أيها الأخوة الكرام : مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم ورودالوكيل في القرآن الكريم : أيها الأخوة ، ورد هذا الاسم في قوله تعالى : ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ .( سورة آل عمران ) . هذا هو الموضع الوحيد في القرآن الكريم الذي ورد فيه الاسم مطلقاً معرفاً بالألف واللام .لكن ورد في مواضع أخرى مقروناً بمعاني العلو ، ورد في قوله تعالى :﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ .( سورة الأنعام ) . هنا اقترن الاسم بالعلو ، والعلو يزيد المطلق كمالاً . وعند البخاري من حديث ابن عباس أنه قال : (( حسبنا الله ونعم الوكيل )) . قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار ، وقالها محمد عليه الصلاة والسلام حين قالوا : ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ .( سورة آل عمران ) . وفي سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن ، وحنى جبهته ، وأصغى السمع متى يؤمر ؟ قال : فسمع بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشق عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل )) .[ الترمذي عن أبي سعيد الخدري] . بعثة النبي عليه الصلاة والسلام أحد أشراط الساعة: أيها الأخوة ، يقول عليه الصلاة والسلام : ((بعثت والساعة كهاتين )) .[ البخاري عن سهل بن سعد] . فبعثة النبي عليه الصلاة والسلام أحد أشراط الساعة ، من هذه الأحاديث :(( موت كقعاص الغنم )) .[ .الصغير عن معاذ بسند صحيح ] . (( لاَ يَدْرِى الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ )) . [ مسلم عن أبي هريرة] . ألف الناس أن يستمعوا كل يوم إلى مئات القتلى ، ومئات الجرحى وكأنه خبر عادي .(( موت كقعاص الغنم )) . [ .الصغير عن معاذ بسند صحيح ] . (( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً )) . [ ابن ماجه عن عبد الله بلفظ قريب منه ] . (( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر ؟ قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأشدُ ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف ؟ قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأَشدُّ ، كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً )) .[ أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب ] . نحن في زمن تبدلت القيم ، نحن في زمن طمست الفطرة .
من هان أمر الله عليه هان على الله : (( يوشكُ الأُمَمُ أنْ تَدَاعَى عليكم كما تَدَاعَى الأَكَلةُ إلى قَصْعَتِها ، فقال قائل : من قِلَّة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير )) [أخرجه أبو داود عن ثوبان ] . أي مليار وخمسمئة مليون لا وزن لهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، ليست كلمتهم هي العليا ، أمرهم ليس بيدهم . (( بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنَّكم غُثاء كَغُثَاءِ السَّيْلِ )) . قش يطفو على سطح السيل ، هل يؤثر باتجاهه ؟ هل يؤثر في مساره ؟. (( وليقذفنَّ في قُلُوبكم الوَهْنَ ، قيل : وما الوْهنُ يا رسول الله ؟ قال : حُبُّ الدُّنيا وكراهيَةُ الموتِ )) .[أخرجه أبو داود عن ثوبان ] . كان الواحد بمليون ، بألف ، الآن الألف أو المليون بأف . الملخص : هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة : أيها الأخوة ، حينما قال الله عز وجل : ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ .( سورة آل عمران الآية : 110 ) . هذه الخيرية لها علة :﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ .( سورة آل عمران الآية : 110 ) . لماذا أهلك الله بني إسرائيل ؟ قال : ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ .( سورة المائدة الآية : 79 ) . علة الخيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا لم نأمر بالمعروف ولم ننهَ عن المنكر فقدنا علة الخيرية ، إذاً نحن الآن أمة كأية أمة خلقها الله . ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾ .( سورة الكهف ) . هذه الحقائق مؤلمة ، لكنها ضرورية ، لأن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح .الوكيل في اللغة : الوكيل هو القيم و المشرف : "الوكيل" في اللغة : هو القيم ، المشرف ، الكفيل ، الذي تكفل بأرزاق العباد ، حقيقة الوكيل أنه يستقل بأمر الموكل إليه ، وكيل كامل . الآن هناك وكالة عامة ، يمكن للوكيل العلم أن يطلق الزوجة ، وكالة عامة ، توكل بالأمر أي ضمن القيام به ، وكلت أمري إلى فلان ألجأته إليه ، واعتمدت فيه عليه ، وكّل فلان فلاناً أي استكفاه أمره ، إما ثقة بكفايته ، أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه ، وكيلك في كذا أي سلمته الأمر ، وتركته له ، وفوضته إليه ، واكتفيت به ، فالتوكل قد يأتي بمعنى تولي الإشراف على الشيء ومراقبته ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من توكل لي ما بين لحييه وما بين رجليه توكلت له بالجنة )) . [ أخرجه الحاكم عن سهل بن سعد ] . حديث دقيق يدل على أن معظم معاصي الناس من كلامهم . (( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً )) .[ الترمذي عن أبي هريرة] . و :(( من توكل لي ما بين رجليه ـ شهوة الجنس ـ وما بين لحييه ـ فكيه ـ توكلت له بالجنة )) .[ البخاري عن سهل بن سعد الساعدي] . . من ضبط شهوته ولسانه توكل الله له الجنة:من ضبط شهوته :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ .( سورة المؤمنون ) . لكن لا يوجد في الإسلام حرمان : ﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ .( سورة المؤمنون ) . إذاً : من ضبط شهوته ومن ضبط لسانه ، توكل الله له بالجنة . الإمام الغزالي عدّد أكثر من عشرين أو ثلاثين معصية يقوم بها اللسان ، غيبة ، نميمة ، بهتان ، إفك ، سخرية ، فمعاصي اللسان لا تعد ولا تحصى . (( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه )) .[أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك ] . 2 ـ الاعتماد على الغير و الركون إليه : التوكل يأتي أيضاً بمعنى الاعتماد على الغير ، والركون إليه ، كما في قوله تعالى:﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ .( سورة الطلاق الآية : 3 ) . من توكل على الله فهو أقوى الأقوياء : لكن أيها الأخوة ، لا بدّ من التنويه إلى أن التوكل محله القلب ، أما الأعضاء ينبغي أن تسعى (( إِن الله يَلُومُ على العَجْز )) [ أخرجه أبو داود عن عوف بن مالك ] . بعض المسلمين انتهينا ، ما بيدنا شيء ، الله يتوكل بهم ، هذا اليأس ، والسوداوية ، والانسحاب من المجتمع ، والتشاؤم ليس من صفات المؤمن ، الكرة في ملعبنا . ﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾ .( سورة الأنفال الآية : 19 ) . والله عز وجل بيده كل شيء .﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ . ( سورة هود الآية : 123 ) . لذلك : ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ ،إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ القصص في القرآن شواهد مذهلة على عظمة الخالق : هناك شواهد مذهلة في القرآن الكريم ، مثلاً : إنسان فجأة وجد نفسه في بطن حوت ، الأمل صفر ، الحوت وجبته المعتدلة بين الوجبتين أربعة طن ، معناها لقمة واحدة ، في ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة الليل ، وفي ظلمة البحر . ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾ .فالله عز وجل قلب القصة إلى قانون :﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ . ( سورة الأنبياء ) . في أي زمان ، في أي مكان ، في أي ظرف ، طاغية كبير " فرعون "، قوي جداً ، معه أسلحة فتاكة ، حاقد ، متغطرس ، وراء شرذمة قليلة على رأسهم سيدنا موسى ، هو خلفهم ، والبحر أمامهم ، هل هناك أمل ؟ الأمل صفر . ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ .( سورة الشعراء ) . أخواننا الكرام ، اليأس يعني كفر بالله . ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ .( سورة آل عمران ) . لكن بشرط ألا يهون أمر الله علينا ، من هان أمر الله عليه هان على الله . 3 ـ الكفيل : أيها الأخوة ، ربما تفسر كلمة "الوكيل" بالكفيل ، هذا معنى إضافي ، لكن "الوكيل" أعم من الكفيل ، فكل وكيل كفيل ، لكن ما كل كفيل بوكيل . و قد ورد عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً )) .[ الترمذي عن عمر بن الخطاب] .
التوكل الحقيقي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء: التوكل الحقيقي صدقوا أيها الأخوة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، أنت مسافر سفراً طويلاً بمركبتك ، ما هو التوكل ؟ أن تراجع هذه المركبة جزءاً جزءاً ، المحرك ، الزيت ، المكابح ، أن تراجع كل شيء ، وأن تكون جاهزة في أعلى جاهزية ، وبعد ذلك من أعماق أعماق قلبك : يا رب أنت المسلم ، وأنت الحافظ ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذه بطولة ، من السهل أن تأخذ بالأسباب وتعتمد عليها وتنسى الله ، أو أن تؤله الأسباب كما يفعل الغرب ، ومن السهل أيضاً ألا تأخذ بها ، تواكل ، يا رب لا يوجد غيرك . المسلمون الآن لضعف فهمهم العميق لحقيقة الدين ينتظرون معجزة من الله تقضي على أعدائهم ، أعداؤهم يزدادون قوة ، هذه سذاجة ، أفق ضيق ، الله قال : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ .( سورة الأنفال الآية : 60 ) . بعد أن تعد لهم ما تستطيع قل : يا رب أنت الناصر ، أنت الموفق ، أنت الحافظ ، أنت المؤيد ، ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذا درس يحتاجه المسلمون . سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام كان من الممكن كما نقله الله نقلة إعجازية من مكة إلى بيت المقدس على البراق ، أن ينتقل إلى المدينة ، لكن أعطانا درساً لا ينسى ، هيأ من يأتيه بالأخبار ، هيأ من يمحو الآثار ، هيأ من يأتيه بالزاد ، مشى مساحلاً ، قبع في غار ثور أياماً ثلاثة ، هيأ راحلة ، هيأ خبيراً ، غلب عليه الخبرة لا الولاء ، كان الخبير مشركاً ، أخذ بالأسباب كلية ، فلما وصلوا إليه توكل على الله ، قال : (( يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما )) .[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك ] . هذا درس لنا جميعاً . تاجر تعمل دراسة صحيحة ميدانية ، مستوى البضاعة ، أسعارها ، المنافسون ، بعد أن تجري دراسة تامة ، وعقدت صفقة ، يا رب أنت الجبار ، أنت الجبار بعد الدراسة المستفيضة . طالب ، يدرس ليلاً نهاراً ، أنت الموفق يا رب ، يجب أن تأخذ بالأسباب ، لأن الفرق بيننا وبين أعدائنا أنهم يأخذون بالأسباب .
الوكيل من توكل بالعالمين خلقاً و تدبيراً و هداية و تقديراً : أيها الأخوة ، الآن إذا قلنا الله هو "الوكيل" ، أي هو الذي توكل بالعالمين خلقاً ، وتدبيراً ، وهداية ، وتقديراً ، هو المتوكل بخلقه إيجاداً وإمداداً ، ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ . من كانت علاقته مع الله كان من أسعد الناس : إخواننا الكرام ، الله عز وجل :﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ .( سورة هود ) . ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾ .( سورة الزخرف الآية : 84 ) . ﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾ .( سورة الكهف ) . هذه المعاني مسعدة ، علاقتنا مع جهة واحدة . (( من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد كفاه الله سائر همومه )) . [ ابن عساكر عن ابن مسعود ] . اعمل لوجه واحد يكفك الهموم كلها ، والله أيها الأخوة مشاعر الموحد مشاعر رائعة ، علاقته مع جهة واحدة ، هذه الجهة تعلم ما يعمل . حدثني أخ كان بالحج أنه عمل هدياً وأخذ إيصالاً ، قال لي : أنا أول مرة الإيصال أتلفه لأن هذا لله عز وجل ، الله يعلم هو لا يريد إيصالاً . علاقتك مع الله لا تحتاج إلى بيان ، ولا تحتاج إلى قسم ، الله يعلم ، حتى إن بعضهم قال : الحمد لله على وجود الله ، الله موجود ، ويعلم . إذاً : ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ .
الله ألزم ذاته العلية أن يهدي الناس إلى الصراط : قال تعالى : ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ .( سورة الزمر ) . وقال هود عليه السلام متحدياً : افعلوا ما شئتم . ﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ .( سورة هود ) . عندما تأتي على مع لفظ الجلالة تأتي بمعنى الإلزام الذاتي ، أي الله عز وجل ألزم ذاته العلية بأن يكون مع خلقه مستقيماً ، ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ . الله وكيل المؤمنين لأنهم اعتقدوا في حوله وقوته :
"الوكيل" الكفيل بأرزاق العباد ومصالحهم ، وهو سبحانه وتعالى وكيل المؤمنين . ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ .( سورة الحج الآية : 38 ) . أحياناً الإنسان يوكل محامياً ، كلما كان المحامي أكثر خبرة ، أو أقرب صلة مع القضاة ، أو أكثر هيمنة في قصر العدل ، يرتاح الموكل ، يقول لك : المحامي فلان ، الراحة تأتي من قوة المحامي ، فإذا كان خالق السماوات والأرض وكيلاً لك ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ . إذاً : هو سبحانه وتعالى وكيل المؤمنين لأنهم اعتقدوا في حوله وقوته ، تقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، أي لا حول عن معصية الله إلا بالله ، ولا قوة على طاعته إلا به .
توكل المؤمنين على الله : المؤمنون لماذا توكلوا عليه ؟ لأنهم خرجوا من حولهم وقوتهم ، وآمنوا بكمال قدرته ، وأيقنوا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، فركنوا إليه في جميع أمورهم ، فالله عز وجل إذا تولاك من يستطيع في الأرض أن ينال منك ؟ إذا كان الله معك فمن عليك ؟ . وجعلوا اعتمادهم عليه في سائر حياتهم ، وفوضوا إليه الأمر قبل سعيهم ، واستعانوا به حال كسبهم ، وحمدوه بالشكر بعد توفيقهم ، وبالرضا بالمقسوم بعد ابتلائهم ، قال تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ .( سورة الأنفال ) . عليك ألا تتوكل توكلاً ساذجاً ، هناك توكل ساذج ، هناك توكل اسمه تواكل ، هناك توكل الكسالى ، وهناك توكل الجهلاء ، أنا أرفض هذا التوكل ، سيدنا عمر سأل جماعة من الناس قال لهم : من أنتم ؟ قال : نحن المتوكلون ، قال لهم : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله ، ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ . وقال الله عز وجل في وصف المؤمنين : ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ .
من استقام على أمر الله استطاع التوكل عليه : هذا الاسم أو هذا التوكل الذي ينبغي أن يكون للمؤمنين ضعيف جداً ، دائماً خائف من الآخر ، خائف من قوي . تصور ابناً صغيراً ، أو ابناً غير صغير التحق بقطعة عسكرية ، من والده ؟ قائد الجيش ، جاء عريف هدده فبكى ، هذا أبوه أقوى من أكبر رتبة بالجيش ، فعندما يبكي طفل أو شاب خوفاً من شخص هدده ، ووالده بيده كل شيء يكون من أحمق الناس . ﴿ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ . الله عز وجل خاطب النبي الكريم فقال : ﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾ .( سورة الأحزاب ) . ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ﴾ .( سورة المزمل ) . لكن لا بدّ من التنويه ، الإنسان إذا كان يعصي الله فمعصيته حجاب بينه وبين الله ، العاصي يخجل أن يتوكل على الله ، المتوكل هو المستقيم ، أنت حينما تستقيم على أمر لله تستطيع أن تتوكل على الله . أحد العلماء ـ ابن القيم رحمه الله تعالى ـ يقول : توكيل العبد لربه يكون بتفويض نفسه إليه ، وعزلها عن التصرف إلا بإذنه ، وهذا هو عزل النفس عن الربوبية وقيامها بالعبودية . من توكل على الله شعر بالأمن و الراحة و الطمأنينة : أيها الأخوة ، ذاق طعم التوكل من توكل على الله ، يصبح عنده أمن ، عنده راحة ، عنده شعور أن الله لن يتخلى عنه ، نحن نفتقد لحياة نفسية عالية ، الإنسان قد يكون قوياً وغنياً لكن عنده خوف وقلق مستمر ، أما إذا كنت مع الله كان الله معك ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾ .( سورة التوبة الآية : 51 ) . والله عز وجل قال : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ .
عدم استواء المحسن مع المسيء لأن هذا يتناقض مع عدل الله : ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ .
فهل من المعقول أن يستوي عند الله المستقيم والمنحرف ؟ الصادق والكاذب ؟
المخلص والخائن ؟ المحسن والمسيء ؟
مستحيل ! أنا أقول كلمة : إذا استوى المحسن والمسيء هذا الاستواء لا يتناقض مع عدل الله فحسب بل يتناقض مع وجوده ، اطمئن أية جهة قوية أرادت أن تبني مجدها على أنقاض الشعوب ، أن تبني حريتها على ضغط الشعوب ، أن تبني عزها على إذلال الشعوب ، والله الذي لا إله إلا هو أن تنجح خططها على المدى البعيد هذا يتناقض مع وجود الله . ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ . الضعف في أصل خلق الإنسان لحكمة من الله تعالى : هناك نقطة دقيقة : لو أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان قوياً ، إن خلقه قوياً لن يتوكل عليه ، إن خلقه قوياً لن يلجأ إليه ، إن خلقه قوياً لن يتوب إليه ، إن خلقه قوياً لن يطيع أمره ، لكن لحكمة بالغةٍ بالغة خلقه ضعيفاً ، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه ، فإذا افتقر في ضعفه سعد في الدنيا والآخرة ، لم يخلقه قوياً لأنه لو خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، السعادة أن تكون معه ، السلامة أن تكون معه ، فالضعف في أصل خلقك في صالحه ، عنده السعادة ، عنده الأمن ، عنده الرضا ، عنده التفوق ، خلقك ضعيفاً كي تلجأ إليه. بعض العارفين قال : إذا كنت في كل حـال معي فعن حمل زادي أنا في غنى فأنتم والــحق لا غيركم فيــا ليت شعري أنا من أنا * * * وقالوا : وإذا العناية لاحظتك جفونها نم فالمخاوف كلهن أمان * * * إذا توكلت على الله خدمك أعداؤك ، وإذا اعتددت بنفسك قد يتطاول عليك أبناؤك. أحياناً الله عز وجل يهلك على أتفه سبب ، وأحياناً يحفظ لأتفه سبب ، الأخطار قائمة إذا كنت معه نجاك من هذه الأخطار .
بطولة الإنسان أن يأتي ربه طائعاً و بمبادرة منه : إخواننا الكرام مرة ثانية : نحن نعاني من متاعب ، طبيعة الحياة الدنيا متعبة ، هناك قلق على الصحة ، هناك أمراض لا تعد ولا تحصى ، هناك أمراض وبيلة ، هناك نقص مياه ، و غلاء أسعار ، و عدو متسلط أحياناً ، هناك شبه مصيبة ، شبح حصار ، شبح حرب أهلية ، فرص عمل قليلة جداً ، طرق مسدودة ، لو أن أحدنا سأل هذا السؤال : يا رب لماذا هذه المتاعب ؟ لأنك في دار العمل ، فإذا قصرت بالعمل ابتلاك الله بالهم ، الله عز وجل يسوقنا إلى بابه . (( عجب ربنا من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل )) [رواه أحمد والبخاري وأبو داود عن أبي هريرة] . هو البطولة أن تأتيه طائعاً ، أن تأتيه بمبادرة منك . لو دخلت إلى مسجد ، رأيت فيه عشرة آلاف مثلاً ، اعتقد يقيناً أن تسعة آلاف من هؤلاء جاؤوا إلى الله عقب تدبير حكيم ، هذا بمشكلة ، هذا بمصيبة ، هذا بمرض ، الله عز وجل رب العالمين ، يعالجنا في الدنيا ، يسوق لنا بعض الشدائد ، والله الذي لا إله إلا هو وهذا إيماني يوم القيامة إذا كشف الله لك عن حكمة الشدائد التي ساقها إليك يوم القيامة ، إن لم تذب كالشمعة محبة له فهذا الدين باطل ، هذا إيماني ، والدليل : ﴿ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ . ( سورة يونس ) . أيها الأخوة ، دققوا في هذه الآية : ﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ .( سورة القصص ) . هذه الشدائد لو لم تكن لكان الله ملوماً يوم القيامة ، هذه الشدائد لو لم تكن لكان نقصاً في حكمة الله عز وجل ، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق . إذاً : سعادتك بالإقبال عليه ، أمنك بالاتصال به ، راحتك بمعرفته ، فإذا قصرت بمعرفته ساق لك من الشدائد ما يدعوك إليه . والله إنسان أصابته أزمة قلبية ، وكان مفرطاً في المعاصي ، لما شعر ببلوغ أجله وهو في العناية المشددة ، قال لي : ناجيت ربي ، قال له : يا رب أتحب أن آتيك عارياً ؟ ولا عمل صالح لي ؟ أمهلني أي أعطيني فرصة ، أعطاه فرصة ، بعد أيام تحسن وضعه وخرج ، فبدأ يحضر دروس علم ، قال لي : في إحدى ساعات النشوة مع الله ، قلت له : يا رب كل هذه السعادة بالإقبال عليك ، لمَ لم تأت هذه الأزمة من عشر سنوات ؟ لا أحد يعرف ما عند الله من سعادة لو اصطلح معه وأقبل عليه . فأحياناً يسوق لك الشدائد من أجل أن تقبل عليه ، من أجل أن تصل إليه ، من أجل أن تتوكل عليه ، التوكل على الله شيء مسعد ، لكن قلّما يفعله الناس ، التوكل يحتاج إلى استقامة ، والتوكل يحتاج إلى معرفة ، تعرفه وتستقيم على أمره الآن : وإذا العناية لاحظتك جفونها نم فالمخاوف كلهن أمان * * * لكن إنسان معرفته بالله ضعيفة جداً كيف يتوكل عليه ؟ الآن الناس يحتاجون إلى سند أرضي ، يريد ماله يهبه الأمن ، يريد إنساناً قوياً يعتمد عليه يقيم علاقة مودة بينه ، يريد راحته بأسباب أرضية ، قلّما تجد إنساناً مؤمناً ثقته بالله وحده ، ليس له سند أرضي إلا أن الله عز وجل يطمئنه . من أحبه الله ألقى هيبته في قلوب الناس : أيها الأخوة ، يقول عليه الصلاة والسلام : (( إن قُلُوبَ بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ، كقلب واحد ، يُصَرِّفُه حيث شاء )) .[أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص] .
هل تعلم أن هذا الحديث وحده يهبك الأمن ، هؤلاء الأقوياء الذين حولك ، الأقوياء الذين لا تستطيع أن تواجههم ،
قلوبهم بيد الله ، فإذا أحبك الله ألقى هيبتك في قلوبهم ، وإذا لم يحبك الله ألقى القسوة في قلوبهم عليك ،
أي إنسان يعاملك معاملة اعلم علم اليقين أن قلبه بيد الله ، فإما أن يقسو هذا القلب ، أو أن يرق ،
إما أن يمتلئ قلب عدوك هيبة منك ، أو قسوة عليك ، قال عليه الصلاة والسلام : (( نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ )) .
[ البخاري ومسلم عن أبي هريرة ] . وحينما تركت أمته منهجه هزمت بالرعب مسيرة عام ، هذا الذي تخافه قلبه بيد الله .
(( إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يُصَرِّفُه حيث يشاء )) .
[ رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص] . في بعض الآثار : (( أن عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ـ بالآخرة لا يوجد كذب ـ يقول : يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، الله عز وجل يقول له : إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم ، ويقول لعبد آخر : عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ يقول : يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين لثقتي أنك خير حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين ، فيقول الله له : أنا الحافظ لأولادك من بعدك )) . من أراد أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله : أناس كثيرون ما تركوا لأولادهم شيئاً ، لكن تركوا لهم سمعة طيبة ، يقول أحد الآباء وقد عاتبه امرأته ما ترك لأولاده شيئاً ، يقول لها : أنا ما أكلت مالاً حراماً ، فاطمئني الله عز وجل سوف يرزقهم . قالوا : إذا أرادت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله ، أوثق منك بما في يديك ، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله ، دقق في هذه الآية :﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ﴾ . ( سورة المزمل ) . والله إنسان يوكل محامياً لامعاً جداً له هيبة بقصر العدل ، ينام مرتاحاً ، وكلت فلاناً ، فإذا وكلت الواحد الديان ، فإذا وكلت قيوم السماوات والأرض كيف تكون راحتك ؟.
مشاعر المتوكل على الله مسعدة لأن علاقته مع الله فقط : إخواننا الكرام ، مشاعر المتوكل على الله مسعدة ، أي علاقته مع جهة واحدة يرضيها ، ويتقي أن يسخطها ، وعلى الله الباقي ، أنا لا أرى آية أشعر أنها حاسمة كهذه الآية:﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ ﴾ .( سورة الزمر الآية : 66 ) . مهمتك فقط أن تعبده :﴿ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ .( سورة الزمر ) . ﴿ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ ، عليك أن تعبده ، وعلى الله الباقي ، يتولاك ، يدافع عنك ، ينصرك ، يقربك ، يلقي محبتك في قلوب الخلق ، ويلقي هيبتك في قلوب الأعداء ، ألا تكفينا هذه الآية ؟ ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ .( سورة البقرة ) .
من خرج في سبيل الله توكل الله بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى بيته : أيها الأخوة ، دققوا في هذا الحديث الصحيح: (( توكل الله بحفظ امرئ ، خرج في سبيل الله ، لا يخرجه إلا الجهاد
في سبيل الله ، وتصديق بكلمات الله حتى يوجب له الجنة ، أو يرجعه إلى بيته ، أو من حيث خرج )) .[ أحمد عن أبي هريرة ] . إنسان خرج في سبيل الله ، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله ، توكل الله بأن يدخله الجنة ، أو يرجعه إلى بيته ، أو من حيث خرج ، ﴿ قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ﴾ . إما أن نستشهد ، أو أن ننتصر ، أبداً ، و الأحاديث التي وردت عن الشام بعضها فيه كلمة رائعة : (( فإن الله توكل لي بالشام وأهله )) .[أخرجه أبو داود عن عبد الله بن حوالة ] . وهناك حديث آخر رواه أبو داود :(( عليك بالشام ، فإنها خِيَرةُ الله في أرضه ، يَجتبِي إليها خيرتَه من عباده )) .[أخرجه أبو داود عن عبد الله بن حوالة ] . (( فإن الله توكل لي بالشام وأهله )) . بلاد الشام هي البلاد التي حول بيت المقدس . ﴿ الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ .( سورة الإسراء الآية : 1 ) . أحياناً تشعر أنه يوجد حفظ إلهي ، يوجد رحمة ، و عناية ، أنا لا أقول بهذا المعنى لا يوجد عندنا مشكلة ، لكن يبدو أن هذه البلاد ، الإقبال على الدين فيها متميز .
قوة المؤمن تأتي من توكله على رب العرش العظيم : الدعاء القرآني :﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ﴾ .( سورة التوبة الآية : 129 ) . آية ثانية :﴿ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ .( سورة الأعراف ) . كلمة توكل كلمة كبيرة جداً . أحياناً طفل لا تستطيع أن تكلمه كلمة ، هو لا يخيفك ، هو طفل صغير ، تخاف من أبيه ، يكون أبوه إنساناً قوياً ، المؤمن كذلك ، الله عز وجل معه : ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ .( سورة التحريم ) . هذه الآية دقيقة ، إذا أردت أن تنال من مؤمن هل تعلم من وراءه ؟ أحياناً إنسان يتقي أن يؤذي موظفاً ، يقول لك : الدولة كلها وراءه ، قد يكون ضعيفاً لكن قوته بقوة من ينتمي إليه ، كذلك المؤمن مع الفارق طبعاً . (( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ )) .[ البخاري عن أبي هريرة] . فالمؤمن تأتي قوته من الذي توكل أمره ، إنه الله .
من آمن بالله و توكل عليه حفظه الله من كل مكروه : الآية الثالثة :﴿ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ﴾ .( سورة الملك الآية : 29 ) . تعتقد الذي يعيش الظروف الصعبة يعرف معنى هذه الآية ؟ فرعون ، فرعون قتل الإنسان أهون عليه من قتل ذبابة ، كيف يقول له السحرة ؟ ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ .( سورة طه ) . الآن بالقصة القضية سهلة ، أما أنت عش الظرف ، هم أمام فرعون ، قالوا : ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ .( سورة طه ) . ما هذه القوة ؟ من يستطيع أن يواجه أقل موظف في فرع قوي ؟ أقل موظف ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ . ﴿ إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ .
التولي و التخلي : أيها الأخوة ، لذلك دعوات المكروب : (( اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو ، فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ )) .[ أبو داود عن أبي بكرة] . بالمناسبة أيها الأخوة ، هذا قانون ، تقول : أنا ، يتخلى عنك ، يكلك إلى نفسك ، تقول : الله ، يتولاك ، أنت في كل دقيقة بين التولي والتخلي ، تقول : أنا قوي ، خبراتي متراكمة ، اختصاصي نادر ، أنا أعرف كيف أتصرف ، يكلك إلى نفسك ، تقول : الله عز وجل يحفظني ، نحن مفتقرون إليه ، يتولاك ، من أنت ؟ الصحابة قمم البشر ، وفيهم سيد البشر لما اعتمدوا على كثرتهم في حنين تخلى الله عنهم ، قال : ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ﴾ .( سورة التوبة الآية : 25 ) . هم ، هم ، لما افتقروا إلى الله في بدر تولاهم الله ، فأنت بين التولي والتخلي تحتاج لهذا الدرس كل يوم وكل دقيقة ، تقول : أنا لي حجم مالي كبير ، لي سمعة طيبة ، أنا أستطيع أن أقنع فلاناً بأن ينتقم من عدوي ، عندما تعزو الأمر إلى فلان يتخلى الله عنك ، فإذا عزوته إلى الله موحداً يتولاك ، فأنت بين التولي والتخلي ، دعوات المكروب : (( اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو ، فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ )) . والنبي عليه الصلاة والسلام يخاطب فاطمة يقول : (( يا فاطمة ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به ؟ أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين )) .[ أخرجه الحاكم عن أنس بن مالك ] .
أركان التوكل : 1ـ أن توقن بعلم الله وبقدرته وبرحمته وبمحبته : بقي فكرة دقيقة جداً ، المتوكل ، ما أركان التوكل ؟ أو ما مراحل التوكل ؟ أو ما خصائص التوكل ؟ ثلاثة أركان ، ثلاث مراحل ، ثلاث خصائص ،
واثق أن الله بيده كل شيء ، وأن الله قادر على كل شيء ، وأن الله يحب أن يرحمك ، وأن الله يحبك ، عليم ، قدير ، حكيم ، رحيم ، محب ، شرط التوكل أن تعرفه ، فاجتهد أن تعرفه من أجل أن تتوكل عليه ، هذه مرحلة إيمانية ، آمنت به الإيمان الذي يحملك على التوكل عليه . 2 ـ أن تأخذ بالأسباب : هنا المشكلة الكبرى في العالم الإسلامي ، توكل بلا أخذ بالأسباب ، الجماعة في غاية الراحة ، توكلنا على الله ، المسلمون ينتظرون معجزة يقضي الله بها على عدوهم ، هذا مستحيل ، لا بد من أن تعد للأعداء عدتهم . ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾ .( سورة الأنفال الآية : 60 ) . فالتوكل إيمان بالله ، إيمان بقدرته ، إيمان برحمته ، بعلمه ، بحكمته ، بمحبته ، ثم أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، هذا الأخذ بالأسباب برع به الغربيون ، واعتمدوا على الأسباب وألهوها ، وقعوا في الشرك ، وتركه المسلمون ، تركوا الأخذ بالأسباب ، وقعوا في المعصية ، يجب أن تتوكل عليه بعد أن تعرفه وأن تأخذ بالأسباب . 3 ـ أن تستسلم للنهاية : المرحلة الثالثة : وأن تستسلم للنهاية ، أنت توكلت عليه ثقة وعلماً ، وأخذت بالأسباب ، الآن الله عز وجل ييسر أو لا ييسر ، يسمح أو لا يسمح ، يجيب أو لا يجيب ، أنت راض عن الله عز وجل ، العلم أولاً والأخذ بالأسباب ثانياً ، والرضا بقضاء الله وقدره ثالثاً . على الإنسان ألا يقول حسبي الله ونعم الوكيل إلا بعد أن يأخذ بالأسباب : الحقيقة هناك نقطة دقيقة جداً : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين : (( فقال المقضيُّ عليه لَمَّا أدبر : حَسْبيَ الله ونعم الوكيل )) . [رواه أبو داود والنسائي عن عوف بن مالك ] . هذا كذب ودجل ، هذه الكلمة فيها سوء أدب ، إنسان ما درس أبداً ، فلم ينجح ، قال : حسبي الله ونعم الوكيل ، لم تنجح جزاء تقصيرك ، فالنبي مشرع ، فلما قال هذا الرجل الذي حكم عليه حينما أدبر : حسبي الله ونعم الوكيل ، قال النبي الكريم له :(( فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ردوا عليّ الرجل ، فردوه عليه فقال : ما قلت ؟ قال : قلت : حسبي الله ونعم الوكيل ، فقال عليه الصلاة والسلام : إِن الله يَلُومُ على العَجْز ، ولكن عليكَ بالكَيْس ، فإِذا غَلَبَك أَمر ، فقل حَسبيَ الله ونعم الوكيل )) .[رواه أبو داود والنسائي عن عوف بن مالك ] . أي طالب ما درس أبداً فإذا رسب ينبغي ألا يقول حسبي الله ونعم الوكيل ، ينبغي أن يرى عدم النجاح جزاء طبيعي لعدم الدراسة ، أما حينما يدرس دراسة متقنة ، ويأتيه مرض لا سمح الله ، يحول بينه وبين الامتحان ، الآن يقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، لا تقل حسبي الله ونعم الوكيل إلا بعد أن تأخذ بالأسباب . ولحكمة بالغةٍ بالغة الله عز وجل يقرر ألا يستجاب دعاؤك ، هذا موضوع ثان فهذه الكلمة إما أن تقال بأدب جم ، وبحكمة بالغة ، وإما أن تقال بسوء أدب مع الله . مثلاً طالب ما درس إطلاقاً فلم ينجح ، كلما سألوه ، يقول : الله هكذا كاتب لي ، أنا توكلت عليه ، هذا دجل ، أنت ما درست وما نجحت ، بحسب قوانين ربنا ينبغي ألا تنجح ، أما درست وأصبت بمرض منعني من أداء الامتحان ، تقول : حسبي الله ونعم الوكيل . تاجر ما درس الصفقة اشتراها ببساطة ، ما ربحت ، خسرت ، الله هكذا كاتب لي ، لا ، أنت مقصر . وهكذا نرى أن كل أخطائنا نردها للقضاء والقدر ، هذا كذب ودجل ، و لكن إذا أخذت بالأسباب ، عندئذٍ تقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، لا تقال هذه الكلمة حينما لا تأخذ بالأسباب ، إن لم تأخذ بالأسباب هناك نظام عند الله عز وجل ، في أسباب المسببات ، ذي القرنين : ﴿ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾ .( سورة الكهف ) . و الحمد لله رب العالمين..