:D
أفضل سبيل لتحقيق هدف المتكلم - متحدثاً كان ، أو محاضراً ، خطيباً ، أو مناقشاً : هو القول الحسن ، والمنطق العَفُّ ، المتأدب . إنه طريقه إلي القلوب .
ومنذ فجر النبوات والوحي يعلم الأنبياء وأتباعهم : أن يستعينوا على تبليغ دعوتهم واستمالــة الناس إليهم بالجميل من القول ، والْحَسَنِ من الكلام . قال تعالى [وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ] {البقرة:83} وقال لموسى وهارون عليهما السلام : [فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى] {طه:44} ، واستمر هذا التوجيه المنهجي في أمة الإسلام حيث خوطب رسولنا - صلى الله عليه وسلم - بوحي محكم . [وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا] {الإسراء:53}
والقول الطيب يسمو على بذل المال والتصدق به ، إذا لم يكن مصحوبا بالكلام الجميل ، أو كان مقروناً بالمن والأذى . [قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ] {البقرة:263}
ويوضِّح المصطفى - صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فليسعهم منكم بسط الوجه ، وحسن الخلق .
ويأبى عظماء الرجال غير هذا المسلك في جميع أحوالهم . روى الإمام مالك فيما بلغه عن يحيى بن سعيد : أن عيسى بن مريم - صلى اللـه عليه وسلم – مر بخنزير على الطريق ، فقال له : انفذ بسلام ، فقيل له : أتقول هذا لخنزير ؟ فقال : إني أخاف أن أعود لساني كلام السوء ) ، ويوجب الجنة : إطعام الطعام ، و إن حسن الكلام ، و إطعام الطعام طريق إلى جنة الرحمن عز وجل .
* أثر الكلام الطيب : المسلم مطالب أن يلين قوله ، ويسمو بمنطقه ، سواء مع أصدقائه أو مع أعدائه . ولكل حالة فائدتها والثمرة المرجوة منها :
فهو مع الأصدقاء: يزيد المودة ويعمق الألفة والمحبة ، ويقطع كيد الشيطان ، ويسدُّ مساربه . فيحيا الجميع في ظلال الإخاء بقلوب صافية ، وأرواح متآلفة متآخية ، وهو مع الأعداء سبيل لانتزاع أحقادهم ، وإطفاء ثائرتهم ، وتخفيف خصومتهم ، ومن ثم كسب مودتهم ، ولفت أنظارهـم إلى سمو المبادىء التي يعاملهم المسلم من خلالها . قال تعالى : [وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] {فصِّلت:34}
* خلق عباد الرحمن : التحلِّي بالطيب من القول ، وتعويد اللسان على عفيف الكلام ، والجميل منه : صفة من صفات عباد الرحمن ، الذين أثنى الله عليهم في محكم كتابه ، ونصبهم قدوة للصالحين من عباده . قال تعالى :
[وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا] {الفرقان:63} إنهم فوق سفه الجاهلين ، ولغو العابثين ، لا يصيخون السمع إليهم ، ويعرضون عنه إعراضا كريماً . قال تعالى :[وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ] {القصص:55}. كل ذلك يأتي ضمن دائرة الحوار الهادف ، والأسلوب المهذب ، ونشدان الحق ، أما إذا تجاوز الخصم هذه الحدود ، فلا بد من الانتصار للحق .
فما الأسلوب الذي وجهنا إليه الإسلام ؟* الانتصار للحق : إن إلانة القول ، والتحلي بكريم الخلق ، وعفة المنطق : أصل تعامل المؤمنين فيما بينهم ، وأساس تعاملهم مع أعدائهم .
غير أن المؤمن كثيراً ما يَمَسُّه الأذى ، أو يُسام الضيمَ ، وُيعتدي على حرماته . فماذا عساه فاعلاً ؟
لا يليق به – والحال كذلك – أن يرضى الدنية ، أو يغضي عن الظلم . إنه في فسحة من أمره إذا ما ذب عن عرضه ، وثأر لكرامته ، ودافع عن حقوقه . وله أن يسلك من الوسائل ما كان محظوراً عليه زمن الرخاء والعافية . قـال تعالى : [لَا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا] {النساء:148} ؛ وذلك كيلا تضيع الحقوق ، أو يستذل المؤمن . قال تعالى : [وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ] {الشُّورى:41}
بيد أن الإسلام - وهو يبيح الانتصار ورفع الحيف - لم يترك الأمور لأهواء النفوس وضغائن الصدور ، ونزغات الشيطان ، تطيش بألباب المؤمنين ، وتستخف أحلامهـم . بل وجَّههم إلى الأفق السامي من العفـو والمسامحــة ، فإن لم تطب نفوسهم إلا بالانتصاف ، فالقاعدة العامة في دفع كل ظلـم : [وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ] {الشُّورى:40}
إذ بذلك يُدْرَكُ الحق ، وَيُقْمع الشر ، وينحسر الفساد ، ويعلم مقترفوه أن أهل المبادىء لهم بالمرصاد .
في أولى واجبات المسلم _ لاسيما أبناء الدعوة – التحلي بهذه الآداب و الالتزام الكامل بها ؛ كي يعطوا المثل الراقي للخلق الإسلامي الرفيع ؛ و ليكونوا الصورة العملية المتحركة على الارض لهذي الإسلام و مبادئه ، و بدلوا الناس على الخير بأفعالهم قبل أقوالهم .
إنهم يحققون بذلك سعادة الدنيا ، و يضمنون في الآخرة النجاة و حُسْنَ العقبى .