:D
( الخالق ) مِن أسماء الله الحسنى ....
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم هو
1 – ورودُ اسم ( الخالق ) في القرآن الكريم :
هذا الاسم ورد في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ، ورد في قوله تعالى :
﴿ هُوَ اللَّهُ
الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ ( سورة الحشر الآية : 24 )
وورد أيضاً في قوله تعالى :﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ ( سورة فاطر الآية : 3 )
2 – ورودُ اسم ( الخالق ) في السنة النبوية :
أيها الإخوة ، هذا الاسم ورد أيضاً في مسند الإمام أحمد من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ سَعَّرْتَ ، فَقَالَ : (( إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الْخَالِقُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ الْمُسَعِّرُ ... )) .[ مسند أحمد ]
وفي حديث آخر صحيح :(( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )) .
[أخرجه الطبراني عن عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري ]
كن مع الخالق ولا تخشَ أحدًا :
(( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )) .لأن الخالق يمنعك من المخلوق ، بينما المخلوق لا يمنعك من الخالق ،
والإنسان كما تعلمون في قبضة الله عز وجل ، سمعك بيده ، بصرك بيده ، ضربات قلبك بيده ، ذاكرتك بيده ، حركتك بيده ، مَن حولك بيده ، مَن فوقك بيده ، مَن دون بيده ، إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله .
المؤمن عنده جهة واحدة يخاف منها ، هي الله ، يخاف من الله ، ويرجو ما عند الله ،
ويبتغي رضوان الله ، ويقبل على الله ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، هذه هي الحرية .
فلذلك ورد في بعض الآثار القدسية :
(( إني والجن والإنس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكرغيري )) .
المجتمعات المتفلتة يعبد فيها غير الخالق .
(( أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ،
أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ ،
من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ))
[ أخرجه الحكيم البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء ] .
صنعة الله المتقنة :
لذلك : ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ﴾ ، يخلق ما يشاء كماً ، وإذا صنع شيئاً صنعه بإتقان ما بعده إتقان .
البعوضة أحقر مخلوق عند الإنسان ، يوجد برأسها مئة عين ، بفمها 48 سناً ، بصدرها ثلاثة قلوب ،
قلب مركزي ، وقلب لكل جناح ، لكل قلب دسامان ، وأذينان ، وبطينان ، هناك جهاز استقبال حراري ،
وجهاز تحليل دم ، وجهاز تخدير ، وجهاز تمييع ، بخرطومها ست سكاكين ، و بأرجلها مخالب ، ومحاجم .
﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ .( سورة البقرة الآية : 26 ) .
مِن معاني ( الخالق ) الشرعية :
1 – التقدير الصحيح :
أيها الإخوة ، معاني هذا الاسم ، هو في الصياغة اسم فاعل ، من خلق ، يخلق خلقاً ، فهو خالق اسم فاعل ، قال تعالى :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾( سورة السجدة )
والخلق بمعنى المخلوق ، هذا معنى جددي ، الخلق بمعنى المخلوق ، قال تعالى :﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ ﴾( سورة لقمان الآية : 11 )
هذه مخلوقات الله ، فالخلق بمعنى المخلوق .
2 – الإيجادُ مِن عدم على غير مثال سابق :
من معاني الخلق إبداع الشيء من غير أصل ، ولا مثال سابق ، وإيجاد شيء من لا شيء .
3 – تقديرُ الأمور وتنفيذُها :
أيها الإخوة ، الخلق بمعنى تقدير الأمور ، وتنفيذها ، التقدير أولاً والتنفيذ ثانياً .
﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً
ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آَخَرَ ﴾ ( سورة المؤمنين الآية : 14 )
تخطيط وتنفيذ .
مراحل الخَلق :
من مراحل الخلق ، أنّ ( الخالق ) يقدِّر أولاً بعلم مسبق ، ثم يقدر ، بمعنى يوجِد ، ويصنع ، ويكوِّن ،
على كلٍ أيّ مخلوق مهما عظُم شأنه ، أو دقَّ حجمه لا بد من أن يمر بأربع مراتب .
المرحلة الأولى : علم الله السابق ، هناك علم أزلي ، وعلم الله السابق تقدير كل شيء قبل تصنيعه ،
وتنظيم الأمور قبل إيجادها بعلم الله السابق .
والمرحلة الثانية : مرحلة الكتابة ، كتب كل ما يخص كل مخلوق في لوح محفوظ ،
وفي هذا اللوح تفاصيل كل شيء ، إيجاداً ، ونشأة ، وإعداداً .
والمرحلة الثالثة : مرحلة القدر ، وهي مرتبة تقابل مرتبة المشيئة .
(( ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن )) .
[ أخرجه أبو داود عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم ]
والمرحلة الرابعة : مرحلة خلق الأشياء على خصائصها ، وصورها التي هي عليها علم أزلي .
﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ ( سورة الأنعام الآية : 54 )
في اللوح المحفوظ ، مرحلة التقدير ، مرحلة التصنيع .الخالق وحده الذي يجب اتباع أوامره :أيها الإخوة ، الحقيقية الأولى الدقيقة : أن الخالق هو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها ، لأنها الجهة الخبيرة .
وأقول لكم أيها الإخوة : الإنسان أعقد آلة في الكون ، هذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولهذه الآلة صانع حكيم ،
ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة ، فمن باب الحفاظ على سلامة الإنسان ، ومن باب الحفاظ على سعادته ، ومن باب أداء المهمة التي خُلق من أجلها ، لا بد من أن يتبع هذا الإنسان تعليمات الصانع ، لأن كل إنسان مفطور على حب وجوده ، وعلى حب سلامة وجوده ، وعلى حب كمال وجوده ، وعلى حب استمرار وجوده .
علاقةُ الطاعة والمعصية بثمارهما علاقة سببٍ بنتيجةٍ :
بل إن العلاقة بين طاعة الله ، وبين ثمار هذه الطاعة علاقة علمية ، بمعنى علاقة سبب بنتيجة ، والعلاقة بين معصية الله ونتائج هذه المعصية علاقة علمية ، بمعنى علاقة سبب بنتيجة .
لذلك رماة أُحد الذين عصوا رسول الله صلى عليهم ، لأنهم عصوا أمراً تنظيماً ، ولم يعصوا أمراً تشريعياً ، وثمة فرق بين أن تعصي أمراً تنظيمياً ، وأن تعصي أمراً تشريعياً ، الله عز وجل قال :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾( سورة البقرة )
إن الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها هي الجهة الصانعة .
هناك مثَل من واقعنا : لو عندك حاسوب من أعلى مستوى ، من أرقى شركة ، ولهذه الشركة ورشة صيانة في بلدك ، هذا الحاسوب أصابه خلل ، ولك جار تحبه كثيراً يبيع خضراوات ، هل تدفع هذا الحاسوب إليه لتصليحه ؟
مع أنك تحبه ، تحبه ، ولكنه لا علاقة له بدقائق صنعة هذا الحاسوب ، تأخذه إلى الجهة الخبيرة ،
والآية واضحة جداً :﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
أنت أيها الإنسان ، حينما تطيع الله معنى ذلك أنك تحب نفسك ، لأن الله هو الخبير ، قال لك : اضبط لسانك ليعلوَ مقامك ، قال لك : كن أميناً يثق الناس بك ، قال لك : غض بصرك تسعد بزوجتك ، حرر دخلك يبارك الله لك بمالك .
العلاقة بين الأمر ونتائجه وبين النهي ونتائجه علاقة علمية ،
علاقة سبب بنتيجة ، بمعنى أنه لو جاء ملحد وطبق منهج الله يقطف ثماره ،
لذلك إيجابيات العالم الغربي أكثرها إسلامية ، لا لأنهم يعبدون الله ، لكنهم أذكياء ،
اكتشفوا أن هذه الأعمال تجعل هذا الإنسان يرتبط بهذه الجهة .
منهج الله منهج واسع جداً علينا التقيد به :
أخوانا الكرام ، إذا الإنسان تفكر في آيات الله الدالة على عظمته عرفه ، وإذا عرفه أحبه ،
ومن أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه .
تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** ذاك لعمري في المقال شنيع
لـو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن الـمحب لمن يحب مطيعيمكن أن نستنبط أن الجهة الوحيدة التي يمكن أن تطاع هي الجهة الخالقة ،
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ يعني مفهوم الربوبية مفهوم عطاء ، خلق ، إكرام ،
منح ، مفهوم الإلوهية مفهوم انضباط ، في أمر ، في نهي ، في حلال ، في حرام ، في واجب ،
في سنة ، في سنة مؤكدة ، في كراهة ، في تحريم شديد ، في أحكام لا تعد ولا تحصى .
لذلك منهج الله منهج واسع جداً ، يجب أن تتقيد به لعل الله سبحانه وتعالى يسلمنا جميعاً ، ويسعدنا جميعاً .
والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ