رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
ومن أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم :
كثرة الصَّمت ، والنطق بالحكمة تسيلا على الطالب ، نظير قوله صلى الله عليه وسلم : (( أُعْطِيْتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ وَاخْتُصِرَ لي الكَلاَمُ اخْتِصَاراً ))
كان أبو الحسن الهوري رحمه الله يقول : تهيج الحكمة من أربع خصال : الندم على الذنب ، والاستعداد للموت ، وخلو البطن ، وصحبة الزهَّاد في الدنيا
وكان سفيان الثوري رحمه الله تعالى يقول : اشتغل محمد بن يوسف رحمه الله بالعبادة فأورثته الحكمة ، واشتغلنا بكتابة العلم فأورثتنا الخصومات
يعني بذلك : الجدال
وكان يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى يقول : تهوي الحكمة من السماء
فلا تنزل عل قلب فيه هذه الأربع خصال : الركون إلى الدنيا ،
وحمل هَمٍّ غد ، وحسدٌ لأخ ، وحبُّ شرف على الناس ،
فمن كان فيه خصلة من هذه فلا
تدخل قلبه حكمة
فمن جملة حكمهم رضي الله عنهم : قول حاتم الأصم رحمه الله تعالى :
لا تنظر إلى من قال ، وانظر إلى ما قال ، وخذ الحكمة
حيث وجدتها فإنها ضالة المؤمن ،
فإذا وجدتها فقيدها ،
ثم ابتغ ضالة أخرى
ومنها هول الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه : من رضي بدون قَدره رفعه الله فوق غايته ، وقوله : عليك بالحكمة فإنها تُجلس المساكين مجالس الملوك
ومنها قول أكثم بن صيفي رحمه الله تعالى : الانقباض عن الناس مكسبةٌ للعداوة ، والانبساط إليهم مجلبَةٌ لقرين السوء ، فكن بين المنقبض والمنبسط
ومنها قول الإمام الشافعي رضي الله عنه : أقل الناس في الدنيا راحةً الحسود والحقود
وقال رجل للأحنف بن قيس رحمه الله تعالى : إني أراك يا أحنف ، أعور فم سوَّدك قومك عليهم ؟ فقال له : لكوني لم أشتغل إلاّ بما يعنيني فقط ؛ كما اشتغلت أنت بما لا يعنيك
فإن قيل : ما ضابط الكلام الذي لا يعني الشخص ؟ فالجواب أن ضابطه : كل ما لا تدعو إليه حاجه دينية ، أو دنيوية والله أعلم
وقد قيل ليحيى بن معاذ رحمه الله تعالى متى يذهب من العبد العلم والحلم والحكمة ؟ فمال : إذا طلب الدنيا بشيء من هؤلاء الثلاث
وكان رحمه الله تعالى يقول : إذا ذمَّك أبناء الدنيا أو مدحوك فاصرف ذلك إلى الخرافات لكونهم مطموسي البصائر
واعلم أن تكسُّب الرَّجُل ؛ وهو يحنُّ إلى الزهد خيرٌ له من الزهد ؛ وهو يحنّ إلى التكسب
وكان رحمه الله تعالى يقول : خلوة المريدين غمُّ الشياطين ، ورؤية الناس نشاط المرائين
وكان رحمه الله تعالى يقول : َمن ستر عليك ذنوبك ولم يفضحك فهو أولى
بك من سائر الخلق فإنك تذنب ألف ذنب فيما بينك
وبين الله تعالى فيسترها عليك ، ولو أن
الخلق اطلعوا على عيب واحد
فيك لفضحوك بين العباد
ومنها قول أبي محمد الرذاماري رحمه الله : إذا جمعت المال فأنت وكيل
وإذا أعطيته فأنت رسول ، فالوكيل لا يخون والرسول
لا يمنُّ . قلت : عدم خيانة الوكيل أن لا يمنع
أحدا من بخل ؛ بل ينفق كما أمره الله ويمنع لحكمة كما منع الله ، وعدم من الرسول أن يرى الفضل لمرسله ، ولا يرى له فضلا بما أعطى إلا على وجه الشكر لله تعالى ، والله أعلم
ومنها قول أبي معاوية الأسود رحمه الله : من طلب من الله الخير الجزيل فلا ينم في الليل ولا يقيل
وقوله : من طلب الفضل من اللئام فلا يلومنّ إلاّ نفسه إذا أهين
ومنها قول إمامنا الشافعي رضي الله عنه : أظلم الظالمين لنفسه من تواضع لمن لا يكرمه ورغب في مودّة من لا ينفعه وقبل مدح من لا يعرفه
وقوله : من نَمَّ لك نّمَّ عليك ، ومَن نقل إليك نقل عنك ، ومن إذا أرضيته قال فيك ما ليس فيك ، كذلك إذا أغضبه قال فيك ما ليس فيك
وقوله : إذا نروج الرجل فقد ركب البحر ، فإن ولد له ولد فقد كسرت به المركب
وقوله : طلب الراحة في الدنيا لا يصح لأهل المروءات ، فإن أحدهم لم يزل تعبان في كل زمان
وقوله : إذا وليَ أخوك ولاية فارض منه بعشر الودّ الذي كان لك قبلها
ومنها قول أبي أمامه رحمه الله تعالى : من آذى الناس بلا سلطان فليصبر على
الهوان ، وقوله : من صبر على الإساءة عليه فقد مهد للإحسان موضعا
وقوله : من لم ينلك الخير في حياته فلا تبك عيناك على وفاته
وقوله : إذا رضي الراعي بفعل الذئب لم ينبح الكلب على الغريب
وقوله : الأتراف يهدم الاقتراف ، ولم تزل الأشراف تبتلى بالأطراف
ومنها قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
اللهم وسِّع عليّ الدنيا وزهدني فيها ،
ولا تقتيرها عن ورغبني فيها
وقوله : اللهم اجعلني اليوم مشغولا بما أكون عنه غدا مسؤولاً
وقوله : التواضع يرفع الخسيس ، والكبر يضح النفيس ، ومن طلب الرياسة أعيته ، ومن فرّ عنها تبعته
وقوله : لا تفرح بكثرة العيال ، فإن ذلك سوسُ المال وفضيحة الرجال
ومنها قول الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى :
من كثر عتابه قَلّ أصحابه
ومَن أعطى الفاجر فقد أعانه على الفجور ، ومن سأل اللئيم فقد أهان نفسه
ومن طلب العلم عن لا يعمل به زاده جهلا ، ومن علَّم الأبله فقد ضيع عمره بلا فائدة ، ومن منع المعروف مع كفور فقد ضيَّع النعمة
ومم ما قول يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى : في الكفّ عن المحارم يكون رضا الرب ، وعند نزول البلاء تظهر حقائق الصبر ن وعند طول الغيبة
تظهر مواساة الإخوان . وبالأدب يفهم العلم .
وبترك الطمع تثبت المؤاخاة .
وبصلاح النية تدوم صحة الأخيار
وقوله : من كان القرآن قيده كان إطلاقه الموت ، ومن ذبحته العبادة أحياه الفوز ، ومن ترك شهوة الدنيا عوّضه الله´ تعالى شهوة ذكره
وقوله : من حلم ساد على أقرانه ، ومن نفذ غضبه غمس في بحر هوانه
وقوله : كدر الاجتماع خيرٌ من صفاء الافتراق ، وإذا كان القريب عدوّا فهو البعيد وإذا كان البعيد ودودا فهو القريب
ومنها قول بشر الحافي رحمه الله تعالى : إذا أخلت النوافل بالفرائض ، فاتركوا
وقوله : ليس مع الاختلاف ائتلاف
وقوله : إنا لم نؤَت من قبل النِّعم ؛ وإنما أتينا من قلة الشكر عليها / كما أنا لم نؤت من قلة العمل ؛ وإنما أتينا من قلة الصدق فيه ،كما أنا لم نؤت من كثرة الذنوب وإنما
أتينا من قلة الحياء ، كما أنا لم نؤت من قلة الاستغفار ، وإنما أتينا من قلة الوفاء ، وسرعة الرجوع إلى الذنوب من غير عقوبة عليها ، ولو أن العقوبة عُجِّلت لنا ´لا نتهينا عن المعاصي جملة
فاعلم ذلك يا أخي ؛ ونظِّف باطنك من محبة الدنيا وشهواتها ،
وأكثر من ذكر الله تعالى . فإذا تم جلاء باطنك فهناك
ينطقك الله تعالى بالحكمة وتصير حكيم
زمانك . وأما مع محبتك الدنيا
فهذا بعيدٌ عنك ،
والحمد لله رب العالمين