ومن أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم عدم التغالي في الثياب ، بل كانوا يلبسون ما وجدوا من الحلال ، ولو خيشه وإذا لبس أحدهم جبة أو عمامة صوف ، لا يتغالى في ثمنها عكس ما عليه فقراء هذا الزمان فربما تكون جبة أحدهم أو عمامته الصوف أغلى ثمنا من ثياب التجار، اللهم، إلاّ أن يكون أحدهم ممن لا تدبير له مع الله تعالى، فهذا يلبس ما شاء من المباحوقد كان حاتم الأصم وأصحابه رضي الله عنهم لا يلبسون من الدنيا إلا ما خلق من الثياب وصارت فيه رقع كنيرة .
وقد كان أويس القرني رضي الله عنه يلتقط الخرق من المزا بل ثم يخطها بعد غسلها ويلبسها .
وكان إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى يلبس الجبة السوداء حتى تنشق علي، وقالوا له مرة: كم لهذه الجبة عليك ؟ فقال : تسع سنين ؛ ما نزعتها قط .
وقد كان الحسن البصري رحمه الله يلبس الثوب حتى يتسخ جدا ، فإذا قيل له ألا تغسل ثوبك ؟ يقول : الأمر أعجل من ذلك .
وقد قال علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما : إن أردت اللحاق بصاحبيك فرَقِّع قميصك ، واخصف نعلك ، وقَصِّر أملك، وكل دون الشبع .
وقد كان أبو ذر رضي الله عنه بيته خال من المتاع ليس فيه سوى المطهرة التي يتوضأ منها ، فقيل له يوما : ألا تجعل في بيتك متاعا ؟ فقال : إن ربَّ البيت لا يدعنا نقيم فيه ، وإن لنا بيتا آخر سنوجه إليه صالح أعمالنا إن شاء الله تعالى .
وكان أبو إدريس الخولاني رحمه الله تعالى يقول لأصحابه : لا تعتنوا بغسل ثيابكم فلقلب نقيّ في ثوب دنسٍ أحبُّ إلى الله تعالى من قلب دنس في ثوب نقيّ
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخشن منكم ثياباً وأرقُّ قلوبا ، وسيأتي زمان يكون أهله أرقَّ ثيابا وأخشن قلوبا .
وكان أبو عبيدة رضي الله عنه يقول : رُبَّ مبيض لثيابه مدنِّس لدينه . وقد قيل مرة لأبي سليمان الداراني رحمه الله تعالى : ألا تسرح لحيتك ؟ فقال له : إني إذن لفارغ القلب .
وقيل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى : ألا تخضُب لحيتك ؟ فقال الخضاب : زينة وما نحن من أهلها الآن .
وكان ثابت البناني رحمه الله تعالى يقول : ربما أريد أن أغسل ثوبي فأفكر في قلبي فأتركه ، وكان يغسل ثوبه بالأشنان فقط دون الصابون .
وكان مالك بن دينار رحمه الله تعالى لا نريد على العبادة صيفا وشتاءٌ ليلا ونهاراً ،
وكان أبو إسحاق السبيعي رحمه الله تعالى يقول : كانت طيالس الناس قعر بيوتهم ، ولم يكن يلبس الطيلسان على عمامته إلا شهرُ بن حوشب فقط رحمه الله .
وقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : ما شبهت الناس اليوم في المساجد وعليهم الطيالسة إلاَّ بيهود خيبر قلت : المطلوب من الطيلسان على الرأس إنما هو كف النظر عن فضول النظر للحيطان وغيرها ، وليس هو بكبير أمر، وإنما الشأن أن يلبس على قلبه طيلسانا يمنعه أن يمدَّ بصره إل شيء من شهوات الدنيا،
قال تعالى :لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ
ولكل مقام رجال والله أعلم .
وقد كان عروة بن الزبير رضي الله عنهما يقول: رأيت رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج به إلى الوفود طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبرٌ، فكان عند الخلفاء بعده صلى الله عليه وسلم حتى خلق كانوا يلبسونه يومي العيدين .
وكان مالك بن دينار رحمه الله تعالى يقول : يا قارئُ ؛ ما لك وللطيلسان ؟ إنما ينبغي لك مدرعةُ صوف وعصا كراع تفرُّ من الله إلى الله ، وتشوق إخوانك إلى الله
وقد كان يوسف بن أسباط رحمه الله تعالى يقول : رأيت سفيان الثوري رحمه الله تعالى في طريق مكة فقوّمت ما عليه من الثياب حتى نعله فوجدت ذلك يساوي درهما واحداً وأربع دوانق .
واعلم يا أخي ، أن دليل القوم في هذا الخلق قوله صلى الله عليه وسلم :البَذَاذَةُ مِنَ الإِيْمَانِ
و البذاذة : لبس الخلق من الثياب ، فلا يبالي الشخص بأي ثوب لبس
والحمد لله رب العالمين .
منقول من كتاب تنبيه المغترين للشعراني مطبعة دار البشائر