عبد الله بن حذافة السهمي

الأســيـــر الـمـطـلــق

لله دين بالهداية يعبُق
وبوجه أحمد شمسه تتألق

شمس اطل على الحجاز سناؤها
فغدا لها في كل قلب مشرق

ومضى الرجال إلى البلاد ونورها
بجباههم من يلقهم يتعشق

هوَ ذاك عبد الله نجل حذافةٍ
منهم مثال لا يكاد يُصَدّق




عبق الهدى من قلبه يتدفق
والحق في كلماته يتألق

نادوه حيّ على الجهاد أجابهم
ومضى كعصف الريح أو هو أسبق

يشتاق لُقيا الله في فردوسه
فالقلب يخفِق والدموع ترقرق

لكنْ قضاءُ الله شاء لخلقه
أن يبصروا الإيمان حياً ينطق

فإذا به في الأسر يسحب قيده
والجيد بالغُلِّ الثقيل مطوق

ما الأسر؟ ما الأغلال؟ إن فؤاده
في العالم العلوي حر مطلق

وبدت على فمه ابتسامة مؤمن
لألاؤها فيه البشائر تشرق

ورأى مليك الروم ذاك فغاظه
فأسر فتنةَ ذي خداع تُزْلِق

ناداه قال مساوماً متلطفاً
وكأنه بحبيبه يترفق

هلا تنصّرُ ؟ كل ملكي شركةٌ
ما بيننا أترى؟ نعم مغدق

فأجابه : لا وهو يبسِم ساخراً
ما الملك ؟ ما الدنيا؟لسومك أحمق

غضب المليك وصاح في حُرّاسه:
هيا اصلبوه فذا العناد المغرِق

ضحك الأسير وسار نحو صليبه
مثبْت الخُطا متفائلاً لا يفرق

ما الموت ؟ جسر مد نحو حبيبه
أيخاف؟ لا ، هذا اللقاء الشيّق

جُن المليك وطار كل صوابه
آلى أليّةَ نقمةٍ تتحرق

نادى بهم : ردوه سوف أذيقه
مس اللظى فيلين بل يتملق

ورأى الأسير القدر يغلي ماؤها
حتى يكاد حديدها يتمزق

ورموا أسيراً غيره فإذا به
لحم يذوب وأعظم تتفلق

ساقوه نحو القِدر جمجم داعياً
وبكى فصاح العلج وهو يصفق:

ماذا ؟ بكاءٌ؟ هل جزعت لما ترى؟
هيا تنصَّرْ والنجاء محقق

فأجاب : لا والله ،هذي مُنْيَتي
أفحين جاءتني أهاب وأشفق؟!

لكنْ رأيت الموت جل ثوابه
وسما المقام به وحَقَّ المَوثق

فبكيت أنْ هي موتةٌ يا ليتها
مئةًَ تكون وليت أني أُرْزَق

دُهِش المليك وكف عنه عناده
ماذا أرى ؟! ملكاً ووحياً ينطق؟!

فكوا القيود ألا تقبل جبهتي
وتسير حراً حيث شئت وتعتق؟

فأجاب : لا ،حتى أرى مَنْ عندكم
من إخوتي الأسرى جميعاً يُطْلَق

قال المليك : نعم فأنت مُحَكَّمٌ
حتى الرضا فيما تقول مصدق

ساروا يحثون الركاب وكلهم
لرحاب طيبة عاشق متشوق

فإذا بها قد بادرت للقائهم
وإذا الجميع مقبل ومعانق

وتقدم الفاروق يلثم جبهة
هز الملوك يقينها المتحقق

ويقول : حق أن تُقَبَّلَ جبهةٌ
إرث النبوة في علاها مشرق

:)

وتقدم الفاروق يلثم جبهة ... هز الملوك يقينها المتحقق

ويقول : حق أن تُقَبَّلَ جبهةٌ ... إرث النبوة في علاها مشرق

:)
ما الموت ؟ جسر مد نحو حبيبه
أيخاف؟ لا ، هذا اللقاء الشيّق