التصوف سياحة روحية ومنهج حياة

ظهر في هذا الزمان الكثير من ادعياء العلم الذين يهاجمون اهل التصوف بأفظع العبارات التي لا يجوز إطلاقها على مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فضلا عن أهل العلم والمعرفة.

الشيخ أحمد عبد الباقي بن الشيخ دفع الصائم ديمه من أهل الصوفية والتصوف وقد أصدر سلسلة بيان المنهج الصوفي في الدعوة إلى الله تعالى وهو بمثابة سياحة روحية في منهج الصوفية. وفي معرض رده على الهجوم الموجه إلى المنهج الصوفي وأهله يقول: ذلك لم يكن غريبا فمنذ نشأة التصوف في الصدر الأول من الاسلام لم يسلم أهله من الأعداء.

وفي كل عصر من العصور كان العلماء يثنون على أهل التصوف ويمدحونهم وينصحون باتباع طريقتهم، بدءا من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب، ومرورا بالمفسرين والحفاظ والفقهاء والمحدثين وغيرهم. وفي كل يوم يأتي، يكتشف أعداء التصوف أن الصوفية على حق، وذلك من خلال المسائل التي كانوا يظنون أنهم أخطاوا فيها، ولا غرابة في ذلك. فالتصوف علم وعمل وإخلاص، أي تفقه في الدين، واتباع لسنة سيد المرسلين، وإخلاص العبادة لرب العالمين.

و المتأمل يلاحظ ان الصوفية لايهتمون كثيرا باساءات المنكرين وطعن الطاعنين، وشعارهم في ذلك قوله تعالى: «خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين»، وقوله تعالى «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما». فلا تكاد تجد أحدا منهم أساء لشخص، أو تعرض له بذم بالرغم من الطعن والأذى الذي يجدونه من أعدائهم، اللهم الا اذا دعا الحال لإحقاق الحق فعندئذ يقيمون الحجة وبالطريقة المثلى من غير تشدق وتنطع وتكفير للآخرين.

وعندما كثر الإنكار على أهل التصوف، كان حتما على العلماء أن لايكتفوا بالثناء على أهل التصوف، بل أن يبينوا للناس ما جهلوه عن التصوف، لذلك تولت جماعة منهم تلك المهمة، وألفوا في هذا الشأن اضخم المؤلفات من حيث المعاني والحجم، وهم كثر ولا يسع المجال لذكرهم.

وقد رأيت أن أحذو حذوهم وأبين بعضا من جوانب التصوف التي خفيت على الكثيرين، فكان كتابي «سياحة روحية في منهج الصوفية». لعل الله عز وجل أن يرزقني شيئا من أخلاقهم حتى يأتيني اليقين. وللصوفية علومهم ومعارفهم كيف لا وهم المقتفون لأثار رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يصدر من اقواله وافعاله الكاملة.

وظل منهج الصوفية اقرب الطرق الموصلة إلى حضرة المولى عز وجل، فأساسه الخلاص والتقوى والصدق والزهد والورع والتوكل والمحبة والصبر والقناعة وحسن العبادة وحسن العمل وحسن معاشرة الخلق والرضا والتسليم والاستقامة وجميع ما يقرب إلى الله تعالى، وكل ذلك دعت اليه السنة النبوية أيضا لأنها من الاخلاق الفاضلة وتقود للتحلي بالشمائل الكريمة. والتصوف مستمد من الكتاب الكريم والسنة المطهرة في أعلى مراتب العبادة من باب الاحسان، الذي قمته المشاهدة «أن تعبد الله كأنك تراه». ويمكن القول ان غاية ما يرمي اليه التصوف إسعاد البشرية، ونقلها من ظلمات الضلال وأسر الشهوات، إلى النور المبين الهادي إلى الصراط المستقيم.