صالح العلي المشرف العام
تاريخ التسجيل : 12/03/2009 مكان الإقامة : سوريا التحصيل التعليمي : جامعي العمل : التعليم العمر : 65 عدد المساهمات : 5657 المزاج : اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
| موضوع: التصوف وعمارة الأرض 23.08.10 17:35 | |
| :)
التصوف وعمارة الأرض دكتورأحمد شوقى إبراهيم العمرجى أهل التصوف هم أهل الفهم عن الله ، توكلوا عليه ، فكان بمعونته لهم ، فكفاهم ما أهمهم ، وصرف عنهم ما أغمهم ، واشتغلوا بما أمرهم عما ضمن لهم ، علماً منهم بأنه إلى غيره لا يكلهم ، ومن فضله لا يمنعهم ، فدخلوا فى الراحة ، ووقفوا فى جنة التسليم ، ولذاذة التفويض ، فرفع الله بذلك مقدارهم ، وكمل أنوارهم ( 1 ) . ولكون التصوف مبنياً على الكتاب والسنة دخل فيه عظماء العلماء وانضم إلى زمرة أهله فحول الكبراء ، كالحافظ أبى نعيم ، والإمام عز الدين بن عبد السلام ، والحافظ بن الصلاح ، والإمام النووى ، وتقى الدين السبكى وابنه تاج الدين السبكى ، والحافظ السيوطى وغيرهم ( 2 ) . قال الإمام الشافعى : صحبت الصوفية فاستفدت منهم كلمتين ، قولهم (الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك ) وقولهم (نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ) (3) .
يقول الشيخ محمد زكى الدين ابراهيم : دخل الصوفية الراشدون على الله من باب الذكر ، فأفادوا الدين والدنيا ونجحت تجاربهم الى درجة اليقين القطعى عندهم وقد أصابوا ويصيبون من أسرار القدس الأعلى وأنواره ما لا طاقه لكاتب بوصفه أو تفضيله ، وكانت تجاربهم في هداية الناس أنجح ما عرف الناس ، وستظل كذلك بإذن الله (4) ، ومن آدابهم : اجتناب الكسل والضجر ، فيقول أبو عبد الله السلمى : سمعت محمد بن عبد الله الطبرى يقول : سمعت على بن بابويه يقول : إياك والكسل والضجر فإنك إذا كسلت لم تؤد حق الله تعالى ، وإذا ضجرت لم تصبر على حق الله تعالى (5) .
إن التصوف قدرة نفسية وطاقة هائلة لايقدر على تحملها إلا الأفذاذ ، فالصوفى الحق هو ذلك الإنسان الذى استطاع أن يقهر رغبات نفسه وشهواتها وتحرر من سلطان جسده ، وتدرج فى مدارج الصوفية الروحية ، فانتقل من حال الى حال ومن مقام الى مقام ليصل في النهاية الى المعرفة اليقينية ، ومتى تحقق بهذه المعرفة فقد توصل الى السعادة واليقين , وقد لجأ إليهم الناس فى أوقات الشدة فوجدوا عندهم التعاطف والمشاركة والعناية والأمن والسكينة (6) .
إن المتأمل في تاريخ التصوف الإسلامى بصفة عامة والمتفحص حقائق الحب الإلهى ودقائقه ورقائقه بصفة خاصة ، يلاحظ أن الصوفية المسلمين المحقيقين المتحقيقين ، إنما كانوا عارفين بالله بقدر ما كانوا محبين له ، أو أنهم محبون لله بقدر ما هم عارفون به (7) .
زعم البعض أن التصوف دعوة إلى العزلة والسلبية والتواكل ، وما السلبية والتواكل إلا أمراض إجتماعية ألصقت بالتصوف زورا وبهتاناً ، أما الصوفية فلا يعرفون السلبية ولا التواكل أبداً ، ولو تتبعت يا أخى آداب المريد بكتب الصوفية لوجدتهم جميعاً يدفعون تلاميذهم إلى العمل والإنتاج ويؤكدون لهم أنه لا تتحقق خلافة الله على الأرض بالسلبية والتواكل والإستسلام .
وقد كانت الألقاب الصوفية تدل على ما يزاولونه من مهن وحرف وصناعات فمنهم القصاب ، والوراق ، والخراز ، والبزاز ، والحلاج ، والزجاجى ، والحصرى ، والصيرفى ، والمقرئ ، والفراء ، والسماك ، وهذا أكبر دليل أنهم كانوا بحق مثالاً للمسلم الكامل إيماناً وعملاً وصلةً كبرى بالله ، فالتواكل مرض دخيل على التصوف الصحيح يعالجه علماء الصوفية كل بإسلوبه .
يقول الدكتور عبد الحليم محمود : لقد قيل لأحد شيوخنا الصالحين الأجلاء : إن أحدهم ينتقد فلانا من شيوخ التصوف في المجلات ، فقال رضوان الله عليه : وهل من حق الخنافس أن تحكم علي أعمال الأسد ، إن الخنافس لا تحكم على أعمال السباع وليس من حقها أن تتحدث فيما تفعله السباع ، ومنطقها دائماً منطق الخنافس (8).
ومن طريف ما يروى في التصوف الإسلامى أن علومه كلها ذوق ، أن تلميذاً للصوفى محى الدين بن عربى جاء يوماً ليقول له : ( إن الناس ينكرون علينا علومنا ، ويطالبوننا بالدليل عليها ، فقال له ابن عربى ناصحاً : إذا طالبك أحد بالدليل والبرهان على علوم الأسرار الإلهية ، فقل له : ما الدليل على حلاوة العسل ، فلا بد أن يقول لك : هذا علم لايحصل إلا بالذوق ، فقل له : هذا مثل ذاك (9) .
ويعلق الدكتور أبو الوفا التفتازانى نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق على هذا الكلام بقوله : وهذه الإجابة من ابن عربى تدل على عمق تحليله لأحوال التصوف ، فهو يريد أن يقرر أن التصوف يتعلق بمجال العواطف الإنسانية ، وهو مجال لايخضع – بلغة علماء النفس المحدثين للقياس الكمى – وسبيل معرفته هو المعاناة ولا شئ غيرها ، كما أنه لايخضع لمنطق العقل واستدلالاته . (10) .
يذكر الدكتور علي جمعه في كتابه (التربية والسلوك ) : أن ثمة حقيقة شرعية وهى ان الإنسان قبل البنيان والساجد قبل المساجد ، هذا ما بينه لنا ربنا سبحانه وتعالى ، وعلى هذا ربي رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وعلي نهجه سار التابعون بإحسان قرنا بعد قرن وجيلاً بعد جيل حتي ياتي امر الله وهم علي ذلك ، ثم يضيف الإمام الدكتور قوله : هذا المسجد الذي نحن فيه لما بناه "السلطان حسن " ألحق به داراً للطب (بيمارستان ) حتي يخفف الآلام عن المرضي ، وألحق به مدرسة تحيط بنا فى كل مكان حتي ينقلوا العلم لمن بعدهم ، وكانوا يدرسون أكثر من سبعين علماً ، منها : الفلك والطب والهندسة ......ألخ ، حتي مكنهم الله من إقامة مثل هذا البناء الذي مازال شامخاً جميلاً ، فيه من الروحانية ما الله به عليم إلي يومنا هذا بعد مضى القرون ( يرجع تاريخ إنشاء هذا المسجد الذي يقصده الإمام المربي إلي عام 747 للهجرة – عام 1356 للميلاد ) (11) .
ويضيف المستشار الدكتور مصطفي سعفان القول : ولما كان الصوفي يعامل الله في أشخاص خلقه ، فهو يحافظ أبداً علي ألا يراه الله حيث نهاه ، ولايفقده حيث أمره ، فكل ما يصدر عنه من أعمال الدنيا إنما يصدر عن إحسان وإيقان واحتياط ، وإجادة مطلقة ومفضية إلي كل تجديد وأمانة وعفة ، وتقديم وابتكار ، فكل ذلك عنده عباده مهداه إلي الحق ، المستحق وحده للعباده في كل صورة من صور الحياة العملية والفكرية ، حتي صور الترفيه والمتعة الحلال ، التي تريح النفس وتملأ القلب بالحمد والشكر لله الكريم الوهاب ، فهي عند الصوفي عادة يؤديها لله ، بحكم استخلافه علي الأرض ليعمرها وينتفع بها ويستمتع بما فيها من زينة الله والطيبات من الرزق ، ومن هنا يظهر الأثر الكبير للتصوف المستنير في دفع عجلة الحياة كلها إلي التسامي والتقدم ، وهكذا نري أن التصوف الحق إنما هو : دنيا ودين ، وعباده وخلق ، وكفاح و إنتاج ، وظاهر وباطن لأنه علم وعمل تطبيقي سلوكى رفيع ، من فاته نصيبه منه ، فقد فاته الخير الذي لايعوض ، ولزومه للشباب وللشيب ضرورة حيوية ماديه وروحية معاً ، فهو الطريق الوحيد لرد الإعتبار الإنساني المفقود في أسواق المادية (12) .
وكان الشيخ أبو الحسن الشاذلي ينصح أتباعه بقوله : ( يا بني برّد الماء ، فإنك إذا شربت الماء الساخن فقلت : الحمد لله ، تقولها بكزازة ، وإذا شربت الماء البارد فقلت : الحمد لله ، استجاب كل عضو فيك بالحمد لله ) (13) . ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــ المصادر والمراجع (1) ابن عطاء الله السكندري : تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس ص 144 (دار جوامع الكلم ) . (2) الشيخ عبد الله الصديق الغماري : حسن التلطف في بيان وجوب سلوك التصوف ص 8 (مكتبة القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 2006 م ) . (3) الحافظ جلال الدين السيوطى : تأييد الحقيقة العلية ، وتشييد الطريقة الشاذلية ص 13 (مكتبة القاهرة ، الطبعة الثالثة 2008 م ، تحقيق : عبد الله الصديق الغماري ) . (4) محمد زكي الدين إبراهيم : أصول الوصول ج1 ص29 (الطبعة الخامسة ، مؤسسة إحياء التراث الصوفي ) (5) أبو عبد الله السلمي النيسابوري : جوامع آداب الصوفية ص88 ـ 89 (دار جوامع الكلم ، القاهرة ) . (6) دكتور عامر النجار : التصوف النفسي ص422 ( الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986 م ) . (7) دكتور محمد مصطفي حلمي : الحب الإلهي في التصوف الإسلامي ص60 (طبعة الهيئة العامة للكتاب 1986 م ) . (8) محمد عبد الحليم المنشاوي : فلسفة التصوف الإسلامي ص20 (مكتبة مدبولي 2008 م ) . (9) ابن عربي : التدبيرات الإلهية ص114 – 115 (طبعة نيبرج ) . (10) دكتور أبو الوفا الغنيمي التفتازاني : مدخل إلي التصوف ص10 (دار الثفافة للنشر والتوزيع ) . (11) دكتور علي جمعه محمد : التربية والسلوك ص99 – 100 (الوابل الصيب للإنتاج والتوزيع والنشر) (12) المستشار الدكتور مصطفي أحمد سعفان : ملامح التجديد في النهوض بالطريفة الصوفية ص45 (تحقيق د.سهير الزيني ، ومحمد حسني زغلة ، مؤسسة إحياء التراث الصوفي ) . (13) ابن عطاء الله السكندري : لطائف المنن ص128 (تحقيق د.حسن جبر شقير ، دار الحسين الإسلامية) . | |
|
الفاروق مشرف
تاريخ التسجيل : 05/05/2009 مكان الإقامة : سوريا التحصيل التعليمي : كلية الشريعة العمل : مدرس العمر : 47 عدد المساهمات : 4805 المزاج : أسأل الله العفو والعافية
| موضوع: رد: التصوف وعمارة الأرض 23.08.10 19:45 | |
| :D أهل التصوف هم أهل الفهم عن الله ، توكلوا عليه ، فكان بمعونته لهم ، فكفاهم ما أهمهم ، وصرف عنهم ما أغمهم ، واشتغلوا بما أمرهم عما ضمن لهم ، أستاذي الحياوي بارك الله فيك جهودك مباركة | |
|
ابن التين مشرف
تاريخ التسجيل : 17/03/2009 مكان الإقامة : ســـوريــــــــا التحصيل التعليمي : طالب جامعة العمل : موظف العمر : 51 عدد المساهمات : 1959 المزاج : الحمدلله رب العالمين
| |