السواك بين الطب و الإسلام
قال النووي (1) : " السِواك لغة بكسر السين، ويطلق على الفعل وهو الاستياك و على الآلة التي يستاك بها والتي يقال لها يقال لها " المسواك أيضاً، يقال : ساك فاه يسوكه، فقد استاك، وهو مشتق من ساك الشيء إذا دلكه وجمعه سُواك".
وينطبق التعريف على عود أو فرشاة تدلك بها الأسنان لتذهب الصفرة وغيرها.
الهدي النبوي في السواك :
عن أبي هريرة رضي الله عن أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ـ و في رواية ـ عند كل وضوء " رواه الشيخان .
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : " عليك بالسواك فإنه مطهرة للفم و مرضات للرب : رواه البيهقي ورواه البخاري.
عن عائشة بلفظ : " السواك مطهرة للفم مرضات للرب" ورواه ابن ماجة عن أبي إمامة رضي الله عنه.
وعن تمام بن العباس رضي الله عنهما أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : " مالي أراكم تأتوني قلحاً ؟ استاكوا " رواه الإمام أحمد في مستنده ، والقلح ترسبات صفراء في الأسنان.
وعن أنس رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال :" لقد أكثرت عليكم بالسَّواك " رواه البخاري ، وأكثرت عليكم أي بالغت في طلبه منكم، أو في إيراد الأخبار في الترغيب فيه.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " ركعتان بالسَّواك أفضل من سبعين ركعة بدون سواك".
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنّه قال : " كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك " رواه البخاري ومسلم ، والشوص الغسل والتنقية والدلك والإمرار على الأسنان.
وعن عائشة رضي الله عنها : " أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يوضع له وضوءه وسواكه فإذا قام من الليل تخلّى ثم استاك" أخرجه أبو داود ، ولفظه عند ابن ماجة " كنا نعد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة آنية مخمرة من الليل، إناء لطهوره وإناء لسواكه وإناء لشرابه" ولفظه عند مسلم: " وكان أهله صلّى الله عليه وسلّم يعدون له سواكه وطهوره " .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل بيته بدأ بالسواك"رواه مسلم.
وعن أبي بردة عن أبيه قال: " أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فوجدته يستن بسواك في يده ويقول: أُع أُع والسواك في فمه كأنّه يتهوع " .رواه البخاري(واستن: استاك، وتهوع : تقيأ).
والسواك، كما علمنا، من خصال الفطرة فقد ثبت فيما رواه الإمام مسلم عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : " عشر من الفطرة .. وعدّ منها السِّواك ".
وعن سمرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : " طيبوا أفواهكم بالسواك فإنها طرق القرآن" رواه ابن ماجه وقال السيوطي : حديث حسن.
فقه السواك :
تحصل مشروعية الاستياك (2) بكل شيء خشن يصلح لإزالة بقايا الطعام والصفرة التي تعلو الأسنان والرائحة المتغيرة في الفم كعود الأراك أو الزيتون، أو عود شجرة النيم (نيجيريا) وغيرها، ويكره من عود لا يعرف حتى لا تكون منه مضرة كأن يكون في الشجرة سمٌ أو غيره.
قال النووي(4): " ويستحب أن يُستاك بعود أراك، وبأيَّ شيء استاك مما يزيل التغير، حصل السواك، كالخرقة الخشنة والسُّعد والأشنان.
والمستحب أن يستاك بعود متوسط، لا شديد اليبس يجرح، ولا رطب لا يزيل، وأن يُستاك عرضاً لا طولاً، وأن يمر السِّواك على طرف لسانه وكراسي أضراسه إمراراً لطيفاً " .
واختلف في الإصبع إن كانت تجزيء عن السواك أم لا.
قال النووي: " وأمّا الإصبع فإن كانت لينة لم يحصل بها السِّواك بلا خلاف وإن كانت خشنة ففيها أوجه، والصحيح المشهور لا يحصل لأنّها لا تسمى سواكاً ولا في معناه، وقيل يحصل لحصول المقصود وبهذا قطع القاضي حسين والبغوي، والروياني في البحر".
ولا شك أنّ استعمال الفرشاة والمعجون هو من السِّواك، ومن مميزاتها أنه يمكن أن ينظف بها الإنسان باطن أسنانه بسهولة، وفي المعجون مواد منظفة ومطهرة.
وأما حكم السواك فقد قال النووي (3): السواك سنة و ليس بواجب في حال من الأحوال بإجماع من يعتد به في الإجماع ".
وذكر ابن قدامة في كتابه [المغني ] أن اسحق بن راهويه وداود الظاهري قالا بوجوب السواك لأنّه مأمور به، والأمر يقتضي الوجوب.
لكن الجمهور استدلوا بأنّه سنة وليس بواجب بقوله صلّى الله وسّلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك " رواه البخاري.
والسواك مستحب في كل وقت، ويتأكد عند الوضوء والصلاة وتلاوة القرآن وعند تغير الفم بسبب طعام أو نوم، وعند دخول البيت.
وقال الشافعية والحنابلة بأنّه غير مستحب للصائم بعد الزوال، وكرهه بعضهم لأنّه يزيل خلوف الصائم الذي هو عند الله أطيب من ريح المسك.
وردّ كثير من العلماء على القائلين بالكراهة.
وأنّ السواك مستحب للصائم، كغيره، في أول النهار وفي آخره، معتمدين على ما رواه عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال : " رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستاك وهو صائم " رواه الترمذي وابن خزيمة وصححه، ورواه البخاري معلقاً وقال : ابن عمر : " يستاك أول النهار وآخره ".
قال ابن القيم (4): " يستحب السواك للمفطر والصائم وفي كل وقت لعموم الأحاديث الواردة فيه ولحاجة الصائم إليه، ولأنّه مرضاة للرب ، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشدّ من طلبها في الفطر و لأنّه مطهرة للرب و الطهور للصائم من أفضل أعماله، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حثاً منه على الصوم، لا حثاً على إبقاء الرائحة الكريهة، بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر، وأيضاً فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله عند الله يوم القيامة، بل يأتي الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من المسك على صيامه ، ولو أزاله بالسِّواك ، كما أن الشهيد وهو مأمور بإزالته في الدنيا.. وقد أجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوباً واستحباباً والمضمضة أبلغ من السِّواك ".
ومن الناحية الطبية فإن رأي الجمهور في استياك الصائم أقرب لقواعد الصحة والطب الوقائي، ونحن مع الدكتور النسيمي (5) أنّ أهم مناسباته عند الاستيقاظ من النوم لأنّ بعض النخرات تحدث في الفم خلال النوم، كما تترسب بعض المركبات من اللعاب محدثة القلح على الأسنان بسبب ركودة اللعاب أثناء النوم، لذا رأينا أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من الليل ليتهجد يشوص فاه بالسواك.
ويشرح الإمام النووي(3) كيفية الاستياك كما جاءت في هدي النبوة :
" والمستحب أنّ يستاك عرضاً ولا يستاك طولاً لئلا يدمي لحم أسنانه، وأن يمر بالسواك على طرف أسنانه وكرسي أضراسه وأن يبدأ في سواكه وباطنها.
وأما جلاء الأسنان بالحديد وبردها بالمبرد فمكروه لأنّه يضعف الأسنان ويفضي إلى انكسارها، ولأنّه يخشنها فتتراكم الصفرة عليها ".
عن ربيعة بن أكثم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : " كان يستاك عرضاً ويشرب مصاً " رواه البيهقي في سننه.
وعن عطاء بن رباح أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : " إذا شربتم فاشربوا مصاً وإذا استكتم فاستاكوا عرضاً " أخرجه البيهقي وأبو داود.
يقول د. محمد علي البار: " هذه الأحاديث وغيرها مما نص على الاستياك عرضاً كلها ضعيفة لأنّها مرسلة [ سقط منها الصحابي ] ، ولكن ما هو المقصود بالاستياك عرضاً ؟.
إنّ أطباء الأسنان يقولون إنّ اتجاه الفرشاة في تنظيف الأسنان العلوية يجب أن يكون من الأعلى إلى الأسفل وعكس ذلك لتنظيف الأسنان الفك السفلي، أي من أسفل إلى أعلى، وأطباء الأسنان يسمون ذلك " الاستياك طولاً "، أي من أسفل إلى أعلى، وأطباء الأسنان يسمّون ذلك " الاستياك طولاً "، أي بالنسبة لمحور السن.
فهل ما ورد في الأحاديث وكلام العلماء " عرضاً " يختلف عنه، أم أنّه تحديد المحور فإن قصد محور الفم كان الاستياك عرضاً هو ذاته ما ذكره الأطباء المحدثون" .
ويقول ابن القيم (6) : " إنّ السواك متى استعمل باعتدال جلى الأسنان، وأطلق اللسان ومنع الحفر وطيب النكهة ونقى الدِّماغ، وأن فيه منافع، ويطيب الفم ويشد اللثة ويعين على هضم الطعام ويسهل مجاري الكلام وينشط للقراءة والذكر والصلاة ويطرد النوم ويرضي الرب ويكثر الحسنات" ...
كما ينقل صاحب مغني المحتاج " أنّه يسهل النزع ويذكّر الشهادة عند الموت " .
الاستياك و نظافة الفم و أثرها على الصحة العامة :