:)
نباتات برية انقرضت وأخرى كادت..في بادية الفرات
يشكِّلُ الحفاظُ على الحياة البريّةِ خطوةً مهمّةً في مسارِ الحفاظِ على الحياة بعامّةٍ ،
و لا بدَّ لأيِّ خرابٍ يصيبُ هذه البيئة من الامتدادِ إلى الحياةِ كلِّها و بالتالي إلى حياةِ الإنسانِ
الذي وجدَ على هذه الأرضِ لاِعمارها لا لتخريبِها .
والبادية بما تمثله من خزان للقيم والأعراف ظلت حتى اليوم تستهوي الكثير من أبنائها
وتلهمهم التأمل والراحة المنشودة .. وربما القصائد ..
أحد هؤلاء المتيمين بالبادية كان السيد "إسماعيل الخلف" الذي أصبح هواؤها وترابها
وعشبها وحيوانها جزءا من مفردات حياته اليومية.
"إسماعيل الخلف" ذو العقد الخامس من العمر، كان شاهدا على مرحلة عاشت فيها
البادية أوجها وازدهارها، وهو اليوم شاهد على تدمير هذه البيئة وتخريب أشكال الحياة فيها.
حول هذا الموضوع التقى مراسل eDair alzor بتاريخ 7/2/2009
بالسيد "إسماعيل الخلف"، الناشط في مجال البيئة، وأجرى معه هذا الحوار:
*بحكم صلتك الوثيقة بالبادية، هل يمكنك إجراء مقارنة بين حالها قبل عقود وحالها اليوم؟« في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي (العشرين) ، بدأت التعرف على الحياة من حولي،
و كنا وقتها نقضي أكثر من نصف العام، من كل سنة، في البادية
(بادية الشام)، التي كانت في تلك الأيام عامرة بنباتاتها المختلفة وأعشابها المتنوعة،
و حيواناتها البرية الطليقة، كما كانت عامرة بأهلها ومواشيهم من الإبل والأغنام،
إلا أن الاحتطاب الجائر لشجيرات البادية، وبشكل خاص، الرمث و النيتول والصر والطرفاء وغيرها،
أدى - و بشكل متزايد- إلى تغييرات سلبية خطيرة جداً في البيئة المحلية، وقاد إلى هجرة الإنسان
والحيوان منها، و إن استمر الحال على ما هو عليه فإن البيئة ستصبح معادية لنا بشكل لا يطاق،
و ما ازدياد موجات العجاج والعواصف الغبارية إلاّ واحدة من بين نتائج عديدة لهذه الممارسة،
حيث لا يخفى على صاحب نظر كيف تتحرر الرمال بمجرد احتطاب الشجيرات التي لم تكن
تمسك بها فقط، بل كانت تشكل المصدّ الطبيعي للرياح، كما أن إزالة هذه الشجيرات قاد إلى
انكشاف التربة وتصحرها وبالتالي زوال المراعي الطبيعية التي تعتمد عليها المواشي
في أغلب شهور السنة.الغريب أن الناس هذه الأيام، وبدلا من تطور وعيهم البيئي ومعارفهم
الضرورية الخاصة بالحفاظ على مصادر عيشهم وإدامتها، بدؤوا يمارسون العكس، خلافا لما
كان يفعله الناس قبل عقود، بل وخلافا لسلوك البدوي غير المتعلم، الذي كان يحترم البيئة
كثيرا ولا يجور عليها وخصوصا أثناء الاحتطاب، فقد كان يأخذ حاجته فقط من شجيرات البادية،
أما اليوم، وبعد أن استقر أهلنا في القرى و الحواضر، فإنهم يجتاحون البادية
و يبيدون شجيراتها و يعرون رمالها بشكل جائر يصل إلى حد التخريب،
وها نحن قد بدأنا نتلمس آثار هذه الأفعال».
* ما هي النباتات والأعشاب التي انقرضت، أو كادت، في البادية الفراتية؟«كانت أهم نباتات البادية الصر والحاد (الحاذ)
الصر و الرمث و النيتول و الحرمل و السلماس و الطرفاء والزر والقيصوم والشيح،
أما أهم أعشابها فهي البختري والصمعة والعديسة و جريد الكما و الخباز
و أبو شويرب والشكارة وأنواع أخرى، إضافة إلى بعض الأعشاب ذات الجذور البصلية
وأهمها "الظبح" الذي كنا نقتلعه لنأكل بصيلته الحلوة المذاق .
في كثير من مواقع البادية كانت هناك أشجار تؤمّن الظل والاختفاء للحيوانات البرية،
منها ما اختفى نتيجة الاحتطاب الجائر كـ(الزر)، و منها من ينتظر مصيره المشؤوم على أيادي الحطابين وفؤوسهم كـ"الطرفاء"، التي بدأت بالانقراض في كثير من المناطق، وخصوصا القريبة من التجمعات البشرية الكبيرة.
سأروي لك هذه الحادثة : ذات يوم، وكنت في البرية أبحث فيها وأصور حيواتها المختلفة
وأسجل ملاحظاتي عنها، خطر في بالي البحث عن شجرة "الطرفاء"، بحثت طويلا
ولم أعثر على أثر لها، إلى أن قيض لي الالتقاء براعٍ بدوي، فسألته:أين يمكن لي أن أجد الطرفاء ؟ ...
فأجابني بحدة ظاهرة : لقد قضتْ عليها فؤوسكم .....
قلت له: أنا باحث وأسعى للحفاظ عليها وحمايتها..
قال: و الله يا أخي لو كفيتمونا شركم لما أردنا خيركم ..
وإذا كنتَ مصرّاً على تصوير الطرفاء فاذهب إلى هناك، و أشار بيده إلى موقع محدد ..
عندما وصلتُ وجدتني مضطراً للنزول على الركبتين و الكوعين في ما يشبه السجود
لأستطيع تصوير ما تبقى من الطرفاء، التي كانت، ولسنواتٍ قليلة مضت،
تنتشر في المنطقة بكثافة عالية وترتفع فوق الأرض لأكثر من مترين؟
ما ينطبق على "الطرفاء" و"الزر" ينطبق على كثير من النباتات الأخرى،
وللأسف فإن غياب هذه النباتات أدى إلى انتشار نباتات أخرى ليست بذات
فائدة كالحرمل الذي تعافه الإبل وليست له قيمة تذكر من الناحية الغذائية، رغم جماله الخاص».