ومن أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم : انشراح صدورهم إذا صرف الله تعالى عنهم الدنيا وذلك لأنهم يحبون الله ورسوله ، ومن أحبَّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كره الدنيا ضرورةً ؛ لأنها تشغل عن كمال العبادة ؛ فلذلك كان من أكرم أخلاقهم انقباض قلوبهم من إقبال الدنيا عليهم
وتأمل يا أخي ، لمَّا كان الصحابة رضي الله عنهم أكثر الناس محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان أكثرهم يبيت ويصبح وليس عنده دينار ولا درهم، وقد دعا صلى الله عليه وسلم لأهل بيته رضي الله عنهم لشدّةِ محبته لهم ومحبتهم له، فقال :
(( اللَّهُمَ اجْعِلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَدٍ قُوتَاً (وذلك ليكون العبد مقبلاً على الله تعالى لا يعوقه عنه عائق ؛ لا سيما إن كان ليس عنده صبرٌ على الجوع مثلا ، فإنه يصير مقبلاً على الله تعالى ليلاً ونهاراً يسأله قوته لا يفترّ عن ذلك .
وكان عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى يقول : الدنيا سجن المؤمن ، وأعظم أعماله في السجن الصبر وكظم الغيظ، وليس لمؤمن في الدنيا دَوْلة وإنما دولته غدا في الآخرة .
وقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : سيأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذلَّ من الأَمَة فيعيش كدود الخلّ في الخل .
وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول : من حَبس الله عنه الدنيا ثلاثة أيام ؛ وهو عنه راض وجبت له الجنة .
وكان عبد الله بن بكر المزني رحمه الله تعالى يقول : إن الله عز وجل ليجرِّع عبده المؤمن ويذيقه مرارة الدنيا محبةً فيه كما تجرِّع المرأة ولدها الصبر ، لأجل العافية .
ومن أدلة القوم في هذا الخلق ما ورد : أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أحبك يا رسول الله ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :(إِنْ كُنْتَ تُحِبُنِي فَاعِدَّ لِلفَقِر تجفافاً ، فَإِنَّ الفَقِيرَ َأسْرَعَ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ (
وقد كانت عائشة رضي الله عنها تقول : ما زالت الدنيا علينا عَسِرَة كَدِرَة حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فصبَّت علينا الدنيا صبا ،أي : لأنا كنا ببركته صلى الله عليه وسلم في حماية من الدنيا ، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ذهبت تلك الحماية ودخل علينا النقص .
وكان مالك بن دينار رحمه الله تعالى يقول : قال لي معلمي عبد الله الرازي رحمه الله تعالى : إن أردت القرب من الله تعالى فاجعل بينك وبين الشهوات حائطا من حديد
وقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة و السلام : حرامٌ على قلبٍ أحبَّ الشهوات أن أجعلهُ إماماً للمتقين
وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى يقول : أميتوا الشهوات في أنفسكم ولا تميتوا أنفسكم في الشهوات فإن من جعل شهوته تحت رحليه فرّ الشيطان من ظِله ، كما أن من جعلها في قلبه ، ركبه الشيطان فصرفه كيف شاء بتسليط الله تعالى .
وقد كان عيسى عليه الصلاة والسلام يقول : الجنة ترجع بجملتها إلى شيئين الرَّاحات والشهوات ، ولا يدخل أحدٌ الجنة إلاَّ بترك الرَّاحات والشهوات في الدنيا .
وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول : سيأتي على الناس زمان يكون همة
أحدِهم بطنَه ، ودينه هواه ، وسفه لسانه .
وكان الحسن البصري رحمه الله تعالى يقول : ليست الدابة الجموح أحوج إلى اللجام من نفسك .
وكان سفيان الثوري رحمه الله يقول : ما عالجت شيئا أشد من نفسي مرة معي ومرة عليَ ، و كان يقول : كُفُّوا أنفسكم عن الشهوات قبل أن يخاصم بعضكم بعضا .
ومن أدلة القوم في هذا الخلق قول النبي صلى الله عليه وسلم) :حُفَّتْ الجَنَّةُ بالمكارة، و حفت النَّار بالشهوات (
وقد ورد أنه قدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرة سويف اللوز فرده وقال :
) هَذَا طَعَامُ المرفهين في الدُّنيا (
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول : ما زاد على لون واحد فهو طعام الفساق .
وسيأتي زيادة على ذلك في محله إن شاء الله تعالى ،
والحمد لله رب العالمين
منقو من كتاب
تنبيه المغترين للشعراني مطبعة دار البشائر