ربَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
ومن أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم :
عدم الغفلة عن محاربة إبليس والتجسُّس على معرفه مكائده ومصايده ،
وهذا الخُلُق قد أغفله اليوم غالب الناس ، فإن إبليس كما لم
يغفل عنا ينبغي لنا أن لا نغفل عنه ،
فإنه بالمرصاد حريص على
وقوع العبد في سخط الله تعالى ، وفي الحديث :
(( إنَّ إبِليسَ يَضَعُ عرشهُ في البَحرِ ويُرسِلُ سَرَايَاهُ وَجُنُودَهُ ،
فَأَعظَمُهُمْ عِندَهُ مَنزِلَةً أَعظَمُهُمْ فِتْنَةً للناس ((.
وكان وهب بن منبه رحمه الله تعالى يقول : بلغنا أن إبليس لعنة الله قال :
يا رب ، أما ترى حب عبادك لك ومع ذلك يعصونك وكثرة
بغضهم لي مع كثرة
طاعتهم لي !
؛ فأوحى الله تعالى إلى الملائكة : إني قد غفرت لهم كثرة عصيانهم لي بمحبتهم لي ، وتجاوزت عن كثرة طاعتهم لإبليس بكثرة بغضهم له .
وكان الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى يقول : إن إبليس إذا ظفر من ابن آدم
بإحدى ثلاث قال لا أطلب منه غيرها : إعجابه بنفسه ،
و استكثاره عمله ، ونسيانه ذنوبه
وفي رواية بإحدى أربع : وهي زيادة الشبع وهو أعظمها ، فإن الثلاثة تنشأ عنه .
وكان وهب بن منبه رحمه الله تعالى يقول : إياكم أن تعادوا الشيطان
في العلانية وتطيعوه في السر ، فإنه كل من بات عاصيا
بات الشيطان لأجله عروسا .
مرة في صورة إنسان يحمل السراج بين يديه وكانت ليلة باردة مظلمة ، فأشرفت عليه امرأة من شباك لها . فقالت : ما أقسى قلب هذا الشاب يكلف
هذا الشيخ أن يحمل له السياج في مثل هذه الليلة ، فسمعها
محمد بن واسع ، فقال لها : دعيه يشقى أشقاه
الله تعالى ، فعرف إبليس أنه عرفه
فأطفئ السراج وهرب .
وقد بلغنا أن إبليس لعنه الله دخل على الجنيد رحمه الله في صورة إنسان وعليه مرقعة وفي عنقه سبحة وفي وسطه منطقة على شكل خدام المشايخ ، وقال له
يا سيدي إني أحببت أن أخدمك لعل أن تنالني بركتك فمكث يخدمه ويوضبه نحو عشرين سنة فلم يجد له عليه طريقا يدخل إليه منها في وقت من الأوقات
فلما أراد الانصراف قال له أما تعرفني ؟ فقال له الجنيد : بلى قد عرفتك في أول دخولك عليّ ، وانك أبو مرة
إبليس فقال له إبليس : ما رأيت أحدا على قدمك يا أبا القاسم ! فقال له الجنيد : اذهب عني يا ملعون ؟ أردت
أن لا تفارقني إلا بشيء تتلف به ديني وهو الإعجاب .بحالي !
وقد كان محمد بن واسع رحمه الله تعالى يقول كل يوم بعد الصبح :
اللهم إنك سلطت علينا عدوا لنا بصيرا بعيوبنا مطلعا
على عوراتنا يرانا هو وقبيلة من حيث لا نراه ، اللهم فآيسته منا كما آيسته من رحمتك وقنطت منا كما فنطته من عفوك ، وباعد بيننا وبينه كما
باعدت بينه وبين مغفرتك وجنتك إنك على كل شيء قدير قال : فتمثل له
إبليس يوما ، قال له : يا محمد لا تعلم هذا الدعاء لأحد وأنا لا
أعود أتعرض لك بسوء أبدا ، فقال له محمد : والله ، لا أمنعه من أحد واصنع أنت ما شئت
قال : وقد تراءى يوما إبليس لعنه الله لعيسى عليه الصلاة والسلام ، وقال له : يا روح الله ، قل لا إله إلا الله ، فقال عيسى : كلمة حق أقولها
ولكن لا لقولك ( لا إله إلا الله ) . قال سيدي علي
الخواص رحمه الله تعالى : أراد إبليس تلميذا
له في كلمة التوحيد فلم يفعل عيسى
عليه السلام ومنعته العصمة
وكان كعب الأحبار رضي الله يقول : ذكر الله تعالى في جنب الشيطان كالأكلة في جنب ابن آدم ، وكان عبد العزيز بن أبي روَّاد رحمه الله تعالى
يقول : لقد حججت ستين حجة ، وعملت أعمالا كثيرة
من القربات ، ومع ذلك فما حاسبت نفسي قط إلاَّ
وجدت نصيب الشيطان من ذلك أقوى من
نصيب ربي عز وجل قليتني
خرجت من الدنيا كفاف
، لا عليّ ولا لي
وكان سفيان الثوري رحمه الله تعالى يقول : إياكم وخوف الفقر ، فإنه ليس للشيطان سلاح يقاتل به ابن آدم أشد من
خوفه الفقر ؛ لأنه إذا خاف الفقر أخذ من الباطل ، ومنع من الحق ، وتكلم بالهوى ، وظن بربه سوء الظن فلقي كل سوء
وقد كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول : من نعم الله عليّ أني ما فررت من الفقر قط ولم يقل أكثر عملاً
وكان رحمه الله تعالى يقول : إذا بلغ العبد أربعن سنة ؛ ولم يتب عن جميع
المعاصي والذنوب ؛ مسح الشيطان بيده على جبهته ،
وقال : فديت وجها لا يفلح
قلت : ويؤيد ذلك ما رواه الطبراني مرفوعا :
{ من بلغ أربعين سنة ولم يغلب خيره شره فليتبوأ مقعده من النار }
وكان مجاهد رحمه الله تعالى يقول : ليس عندي شيء أفظع لظهر إبليس عند النكبة والعثرة ، مثل قول لا إله إلا الله لأنك إذا لعنته لم يتأثر لذلك ، وإنما يقول لعنت ملعنا
وكان سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى يقول : إن إبليس له ثلاث مئة وستون صكا فيها غروره ومكايده ببني آدم فلابد كل يوم أن يعرضها على قلوبهم واحدا بعد واحد . وكان محمد بن سيرين رحمه الله تعالى يقول : ليس لإبليس كيد أعظم من رؤية
العبد نفسه على إخوانه فإنه إذا مات على ذلك مات ؛ وربه ساخط عليه لم ينفعه شيء من أعماله
وقد كان ميمون بن مهران رحمه الله تعالى يقول : من أعظم الأعداء عدو لا تراه حتى تكيده
وكان حبيب العجمي رحمه الله يقول : لو أقامني الله عز وجل بين يديه وقال : ائتني بسجدة واحدة لا حظ للنفس أو الشيطان فيها لأدخلك بها الجنة لقلت له : يا رب لا أجد ذلك
فتنبه يا أخي ؛ لنفسك وإياك أن تظن أن إبليس انقطع عنك حين ترى توالي عبادتك بل انظر فيها ، وابحث كل البحث ،
والحمد لله رب العالمين
منقول من كتاب
تنبيه المغترين
للشعراني