-تزكية النفس : للشيخ سمير عبد الحي
الحمد لله ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة
سبحان الملك القدوس، رب الملائكة والروح، جللت السموات والأرض بالعزة والجبروت"وما أكتب شيء من حقائق قرآنية ، وإشارات ، وإمارات ولطائف تدبير وتذكير، وأدعية ، إلا وهومجرب عندي صحيح .
مقدمة لا بـدَّ منها :
في بعض الكتب المنزلة يقول اللّه تعالى: "ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي ، الأكوان لك عبيد سخرت وأنت عبد الحضرة".
قال الله عز و جل :
( و إني و الإنس و الجن في نبأ عظيم أخلق و يعبد غيري و أرزق و يشكر غيري )
قال الغزالي:
المنعم هو اللّه والوسائط مسخرون من جهته فهو المشكور وتمام هذه المعرفة في الشكر في الأفعال فمن أنعم عليه ملك بشيء فرأى لوزيره أو وكيله دخلاً في إيصاله إليه فهو إشراك به في النعمة فلا يرى النعمة من الملك من كل وجه بل منه بوجه ومن غيره بوجه فلا يكون موحداً في حق الملك وكمال شكره أن يرى الواسطة مسخرة تحت قدرة الملك ويعلم أن الوكيل والخازن مضطران من جهته في الإيصال فيكون نظره إلى الموصل كنظره إلى قلم الموقع وكاغده فلا يؤثره ذلك شركاً في توحيده من إضافته النعمة للملك فكذلك من عرف اللّه وعرف أفعاله على أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره كالقلم في يد الكاتب واللّه هو المسلط على الفعل شاءت أم أبت.
فليكن العبد مع اللـه فقيراً ذليلاً حقيراً إلى الرب الغفار الجليل . وفي الحديث الصحيح :
# عطائي كلام وعذابي كلام إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له: كن فيكون #.
من اتقى الله خوفاً وطمعاً في عسره ، أتى الله المتقي رزقه من حيث لا يحتسب ، وطالب الآخرة أبصر بنفسه ، وهو يعلم من نفسه بمن هو أوثق وبما تسكن إليه نفسه ، فإن وجد قلبه ساكناً مع الله تعالى واستوى عنده وجود السبب والكد فيعلم أنه لم يشرك بالله شيئاً ، فإن أتى الرزق من حيث لا يحتسب فذلك بشرى أنك من المتقين ، ويُنادَىَ يوم القيامة :
(( ليقم من أجره على الله فلا يقم إلا من عفا )) إن شاء الله .
عَـلِـمَ المتصوفة إنَّ التقوى هي الفتوح من الله بما شاء لعباده ، فمن عَـلِـمَ من العباد أن الله ذو الفضل العظيم ، وعلِمَ أنّـه ذو قدرة أن يصطفي من عباده من يشاء ويفتح لهم نافذة لمن إتقى:
# لفتحنا عليهم # من أسرار الجبروت وأنوار الملك والملكوت ، ومع التقوى كما قال الله تعالى : # يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب # ، والرزق باطني روحاني ، و ظاهري جسماني : # واتقوا الله ويعلمكم الله # ، فيفتح الله لسانه بالذكر ، ثم يتبع بدنه ونفسه بالتأهب للصلاة وللوقوف في مقامات التناجي والدعاء ، ويعلمه الرحمن ذوالجلال والإكرام ما لم يـكـن يعلم من العلوم ، فذلك هي البشرى إنك من المتقين .
فالحاسد للمتصوف المعاصـر مثله: # كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ # آل عمران :176 . تغاظ منـه نفوس الجاحدين ، وتمتلىء عليه قلوب الذئاب ، تحت مطارق أوهام لا حقيقـة لها ، ولا برهان ، ولا يقين ، وعوائق الحسد نشأ من مقت لا أصل لها ، ويثقل الحمل على الصوفي المعاصر لإعزاز شريعة النبي الكريم عليه الصلاة والتسليم بهذه الخدمة المهمة ، لمخاطرة فساد في اكثر الأخلاق من الأمـة ،حتى ترى أن طعامه يؤكل ويكفر ، ونيلـه يؤخـذ ولا يذكر ، وعرفه يتواصل ولا يشكـر ، وقـد آل اللـه على كرمـه أن يقطع عنه من خبثت طويتـه ، وساءت سريرتـه ، وأن يلحق بـه من طهرت نيتـه وطابت سريرتـه .
المتصوف المعاصـر ((( غريييييييب ))) في غرباء القوم ، والغريب فيهم هو المتمحض بالدين غرييييييييب !!!! ولو لم يكن الله يحب الغرباء ، ما قال لنا الرسول صلى الله عليه وسلم :# طوبى للغرباء ، وفي الحديث :
# أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء الفرارون بدينهم يبعثهم الله يوم القيامة مع عيسى بن مريم. # وقـد بـدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بـدأ :
((( فطووووووووبى للغرباء ))) # .
لكل بارز من بوارز الحق يقابله بارز من بوارز الباطل ، ولكل عالم في كل عصر خصوم من الجن والإنس ، لما ينكره على الكثير من أعمال تنافي الحـق !!! وإن كانوا يتلبَّسون لباس التقوى ، ويحسبون أنَّهم يحسنون عملاً ، وما هو إلاَّ :
((( داء الحسد ))) الذي يفسد القلب ويعمي بصيرته
وجعله لا يبغي لخصمه إلا الشر والأذى .
الشجرة وثمراتها الفاسدة التي اشتغل بإصلاحها المتصوفة
وأهل الله
إلا وهي :
المضغة
ومحلها القلب ...
هكذا حال القلب عند الغضب .
غليان دم ... طلب إنتقام ... لا يبقى للمرء معه بصيرة ... ونظر ... وفكر ... ولا إختيار ...
ومهما أثمرت ( هذه الشجرة الخبيثة) وأتت أكلها اشتدت نارها وقوي اضطرامها أعمت صاحبها ، وأصمته عن كل موعظة ، وتسوَّد عليه الدنيا ، فيظهر الزبد على الأشداق ، وتحمر الأحداق ، وتنقلب المناخر ، ولو رأى الغضبان في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته ، واستحالة خلقته ، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره ، فتغير الظاهر ثمرة الباطن ، فقس الثمرة بالمثمرة فهذا أثره في الجسد . فإن هرب منه المغضوب عليه أو فاته لسبب ما ، وعجز عن التشفي ، رجع الغضب على صاحبه فمزق ثوب نفسه ، ولطم وجهه ، وقد يضرب بيده الأرض ، وربما يضرب الجمادات ، وما وصل إلى يديه ، وقد يكسر المائدة غضب عليها ، وما ذنب هذه المائدة !!! ويتعاطى أفعال المجانين ،
وأما اثر الغضب في القلب مع المغضوب عليه :
الحقد .. والحسد .. والشماتة .. وإضمار السوء .. وهتك الستر ..والعزم على إفشاء السر .. وغير ذلك من القبائح . فأنظر إلى هذه الأخلاق المذمومة شرعا ومنهاجها النفس والشيطان . وكيف وإن مات صاحب هذا الحسد قبل إزالته !!!
. فمع من يُـحشر !!! ؟ .
فالفخر .. والعجب .. والكبر من أكبر الرذائل ، وهي أصلها ورأسها ، وكل خلق من هذه الأخلاق يفتقر في علاجه إلى رياضة وتحمل مشقة ، فإذا إنمحت وتطهرت عن هذه الرذائل الرديّة ، وتخلصت من الغضب الذي يتولد منها ، فأصبح كله كلمة طيّبة كشجرة طيّبة ، تُـؤتي ثمرتها للناس من الكلام الطيّب ، وهذا خُلُق ومطلب الأنبياء والمرسلين والصالحين الذين يُحبهم الله .
علاج الغضب بمعجون العلم والعمل :
وتفكر يا اخي في الأخبار التي وردت في فضل كظم الغيظ .. والعفو .. والحلم ، وعندما غضب عمر بن الخطاب على رجل وأمر بضربه فقيل له : يا أمير المؤمنين # خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين # وتأمل عمر
( بالآية ) بتدبر ، وخلى الرجل .
وأمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل ثم قرأ قوله تعالى :
# والكاظمين الغيظ # فقال لغلامه : خل الرجل .
وأن يخوف نفسه بعقاب الله ويقول :
لو أمضيت غضبي عليه لم آمن أن يمضي الله غضبه علـي ،
فقد قال الله في بعض الكتب المنزلة :
(( يا ابن آدم أذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن امحـق )) .
فليتذكر طالب الآخرة ولا يترك أن يقول :
أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين
وأعوذ بك رب أن يحضرون .
ويتفكر في قبح صورته عند الغضب بأن يتذكر صورة غيره
في حالة الغضب ، وليقل إنما أجري على الله ،
وليتذكر إذا نودي يوم القيامة :
(( ليقم من أجره على الله فلا يقم إلا من عفا )) ، فهذه أو أمثاله من معارف الإيمان الذي إشتغل به المتصوفة وأهل الله ، وينبغي للمحسن أن يكرره على قلبه ، وأن يعلم : يوشك أن يكون غضب الله عليه أعظم من غضبه .
شجرة الحقد:
الحقد يثمر الحسد ، والحسد يؤدي إلى غضب الله .
( لطيفة ) : هو أن الحقد ثمرة الغضب إذ إن الغضب عادة ما يلزمه ((( كظـم )))
من الإنسان ، ولكنه أحيانا يعجز عن ((( الكظم ))) فيرجع إلى نفسه ويشتد في الإحتقان فيصير ((( حقـدا )))