:D
رقيقة رواسيةيقول سيدنا غريب الغرباء أبو المكارم محمد مهدي الرواس رضي الله
عنه:
كتاب الله معدن الحكم ولكن من وقف برأيه مع ظاهر مفهومه من غير
علم منصوص سقط ـ والعياذ بالله ـ في وهدة الهلاك، بل عليه أن
يأخذ حكمة أحكامه من سنة المفسر الأعظم نبي الرحمة سيدنا وسيد
العرب والعجم محمد صلى الله عليه وسلم وسنته ـ أيّد اللهُ مجدَها
ـ مُفاضةً إلينا بالوسائط العالية الصادقة من الآل والصحابة
والتابعين وأئمة الدين، فإجماعهم حجة، وطريقهم محجة، قال تعالى:
(ومَن يُشاققِ الرسولَ مِن بَعدِ ما تـَبيّنَ لهُ الهُدى
ويَتـّبـِعْ غيرَ سبيلِ المؤمنين نـُوَلـّهِ ما تولى ونـُصلِهِ
جهنمَ وساءت مصيرًا) فالموفـَق متـّبِعٌ غير مبتدع يقف في
الأعمال المفروضة والمسنونة مع النصوص بالعموم والخصوص وفيما
أبيح في حضرة الإطلاق، ومن شادّ الدينَ غلبه.
المؤمن لا يحجر على العادات المباحة، ولا يغلط بالنصيحة، ولا
يكفـِّر بالذنب، ولا يندفع على أخيه بإفشاء العيب، ولا يحكم
بالظنون، ولا يَكفـُرُ الجميلَ قلّ أو جلّ، ولا يتملـّق في
الدين، ولا يكون ظهيرًا للخائنين، ولا يُكثر التشدق متقشفـاً،
ولا يُفلت الحقَ خاملاً، ولا يرجع إلى رأيه، ولا يهين الحقَ
وأهلَه بمجرد فهمه، ولا يعدل عن الحق إذا ظهر له ولو على لسان
عبده، ولا يأخذ بالعصبية فيطمح إليها تعزُّزًا بأبيه وجده وقبيله
ومجده فإن تلك من خلال الجاهلية الأولى، ولا يجحد الحقوق ولا
يعمل بالعقوق، ولا يزلق بإهمال أمر الدين لأجل الدنيا فذلك
الخسران المبين، ولا يكون فظـًا غليظـًا لا في دينه ولا في أدبه
ولا في قوله ولا في فعله، وإذا غضب جعل غضبه لله لا لنفسه ولا
لحظه، وإذا جادل جعل جداله دائرًا بين جدارَي الحكمة والموعظة،
وأورد جُمَـلـَه بلسان النصيحة والمحبة ـ لا يشب كالحيوان
المفترس ـ يلين القول ويحسن التعبير ويأتي بالحجة البينة، ويظهر
بالحكمة البالغة، ولا يجهد أن يظهر مطلقـًا، بل يجهد أن يظهر له
الحق ويصير معه
رقيقة رواسيةقال الرفاعي الثاني سيدنا الإمام غريب الغرباء الرواس رضي الله
عنه:
عدّ أهلُ النظر المشايخَ الجهالَ الذين يتصدرون للإرشاد بين
العباد بمجرد الدعوى بالصبيان، ومنهم مَن عدّه في النساء، وذلك
لنظر حسنٍ فإن الصبي لجهله يهجم على النار ويريد السقوط في
البئر، والنساء لشهواتهن يرتكبن كلَ محظور، والمشايخُ الجهالُ
وأربابُ الأطماع الفاسدة منهم يهجمون بِغِيِهم وبهتانِهِم على
نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ويكذبون على الله
والناس، ويتبجحون بالشطحات المكذوبة على الأكابر، ويقولون
بالحلول والاتحاد، ويزلقون بعباد الله إلى الغي والفساد،
ويقدّمون ويؤخرون ويفاضلون بين الأولياء بغير ميزان شرعي ولا نص
مرعي، ويخوضون بحارَ الدعوى بعزم الزور والبهتان وخدع الشيطان،
فما أولئك إلا إخوان الشياطين وقادات المجانين، ولا عدوان إلا
على الظالمين. ولطيف قول القائل:
شيئان يعجز ذو الرياضة عنهما ~ رأي النساء وإمرة الصبيانرقيقة رواسيةقال سيدنا أبو المكارم الإمام محمد مهدي بهاء الدين الشهير
بالرواس رضي الله عنه:
إذا ابتـُليت بصديقٍ سيء الخـُلـُق فاصبر عليه فهو عدو نفسه، ومن
كان عدوَ نفسه لا يكون صديقـًا لغيره ولو سمى نفسَه صديقـًا،
وإنك بالصبر تجد لك مندوحة منه فإنه هو يفارقك، وإذا فارقك
بسائقة سوء خـُلـُقه وخـُبث نيته فاحمد الله.
وفي كلام الأمير المرتضى رضوان الله وسلامه عليه: "مَن لاحاك فقد
عاداك". والتلاحي التنازع، ومتى كان المرء كثيرَ النزاع فهو عدو
غير أنه قليل العقل، وشره عليه أكثر من شره على رفيقه أو صديقه،
وما لضيّق القلب صديق، ولا لسيء الخـُلة رفيق، ويقال: "من
التعذيب تأديب الذيب". فلا تطمع بإصلاح مَن ساءت فطرته وقبحت
سيرته، وظنـُك به الخيرَ مَيْن، فاضرب بمودته عرض الحائط، ولا
تنس قول القائل: "من استرعى الذئبَ الغنم فقد ظلم".
رقيقة رواسيةيقول سيدي غريب الغرباء أبو المكارم محمد مهدي الرواس رضي الله
عنه
لا دليل على عِظـَم منزلة الولي أدلّ من الأخلاق الحميدة فإنها
علة البعثة المحمدية الطاهرة بدليل قول المصطفى الأعظم صلى الله
عليه وسلم: (بُعثت لأتمم مكارمَ الأخلاق)
فإذا رأينا الرجل العارف متخلقـًا بالخـُـلـُق الحسن المحمدي وهو
خفي المظهر، وءاخر من العارفين دونه في الخـُلق وهو ظهوري المظهر
نرجّح صاحب الخلـُق الكامل على الآخر بلا تردد، والحق بيّن وإنه
لم يختلف في هذا من القوم اثنان.
وفي كلام السيد أحمد الرفاعي الحسيني رضي الله عنه وعنا به:
"التصوف كله خـُلـُق فمن زاد عليك في الخـُلـُق زاد عليك في
التصوف".
والخـُلق معراج السر فإن الضيّـق الخـُلق لا بد وأن يكون ضيّق
حظيرة السر، وحينئذ يكون عروج سره في مقامات الكمال ضيق الخطوات.
والخلق الحسن هو أن يكون العبد: ريّض القلب، نيّر السر، رحب
الصدر غير فظ ولا غليظ، يقول حقـًا ويحكم عدلاً، يرحم الصغير
ويوقر الكبير، ويكون مع الحق حيث كان، لا يهدم للشرع الأنور
جدارًا ولا يرفع للباطل منارًا، ولا ينصرف إلا لطريق المتابعة
المحمدية في الأقوال والأفعال، لا تميحه العصبية هكذا وهكذا، متى
صرعه الحق انصرع له، ولو جرى على لسان رقيقه ومملوكه، والملك لله
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والحق أقول: هذا الطراز في الأولياء رضي الله عنهم طراز الإمام
سيدنا السيد أحمد الرفاعي الحسيني رضي الله عنه، فإنه قد سلك في
الأخلاق طريقـًا صعبًا لم يسلكه غيره، وقد سبق به السابقين وأعجز
اللاحقين، ولذلك أجمع القوم على تقديمه في مرتبة الغوثية الكبرى،
وعدوا مقام سلطنة الولاية ءاية في شأنه، وهو بلا ريب إمام
الدوائر وسلطان الحظائر وشيخ البادي والحاضر، ومُلحِق عَجَزَة
الأصاغر بأقوياء الأكابر، والواحد بين أولي المقامات في جميع
الخصائص، والذي قيل فيه أنه متمم كل ناقص، والجهبذ الضخم
السلسلة، والفرد المتفـَق على أنه شيخ مَن لا شيخ له، وصاحب اليد
والبرهان المؤيَّد، والمدد الذي لا يُجحَد، والعلم الرباني
المطمطم ومحبوب جده صلى الله عليه وسلم.
رقيقة رواسيةقال الإمام أبو المكارم محمد مهدي الصيادي الرواس رضي الله عنه
أسِّسَ هذا الدين المحمدي على النفع العام للذرات كلها، والسيف
لمنع أذية المؤذين، ولحفظ الأمن الأتم للمخلوقين، فمن وقف عند
حدود الله غير ءاثم ولا عاد فلا جناح عليه، ومن راح يتعدى حدود
الله فعلى الأمة إرجاعه إلى حده وإلزامه بما ألزم به اللهُ
لعبده، والأمر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله
رقيقة رواسيةيقول سيدنا أبو المكارم محمد مهدي الشهير بالرواس رضي الله عنه
يُعرف الكامل بكلامه، والعاشقُ بتفجعه وءالامه، والمحبُ بحاله
وغرامه. وإذا جمَع العارفُ بين الكمال والعشق والمحبة وبدت عليه
ءاثار تلك الخلال وءايات تلك الأحوال، وقف معها مكينـًا وصان
سرَها أمينـًا.
فأحكِم كلامَك ليُعرَف كمالـُك، وصن تفجُعَك وألمك لتـُعرَف في
العشق هِمَمُك، واكتم حالك وغرامك لتعرف في المحبة أقدامك. وإلا
فإذا لم تـُحكِمِ الكلامَ تهتك مجد الكمال، وإذا لم تصن التفجع
والألم تسقط عن مراتب أولي الهمم، وإذا لم تكتم الحال والغرام
تزل بك في طرق المحبة الأقدام.
واعلم أن المحبة تنشأ عن طارق سر إلهي يمر على القلب فتارة يمر
وتارة يستقر، فإن استقر وخامر معناه الفكرَ أخذ يترقى حتى يصير
عشقـًا وولهًا، هذا إذا كان في حادث مصنوع ومرئي مطبوع، فما بالك
إذا كان الطارقُ في الخالق؟ فهنالك الغنيمة الكبرى والنعمة
العظمى.
وعليك حينئذ أن تشكر الله سبحانه وتحمده وتمجده وتذكره وتعظمه
وتثني عليه الخير، كما هو الحق عليك في غدوك ورواحك وقعودك
وقيامك، بل ويقظتك ومنامك.
وإذا عرفت هذا السر متيقظـًا متنبهًا تـُصان من زلقات الشطاحين
ورعونات السكارى، وتقف في حالك إلى أن تصل إلى حد مقامك مع الأدب
المحمدي والطور المصطفوي من شارقة حكم (ما زاغ البصر وما طغى)
وتغدو متبعًا للجناب الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وإذاً
أنت بإذن الله في الآمنين، والحمد لله رب العالمين.
