:D
أيها الإخوة الكرام مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى والاسم اليوم هو
1 – ورود اسمِ ( المصوِّر ) في القرآن الكريم :
لم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم إلا في آية واحدة ، وهي قوله تعالى :
﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ
الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾( سورة الحشر الآية : 24 )
الخالق البارئ المصوِّر :
وقد ذكرت لكم أن الذين فسروا أسماء الله الحسنى جرت العادة عندهم هذه الأسماء الثلاثة معاً ، ( الخالق ) ، ( البارئ ) ،
( المصوِّر ) ، وقد بينت سابقاً أن الخالق يخلق كل شيء من لا شيء ، على غير مثال سابق ، بينما المخلوق إذا عُزي إليه الخلق في نص الآية الكريمة حيث قال :﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ ( سورة المؤمنين )
إذا عُزي الخلق إلى الإنسان فهو يصنع شيئاً من كل شيء ، وعلى مثال سابق ، أما البارئ فهو خلق ، لكن على نحو معين فيه الحكمة البالغة ، وقد بينت لكم أيضاً أن الآية الكريمة :﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴾( سورة الأعلى )
هذا الخلق بطريقة ، أو بخصيصة تكون كاملة ينتفع بها الآخر .
2 – اسم المصوِّر أثره في المرحلة الثالثة بعد الخالق والبارئ :
أما ( المصوِّر ) فمرحلة ثالثة ، خلق كل شيء من لا شيء ، وعلى غير مثال سابق ، والذي خلقه خلقهُ على نحو كامل ، ينتفع به ، كالماء الذي نشربه ، أودع الله فيه خصيصة ، وهي أنه إذا برّدناه ، ووصلنا في التبريد إلى درجة زائد أربع ، فإنه بدل أن ينكمش يتمدد ، وبهذا التمدد يصلح الأمر ، ولولا هذا التمدد لما كانت حياة على وجه الأرض .فالبارئ غير الخالق ، خلق الخلق على نحو معين ، فيه الحكمة البالغة ، وفيه التقدير التام ، وفيه العلم المطلق .
أما
( المصوِّر ) فهذا الشيء الذي خلقه على نحو معين أعطاه صورة .
للتوضيح : البناء يكون في الأصل على الهيكل ، إسمنت ، بعد الإسمنت يُكسى ، بعد الكسوة يزيَّن ، بالطلاء الخارجي ، والرخام ، والبلّور ، هذه صورة ، البناء في الأصل إسمنت مسلح ، هيكل إسمنتي ، لكن الأبنية الحديثة لها صور رائعة جداً ، أحياناً كل البناء بلّور من الخارج ، ينظف باستمرار .
إذاً : ( المصوِّر ) بعد الخلق و البرء تكون الصورة ، والآية الكريمة :
﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ
الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾
﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾
3 – من معاني ( المصوِّر ) :
لذلك : ( المصور ) اشتقاقاً اسم فاعل مِن صوَّر ، يصوِّر فهو مصوِّر ، والمصدر تصوير .
المعنى الأول :ومعنى صوّر الشيء لغةً : جعل له شكلاً خاصاً معروفاً .الأب الذي عنده عدة أولاد ، كل ولد صورة ، من حيث اللون ، من حيث الطول ، من حيث شكل الوجه ، هناك وجه دائري ، ووجه مستطيل ، وهناك شعر أسود ، وشعر أشقر ، فجعل الله للشيء شكلاً خاصاً معروفاً .
المعنى الثاني :هناك معنى آخر : صور الشيء قطعه ، وفصله ، وميّزه عن غيره .لاحظ صنعة الإنسان القطعُ كلّها متشابهة ، ما لها شخصية ، علب الطعام متشابهة تماماً ، عبوات الأغذية متشابهة تماماً ، أما الإنسان فليس هناك في الستة آلاف مليون إنسانٌ يشبه الآخر ، لا بشكله ، ولا بطوله ، ولا بلونه ، ولا بملامح وجهه ، ولا بطريقة مشيه ، ولا بطريقة كلامه ، ولا بنبرة صوته .
قال بعض العلماء : " والله يا رب ، لو تشابهت ورقتا زيتون لما سمِّيتَ الواسع .
أيها الإخوة ، صور الشيء قطعه ، وفصله ، وميّزه عن غيره ، هذه روعة في الخَلق ، نحن نحتال على ذلك فنعطي رقما للقطعة ، المركبة لها رقم ، الرقم يميزه ، أما الله عز وجل فيعطيك ملامح خاصة ، أنت فرد .
المعنى الثالث : صوّر الشيء جعله على شكل متصور ،
أما الذات الإلهية فكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك .﴿ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ .( سورة الأعراف الآية : 143 )
مخلوقات الله عز وجل بإمكانك أن تتصورها .
المعنى الرابع :أيها الإخوة ، قال العلماء : الله ( المصور ) أيْ صوّر المخلوقات بشتى أنواع الصور ، فهناك صور جلية ، وصور خفية ، فأنت تمسك كأس الماء لتشربه ، ماء صافٍ عذب زلال ، لو وضعت هذا الماء تحت مجهر لرأيت ملايين َملايين ملاَيين البكتريا ، فالصورة الجلية أنه ماء صافٍ ، والصورة الخفية أن هذا الماء فيه مليارات البكتريا النافعة والضرورية .
الصور الظاهرة جلد أبيض ، ثقيل ، جميل ، رائع ، لو وضعت هذا الجلد على مبكر ، أو على مجهر إلكتروني ، التلال ، والوديان ، والحفر ، وأفواه البراكين ، والشعر كأنه غابة ، اختلف الوضع ، في صورة ظاهرة ، وفي صورة حقيقية ،
فالله عز وجل خلق المخلوقات بشتى أنواع الصور ، في صورة جلية ،
وفي صورة خفية ، في صورة حسية وفي صورة عقلية .
التعلُّق بالحقائق لا بالصور والمظاهر :
هناك صورة جلية ، وصورة خفية ، لذلك بطولة المؤمن أنه لا يتعلق بالصورة الظاهرة ، لا يؤخذ ببت فخم اشتري بمال حرام ، لا يؤخذ بمركبة فارهة ، ركبها صاحبها ، وقد ابتز أموال الناس ،
هناك صورة ظاهرة ، وصورة خفية ، وصورة حسية ، وصورة عقلية .
المعنى الخامس :أيها الإخوة ، من معاني اسم ( المصوِّر ) أن الله يبدع صور المخلوقات ، ويزينها بحكمته ،
ويعطي كل مخلوق صورته ، كل واحد له صورة . هناك صورًا ظاهرة ينبغي ألا نؤخذ بها ، كان عليه الصلاة والسلام كلما رأى شيئاً من الدنيا يقول
:(( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة )) .[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك ]
الغنى والفقر بعد العرض على الله ، وقد إنسان يرى بيتاً فخماً ، أو سيارة فارهة ، يرى حديقة غناء ، أو مزرعة جميلة ، يرى طعاما ، يرى أماكن جميلة ، الدنيا ترقص الآن ، والفتن يقظة ، والدنيا حلوة نظرة ، لكن سمّها في دسمها ، ونساءها تغوي وتردي ، وتشقي أحياناً ، والمرأة المتفلتة التي لا ترعى قيمة ، ولا منهجاً ، ولا شرعاً ، بل تؤذي غيرَها .
أريد أن أقول لكم : بطولة المؤمن أنه يتعامل مع حقائق الأشياء لا مع صورها ، لكن قال بعضهم : " ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا " ، ولا مانع في ذلك .
الحظوظ الدنيوية موزَعة توزيع ابتلاء :
أيها الإخوة ، هناك نقطة دقيقة جداً في هذا اللقاء الطيب : أن الحظوظ : الوسامة حظ ، امرأة بارعة الجمال يتهافت عليها كل الرجال ، تخطب في سن مبكرة جداً ، وهناك امرأة جمالها أقلّ مما ينبغي ، وقد تكون عالمة ، ومؤمنة ، وطاهرة ، هناك شيء تراه عينك على الشبكية ، وشيء يدركه عقلك ، أنا أرى امرأة طاهرة ، عفيفة ، مستقيمة ، تعرف ربها ، قلامة ظفرها أغلى من ملكات جمال العالم المتفلتات ، البطولة أن تتعامل مع الحقائق .
لذلك أيها الإخوة ، الحظوظ ، الجمال حظ ، قد يكون لونُ الإنسانِ يلفت النظر ، أو طوله يلفت النظر ، ولاسيما المرأة ، فهذه الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، وتوزيع امتحان ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء .
كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يصلي في بيته ، لا تتسع غرفته لصلاته ونوم زوجته ، لا بد من أن تنزاح جانباً حتى يصلي ، وهو سيد الخلق ، وحبيب الحق ،
أمين هذه الأمة سيدنا أبو عبيدة بن الجراح ، دخل بعض الصحابة إلى بيته في الشام ،
غرفة فيها قِدرٌ مغطاة برغيف خبز ، وسيفه معلق ، وعلى الأرض جلد غزال يجلس عليه ،
قال له : ما هذا ؟! قال له : هو للدنيا ، وعلى الدنيا كثير ، ألا يبلِّغنا المقيل .
أيها الإخوة ، مرة ثانية الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء ،
والآية الكريمة :﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾( سورة الإسراء الآية : 21 )
قد يكون مع شخص 90 مليارًا ، وغيرُه ما معه ثمن لقمة طعام ، وقد يكون بإمكانه أن يقصف هيروشيما بأمر ،
ويموت 600 ألف إنسان في ثلاث ثوانٍ ، وغيره لا يستطيع أن يتحرر من سجنه :
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ إنسان بأعلى درجة من الغنى ، وغيرُه فقير جداً ،
وإنسانٌ صحيح وغيره مريض ، وإنسان قوي وغيره ضعيف ، وإنسان وسيم وغيره دميم ،
وإنسان ذكي جداً وغيره محدود :﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً
الآن دققوا في الفصل التالي :
﴿ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾( سورة الإسراء )
درجات الدنيا مؤقتة ، ودرجات الآخرة أبدية .أيها الإخوة الكرام ، مرة ثانية ، وأؤكد على هذا كثيراً :
الحظوظ : الغنى ، الوسامة ، القوة ، الصحة
هذه حظوظ ، هذه توزع في الدنيا توزيع ابتلاء ، لا تغتر بالمال ، الغنى والفقر بعد العرض على الله
لا تتألم إن لم تكن الصورة كما تتمنى ، الجمال والقبح بعد العرض على الله ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء
والبطولة من له :﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ ( سورة القمر )
﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
خاتمة :
أيها الإخوة ، من أدعية النبي لهذا الاسم كان إذا سجد يقول :
(( اللَّهمَّ لَكَ سَجدْتُ ، وبِكَ آمَنْتُ ، ولَكَ أسلَمتُ ، وأنْتَ رَبِّي ، سَجَدَ وَجْهي لِلَّذي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ ،
وَشَقَّ سَمعَهُ وبَصرَهُ تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقينَ )) .[ أخرجه النسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ] .
وفي دعاء آخر :(( أنت ربي ، وأنا عبدُكَ ، ظَلَمْتُ نَفسي ، واعتَرفْتُ بذنبي ، فاغفِر لي ذُنُوبي جميعاً ،
لا يغفر الذُّنُوبَ إِلا أنْتَ ، واهدني لأحْسنِ الأخلاقِ لا يَهْدي لأحسنِها إلا أنت وَاصرفْ عَني سَيِّئَها ،
لا يصرفُ عني سَيِّئَهَا إِلا أنتَ )) .
[ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن علي بن أبي طالب ] .
وفي النهاية إذا وقف أمام المرآة ، ورأى خلقه ، كان يقول :
(( الحمد لله الذي حسن خَلقي وخُلقي )) .[ أخرجه أبو يعلى عبد الله بن عباس ] والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ