رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
ومن أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم :
كثرة الصدقة بكل ما فضل عن حاجتهم ليلا ونهارا سرا وجهارا ،
ومن لم يجد منهم شيئا من المال والطعام مثلا تصدق بكفِّ
أذاه عن الناس وتحمل هو أذاهم
وقد كانت صدقات الفقراء في الزمن الماضي أكثر من صدقات الأغنياء لعدم إدخارهم المال والطعام ، بخلاف الأغنياء ، ولا شك أن الفقراء أطيب نفسا بالصدقة من الأغنياء لكمال إيمانهم ويقينهم ، وعدم بخلهم بالمال على المحتاجين
وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : اللهم اجعل الفضل عند خيارنا لأجل أن يعودوا به على أُولى الحاجة منا
وقد كان بعضهم يرسل إلى أخيه الرغيف أو التمرة أو النعل مثلا ، ويقول له : إنا نعلم غناك عن مثل ذلك وإنما أردنا أن نعلمك أنك على بال منا
وكان عبد العزيز بن عمير رحمه الله يقول : الصلاة توصلك إلى نصف الطريق ، والصوم يوصلك إلى باب الملك ، والصدقة تدخلك إلى الملك
وكان رحمه الله تعالى يقول : الأموال عندنا ودائع للمكارم
وكان إبراهيم بن يوسف رحمه الله تعالى يجمع الأموال ويقول : إنما أجمع ذلك لبطون جائعة ، وظهور عارية ولم أجمعه للماء والطين ، وقد طلبوا منه شيئا لعمارة مسجد فأبى ولم يعطهم شيئا وقال : الجائع أحق
وقال لقمان عليه السلام لابنه يا بنى ، إذا أخطأت فتصدق ، ولو برغيف
وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول : من لم يتكرم بماله
فتركه جمع المال أولى
وكان الحسن البصري رحمه الله تعالى يقول : لا يتصدق أحداً إلا من كسبه
الطيِّب فمن تصدَّق على فقير من كسب خبيث
ليرحم ذلك الفقير فهو مغرور ، ورحمته
من ظلمه أولى بإعطائهما أخذ منه
وكان مجاهد رحمه الله تعالى يقول : لا يقبل الله تعالى صدقة من تعدَّى بصدقته رحمه المحتاج
وقد كان محمد بن سيرين رحمه الله تعالى لا يخرج صدقة فطره إلا مغربلة مطيَّبة
وكان إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى يقول : إذا كان مشهد العبد أن
جميع ما تصدق به إنما هو ملكٌ لله تعالى فلا عليه ،
ولا يضره إذا كان فيه عيب
وكان عروة بن الزبير رحمه الله تعالى يقول : تخيروا للصدقة فإن الله طيِّب لا يقبل إلا طيبا . قلت : فلكل رجال مشهد
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول : يتزوج أحدكم فلانة بنت فلان بالمال
الكثير ، ولا يتزوج الحور العين بلقمة
أو تمرة أو خَلِقة ! هذا من العجب
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يتصدق كثيرا بالسُّكَّر ويقول : إني أحبه ؛ وقد قال تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون }
وكان الإمام الليث بن سعد رضي الله عنه يقول : من أخذ مني صدقة
أو هدية فحقه عليَّ أعظم من حقي عليه
لأنه قبل مني قرباني إلى الله عز وجل
وكان معاذ النسفي رحمه الله تعالى يقول : من لم يَرَ نفسه أحوج إلى ثواب
صدقته من الفقير إلى صدقته ؛ فهو ممن أبطل
صدقته بالمن لأنه رأى نفسه على الفقير ، وعند ذلك تضرب بها وجهه
وكان حاتم الأصم رحمه الله تعالى يقول : من أعطى درهما من مئة درهم ولم يكن هذا الدرهم أعظم وأحبَّ إليه من بقية المئة المدَّخرة ؛ ردت
صدقته إليه وضرب بها على وجهه
وقد كانت عائشة رضي الله عنها تقول : لا تحقروا من الصدقة شيئا فإن الحبَّة منها توزن يوم القيامة بجبال الآجُرِّ ،
وقد أعطيت رضي الله عنها حبة عنب لفقير فردَّها وكان استقلها في عينه ، فقالت له : أما تقرأ قوله تعالى :
(( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره )) فكم في هذه العنبة من مثقال
ذره ؟! قال : فاستغفر الرجل
فاعلم ذلك يا أخي ، وفتش نفسك في ترك تصدُّقها بما فضل عن حاجتها ، ولا تعدَّ نفسك من القوم إلا إن تبعتهم في أخلاقهم
وكان آخر من أدركته من أصحاب هذا المقام سيدي الشيخ محمد الشناوي ، والشيخ محمد المنير ، والشيخ عبد الحليم بن مصلح ،
والشيخ محمد بن داود ، والشيخ محمد العدل ،
وغيرهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين ،
وكل هؤلاء كان ألف دينار عندهم
كفلس ، فافهم ذلك ،
والحمد لله رب العالمين
منقول من كتاب
تنبيه المغترين
للشعراني