أيها الأخوة الأكارم ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم
ورود اسم الحق في القرآن الكريم :
هذا الاسم العظيم كثير التداول ، ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى :
﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ .( سورة المؤمنون ) .
وفي قوله تعالى :﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ .( سورة الأنعام ) .
وفي قوله تعالى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ .( سورة الحج ) .
ورود اسم الحق في السنة الشريفة :
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا قام إلى الصلاة في جوف الليل قال :
(( اللهم أنت الحقُّ ، وَوَعْدُكَ الحقُّ ، ولقاؤكَ حَقٌّ ، وقَولك حَقٌّ ، والجنَّةُ حَقٌّ ، والنَّارُ حَقٌّ ، والنَّبيُّونَ حَقٌّ ، ومحمدٌ حَقٌّ ، والساعةُ حَقٌّ )) .[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عباس ] .
تداول كلمة حق تداولاً كثيراً :
أيها الأخوة ، كلمة حق متداولة تداولاً كثيراً جداً ، قال تعالى :
﴿ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ .( سورة الأحقاف الآية : 3 ) .
قال علماء التفسير : أي أن خلق السماوات والأرض ،
أي أن "الحق" لابس خلق السماوات والأرض ، خلقتا بالحق ،
"الحق" نقيض الباطل :
الآن ما هو "الحق" قال : هو نقيض الباطل ، لماذا ؟ قال : لقوله تعالى :
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾ .( سورة ص الآية : 27 ) .
خلقها بالحق ، وما خلقها باطلاً .
"الحق" هو الشيء الموجود والثابت ، أما الباطل قد يكون موجوداً إلى حين ،
الشرق الذي رفع شعار لا إله ، بقي سبعين عاماً ثم انهار ، لأن الله سبحانه وتعالى كان يقول :
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾ ، زهوق صيغة مبالغة ، يعني أكبر باطل ، معه قنابل نووية بعدد مخيف ، انهار ،
ومليون باطل ينهار ، مليون فكر منحرف ، مليون عقيدة منحرفة ، ومليون فرقة ضالة تنهار ،"الحق" نقيض الباطل .
"الحق" الشيء الموجود والثابت :
"الحق" الشيء الموجود والثابت ، والباطل قد يكون موجوداً إلى حين لكن لابدّ من أن ينتهي ، لابدّ من أن يعدم .
"الحق" الشيء الهادف المرتبط بأهداف نبيلة :
الآن الآية الثانية :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ *
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .( سورة الدخان ) .
"الحق" الشيء الهادف ، مرتبط بأهداف نبيلة ، والعابث شيء ليس له هدف .
أحياناً إنسان (يوجد تحريم بالموضوع) يلعب النرد للساعة الثالثة بالليل ، يا ترى تَعَلّم ؟
ازداد علماً ؟ ازداد قرباً ؟ ارتقى مستواه ؟ ارتقى دخله ؟ ارتقى علمه ؟ ارتقت وظيفته ؟
مضيعة للوقت ، نقول لعب النرد شيء عابث .أما أن تعكف على كتاب فتقرأه ، كتاب أساسي في الدين ،
نقول شيء هادف ، حينما تأتي إلى مسجد لتحضر درس علم نقول شيء هادف ، مقدس ، أما حينما ينطلق الإنسان إلى ملهى ، شيء عابث ، يستمع إلى مغنية ، ويرى راقصة ، هناك فرق كبير .فصار "الحق" الشيء الثابت ، نقيضه الباطل ، و "الحق" الشيء الهادف نقيضه العابث ، "الحق" ليس عابثاً ، وليس باطلاً ، ثلاث آيات أعيدها على مسامعكم ، الآية الأولى :
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ ، يعني الحق لابس خلق السماوات والأرض .
الآية الثانية التي تفسر "الحق" ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾ ،
الباطل الشيء الزائل ، ﴿ ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾
الآية الثالثة : ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ *
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .
معاني الحق في اللغة :
1 ـ الشيء المستقر و الموجود و الثابت :أيها الأخوة ،
"الحق" في اللغة اسم فاعل ، فعله حق يحق حقاً ، يقال : حققت الشيء ،
أحقه حقاً ، إذا تيقنت أنه موجود ، "الحق" الشيء المستقر ، والموجود ، والثابت .
2 ـ المطابقة :"الحق" بمعنى المطابقة ، كلامه حق يعني طابق الواقع ،
إنسان ارتكب عملاً جئنا بشاهد شهد ،
نقول شهادته حق ، لأنها مطابقة للواقع .
3 ـ الشيء الذي لا يزول و هو خلاف الظلم :"الحق" الشيء الثابت ، و "الحق" الذي لا يزول ، و "الحق" هو العجل ، و "الحق" خلاف الظلم ،
والاعتقاد بالحق الشيء المطابق للواقع ، مثلاً :شخص قال : أعتقد أن البعث ، والثواب ، والعقاب ، والجنة ،
والنار حق لأن البعث سيكون ، والثواب سيكون ، والعقاب سيكون ، والجنة ستكون ، والنار ستكون .
4 ـ الإسلام :"الحق" في القرآن الكريم له استعمالات كثيرة ، "الحق" هو الإسلام لأنه دين الواحد الديان .
5 ـ العدل :و
"الحق" هو العدل .
﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ .( سورة النساء الآية : 58 ) .
6 ـ الحكمة و الصدق و الحساب و الجزاء :و
"الحق" هو الحكمة ، العمل الحكيم عمل حق ، والصدق ، والوحي ، والقرآن ، والحقيقة ،
وأيضاً الحساب والجزاء :﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ .
7 ـ الله سبحانه وتعالى متصف بالوجود الدائم لا شيء قبله ولا شيء بعده :الآن الله عز وجل هو "الحق" ، "الحق" هو الله سبحانه وتعالى ، لأنه متصف بالوجود الدائم ،
لا شيء قبله ، ولا شيء بعده .﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ﴾ .
هو الباقي على الدوام إلى أبد الآبدين .
8 ـ المتصف بالوجود الدائم وبالحياة والقيومية :"الحق" هو المتصف بالوجود الدائم ، وبالحياة والقيومية .
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ .( سورة البقرة الآية : 255 ) .
والبقاء ، فلا يلحقه زوال ، ولا فناء ، وكل أوصاف "الحق" كاملة جامعة للكمال
والجمال والعظمة والجلال ، قال تعالى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾
بربكم كم ملة وكم اتجاه وكم طائفة ظهرت في الأرض ؟ كلها تلاشت والإسلام باقٍ كالطود الشامخ ،
لأن الإسلام حق ، وأي فرقة ضالة باطلة ، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾ .
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ .( سورة الحج ) .
9 ـ "الحق" هو الذي يحق الحق بكلماته :و
"الحق" هو الذي يحق الحق بكلماته ، كلام الله حاسم ، لذلك قال تعالى :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ .( سورة الشعراء ) .
القلب السليم ، هو القلب الذي لا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله .
إذاً يحق "الحق" بكلماته ، ويقول "الحق" ، إذاً وعده وعد حق ، ودينه حق ،
وكتابه حق ، وما أخبر عنه حق ، وما أمر به حق .﴿ وَيُحِقُّ اللَّهُ
الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾
وفي قوله تعالى :﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ﴾
وفي قوله تعالى : ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ ، يعني هنيئاً لمن كان مع "الحق" ، والويل لمن كان مع الباطل ، هنيئاً لمن كان مع الثابت ، والدائم ، والباقي ، والكامل ، و "الحق" نقيض اللعب ، والكامل .
من كان مع الحق كان في قمة النجاح و التألق و الفلاح :
أيها الأخوة ، الملخص أن الله سبحانه وتعالى هو
"الحق" ، وكلامه هو "الحق" ووعده هو "الحق" ،
ووعيده هو "الحق" ، وأفعاله هو "الحق" .الإنسان حينما يكون مع "الحق" في قمة النجاح ، في قمة التألق ،
في قمة الفلاح ، في قمة الفوز ، في قمة العقل ، في قمة الذكاء ، صار "الحق" الشيء الموجود ،
والباطل الشيء المفقود ،
"الحق" الشيء الموجود ، والباطل الشيء المعدوم .
الجاهل من توهم أن الشيطان أجبره على عمل ما و هو لا علاقة له :
أيها الأخوة ، مثلاً كلما زلت قدم إنسان يقول : الله يلعن الشيطان ، الشيطان ما دخله ، اسمع الآية : ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ﴾ .( سورة إبراهيم الآية : 22 ) .
أنا ليس لي سلطة عليكم :﴿ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ .( سورة إبراهيم الآية : 22 ) .
الأحمق من اتجه إلى إنسان ضعيف لا يملك شيئاً و لم يتجه إلى الخالق سبحانه :
ما هو الشرك ؟ أن تتجه إلى معدوم ، إلى ضعيف ، إلى محكوم من قبل الله عزّ وجل ، حينما تتجه إلى الله ، الله عنده كل الخير ، عنده التوفيق ، عنده السعادة ، عنده الأمن ، عنده التيسير لأمورك ، عنده الحفظ ، عنده التأييد ، عنده النصر ، عنده كل شيء
وإذا اتجهت إلى غيره لا يوجد عنده شيء .﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ﴾ ( سورة فاطر) .
أحمق إنسان ، أغبى إنسان ، من يتجه إلى إنسان آخر .
(( لو كنتُ متخذا من أُمَّتي خليلا لاتَّخذتُ أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي ))[ أخرجه البخاري عن عبد الله بن عباس ]
الذي ينطق
بالحق:
يا رب ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك وإذا كان الله معك فمن عليك ،
وإذا كان عليك فمن معك وهناك في الكون حقيقة واحدة وهي الله ، كل شيء يُقرِّبُكَ منها فهو حق ،
وكل شيء يُبعِدُكَ عنها فهو باطل ، فعليك أن تعرف الله ، وأن تعرف منهجه ، وأن تُطبّقه ،
وهذا هو الحق ، وما سِوى ذلك كله باطل ،والمؤمن يرى بأم عينه ، أن الباطل قد يصمد سبعين عاماً
وبعدئذ يتهاوى كبيت العنكبوت ، لأنه باطل فالفكرة باطلة والمبدأ باطل والتطبيق باطل .
وإذا رأيت بأم عينك جداراً بُني بِلا شاقول ، فالمهندس لابُدَّ قائلٌ: إن الجدار سينهار لا محالة ، لأن بناءه باطل
إن الباطل من صفاته الثابتة أنه زَهَوق ، وإن كان الاعتقاد باطلاً فهو زَهَوق ، وإن كان السلوك باطلاً فهو زَهَوق .
والحمد لله رب العالمين