
يعني وسائل فعالة لكسب الرزق . لكن الرزق أيها الإخوة له أن تأخذ في
أسباب الرزق : الأخذ بالأسباب :عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )) .
[ أبو داود وأحمد ]
أن أسعى ، أن أخرج من البيت ، أن أقرأ الصحف التي فيها إعلانات لأعمال ، أن أتحرك .
التوكُّل على الله :ثم أتوكل ، لذلك لما سيدنا عمر رأى أناساً يتكففون الناس في الحج فقال : << من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله >> .
يدرس ، يجمع الخبرات ، يطرق أبواب الوزارات ، أحياناً يفتح الصحف التي فيها إعلانات عمل ، هذا هو السعي ، وبعدئذ يتوكل على الله عز وجل .
أيها الإخوة الكرام ، لكن آية مهمة جداً تحتاج إلى شرح طويل ، هي قوله تعالى :
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾ .( سورة الطلاق ) .
هذا الكلام موجه للشباب ، الشاب بحاجة إلى عمل ، بحاجة إلى مسكن ، بحاجة إلى زوجة ، وقد يتوهم أحياناً أن الطرق كلها مسدودة .
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ( سورة الطلاق )
ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها === فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُالاستقامة على أمرِ الله :﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا لنفنتهم فيه ﴾
الإيمان والتقوى :﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾ . ( سورة الأعراف الآية : 96 ) .
الاستغفار : فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) ( سورة نوح)
صلة الرحم : (( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ـ أي في أجله ـ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ )) .
[ البخاري ، مسلم ، أبو داود ، أحمد ]
فالله سبحانه وتعالى هو الرزاق.