الدرس الخامس - تدوين القران الجزء الثاني
كنا قد تحدثنا في المرة الماضية على أن القرآن قد بلغه إلينا الرسول صلى الله عليه وسلم بطريقتين بلغه إلى الأمة مكتوبا وبلغه للأمة منطوقا أي بالصوت المسموع. سنذكر اليوم إن شاء الله تعالى كيف تم الأمر الكتابي.
من المعلوم أن العرب كانوا أمة أميه يندر فيهم من يعرف الكتابة وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه مقطع من المقاطع القرآنيه دعا من حضره ممن يجيد الكتابة وقليل ما هم ممكن يكونوا خمسه أو أربعه أو أقل أو أكثر بحسب الوقائع التي كانت تنزل بسببها الآيات الكريمة فيدعو من حضره من الكتبه فيكتبون أمامه صلى الله عليه وسلم والوحي حاضر فإذا انفض المجلس انفض النبي صلى الله عليه وسلم والوحي راض عن تلك القطع التي كتبت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الأمر هكذا إلى أن انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وآل الأمر إلى أبي بكر رضي الله عنه وكما هو معلوم في حروب الردة كان القراء يتسابقون في قتال المرتدين فكثر القتل فيهم فخاف عمر رضي الله عنه على ضياع القرآن المكتوب أي على ضياع القطع الأصليه التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض على أبي بكر رضي الله عنه فكرة جمع القرآن وجمع تلك القطع واستنساخ نسخة تعتبر الأم والأصل وتكون مرجعا للمسلمين فبعد أخذ ورد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه لذلك ودعا كاتب من كتبه الوحي العظام الذين كانوا يكتبون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه فدعاه أبو بكر رضي الله عنه وطلب منه أن يتتبع تلك القطع التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجمعها ويفرغها في مصحف واحد فشرح الله صدر زيد لذلك وقام بتلك العملية الشاقة التي قال عنها والله لو كلفاني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما كلفاني به فتتبع زيد تلك القطع بطريقة فيها احتياط كبير فأعلن بين الصحابة من كان عنده قطعة كتبت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فاليأتني بها فصار الصحابة يأتون إليه بما عندهم من تلك القطع فيقول للآتي أعندك غيرك يشهد أن تلك القطعة كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هناك شاهد ثان على تلك القطعة بعينها أخذها وإلا تركها بهذا لاحتياط الجليل جمع زيد رضي الله عنه القرآن كله إلا آيتين كريمتين وجدهما عند خزيمة رضي الله عنه وهذا الصحابي كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل شهادته بشهادة رجلين فقال من شهد له خزيمة فهو حسبه فوجد عنده آيتين كريمتين لم يجدهما عند غيره مكتوبتين وأكد على موضوع مكتوبتين ليس منطوقتين ومحفوظتين في الصدور ولو أنك دخلت إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت من يحفظ (لقد جاءكم رسول من أنفسكم )أو(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)لارتفعت أيد لا يحصيها إلا الله أما من حيث الكتابة لم يجد هاتين الآيتين مكتوبتين إلا عند خزيمة بن ثابت فقال له هل عندك من يشهد أن تلك القطعتين كتبتا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما عندي فقبلهما منه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين فقام زيد بتفريغ الكتابة الموجودة بتلك القطع في مصحف واحد عمليه تفريغ بحت ليس لزيد فيها أي اجتهاد وإنما فرغ ما رأى أمامه هكذا صار عندنا مصحف عرف بين العلماء بالمصحف الصديقي ووافق وضبط المحفوظ فتلك الصحف الصديقية نسبة إلى أبي بكر بقيت عند أبي بكر وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى انتقل الأمر إلى عمر رضي الله عنه وبقيت تلك الصحف عنده مدة خلافته
عشر سنين ثم بعد استشهاده إلى ابنته أم المؤمنين حفصة.
انتهى تفريغ الدرس الخامس ولله الحمد والمنة