من منهج تربية المريد لسيدي الشيخ محمود الشقفة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
مقدمة السلوك
أساس بروز هذا الوجود وظهوره بعد ان لم يكن , هو : المحبة .
ففي الحديث القدسي " كنت كنزا مخفيا لم أعرف , فأحببت أن أعرف فخلقت خلقا وتعرّفت إليهم فبي عرفوني " .
فانظر يا ولدي يا بسام : إلى هذا اللغز الغامض , حله على غير أهل الله العارفين صعب , حيث الفاء في حساب الجمل الأبجدية بـ " 80 " والباء " 2 " والياء بـ " 10 " فاصبح المجموع " 92 " وذلك عن مجموع اسم سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والميمان بـ " 80 " والحاء " 8 " والدال " 4 " فاصبح المجموع " 92 " أيضا .
إذن حل اللغز .
يا ولدي يا بسام : إن فبي , فبمحمد عرفوني فهو – عليه السلام – نور الوجود , وروح الوجود وهو محمد ممد الوجود ونور قلوب المؤمنين , وهو المعرفة بالله تعالى ففي حديث جابر – رضي الله تعالى عنه – قلت : يا رسول الله أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل جميع الأشياء .
قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم : " يا جابر : إن الله تعالى خلق قبل خلق الأشياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت : لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا أنسي ولا جني فلما أراد الله تعالى أن يخلق الخلق : قسّم ذلك النور أربعة أجزاء .
فخلق من الجزء الأول : القلم .
وخلق من الجزء الثاني : اللوح .
وخلق من الجزء الثالث : العرش .
ثم قسّم الجزء الرابع أربعة أجزاء : فخلق من الجزء الأول : حملة العرش .
وخلق من الجزء الثاني : الكرسي .
وخلق من الجزء الثالث : باقي الملائكة .
ثم قسّم الجزء الرابع أربعة أجزاء : فخلق من الجزء الأول : نور أبصار المؤمنين .
وخلق من الجزء الثاني : نور قلوبهم وهي المعرفة بالله تعالى .
وخلق من الجزء الثالث : نور أنسهم وهو التوحيد " لا إله إلا الله محمد رسول الله " – صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم - .
ويتضح من ذلك أن الخلق إنما عرفوا الله عز وجل بسيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم , أي أن كل الوجود متفرع من نوره .
والحاصل : أن المحبة أساس ارتباط الوجود بعضهم ببعض , ولولا المحبة لما عطف زوج على زوجته ولا زوجة على زوجها فتم التناسل وملئت الكرة الأرضية بالملايين من البشر الذين عمروا الدنيا وقاموا باستثمار ثرواتها واستخدموا طاقاتها, ولولا محبة المريد لشيخه لما ارتبط به كارتباط الظل بشاخصه حتى بلغ ما عنده من علم ومعرفة .
إذن إن المحبة المفيدة للمريد لشيخه لكي يحصل على العلم والمعرفة والطريق الصحيح تتطلب شرطا واحدا هو : أن يُفنى المريد إرادته بارادة شيخه حتى تصبح روحه جزء من روحه فلا يستطيع الصبر على مفارقته أبدا .
وإليك تأكيد ذلك بما صدر عن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ أن ثوبان خادم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان شديد الحب لسيدنا محمد قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغيّر لونه ويعرف الحزن في وجهه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم " ما غيّر لونك " فقال : يا رسول الله ما بي من مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة
حتى ألقاك , ثم تذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك لأنك تُرفع مع النبيين وإني وإن دخلت الجنة ففي منزلة أدنى منك , وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدا .
فنزل قول الله تعالى " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا ".
وهذا عبدالله بن زيد وزيد بن الدثنة وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب والمرأة الأنصارية – رضي الله تعالى عنهم اجمعين – وستأتي قصص جميعهم مفصلة فيما بعد .

وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمدلله رب العالمين .

بعض الفوائد القيمة في إرشاد السالك الحقيقي
السلوك : هو الطريق الذي يسلكه المريد من قبل المرشد الكامل الذي يطابق السنة ويقسم هذا السلوك إلى قسمين :
الأول : سلوك الجذب , وهو فقدان المريد جميع تصرفاته , وفي بعض الأحيان فقدان عقله وذلك ناتج عن :
تلاوة أوراد من غير إذن .
أو من سلوكه عن شيخ غير كامل لذا يبقى متخبطا في حياته وأقواله وأعماله .
الثاني : سلوك الحقيقة , وهو الاتباع الكامل في الحركات والأعمال والتصرفات لسيد الخليقة سيدنا محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي يسلكه عن يد المرشد الكامل ز
أركان الترقي للسالكين :
إن حصل المريد على هذه المرقيات وتحقق بها وصل وأصبح من العارفين بإذن الله تعالى :
المحبة الكاملة : وهي حب المريد لشيخه حبا صادقا مخلصا له وأن يشعر أن الساعة التي يفارقه فيها كأنها من عمره تذهب , ولذلك لا يستطيع أن يصبر على فراقه أبدا , ويترتب على ذلك أن لا يخونه في عمل من الأعمال .
الخدمة الصادقة : وهي تنفيذ أوامر الشيخ صغيرها وكبيرها , حلوها ومرها بإخلاص .
الأدب الكامل : كون المريد أديبا مع شيخه ظاهرا وباطنا بمعنى أن يكون أديبا في القلب وفي الجوارح .
التربية بالنظر : وهي استفاضة واستغاثة المريد من روح شيخه من الأمداد والفيوضات .
إن تحقق المريد بهذه الأمور الأربعة أصبح بإذن الله تعالى من العارفين .
العقبات والمعوقات : ثلاثة :
1 – الشيطان : إن الشيطان – لعنه الله – يصرف القلوب عن ذكر الله ويجعلها تنصرف إلى المعاصي والموبقات " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير "
2 – الدنيا : إن الدنيا من اكبر القواطع عن الله , حيث قال سبحانه " اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " الحياة الدنيا لعب الأولاد الصغار , ولهو مثل لهو الرجال , هكذا قيمة الدنيا .
ولنرى الآن ما قيمة الدنيا عند الله حيث مرّ الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على شاة ميتة فقال " أترون هذه الشاة هينة على أهلها ؟ " قالوا : من هوانها ألقوها , قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم " والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها ولو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء " .
3 – النفس : إن النفس لأمارة بالسوء , إن النفس تطرب للأصوات الرقيقة والمزخرفة فتحجب المريد عن نيل الغرض المطلوب الذي خلق من أجله .
قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "
والآن يا ولدي بسام :
يطلب منك ثلاثة أمور :
محبة الشيخ , متابعة الورد بانتظام , الدراسة الدنيوية في المدرسة .

جزاك الله الف خير ورحم الله شيخنا الشيخ محمود الشقفة

*******************************************************************************