:D
من منطلق قوله صلى الله عليه وسلم : "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، وفي ضوء قوله صلى الله عليه وسلم : "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" تتجه العقول، وتهفو القلوب والنفوس، لمعرفة مسالك هذه التوبة ومتطلباتها، ولإداك سبلها ووسائلها.
وكلما كانت مخاطر الانزلاق والانحراف كبيرة وكثيرة، وجب أن يكون اندفاع المؤمن قوياً في اتجاه البحث والتنقيب عن أسباب الوقاية والتحصن، وعوامل التطهر والتنظف، لضمان تزكية النفس وتصفيتها، ورجاء تخلصها من أوزارها وذنوبها.
ضرورة ووجوب التصفية: في هذه الحمأة من الفعل وردته، والذنب وتوبته، تتجلى لنا وتتكشف أبعاد اللطف الإلهي، والمدد الرباني، للعبد المؤمن، حيث لا يدعه يتخبط وحيداً، وقد استحب الخير واختار الهدى، وإنما يهيئ له معارج للتزكية والتصفية، تتحات من خلالها أوزاره وذنوبه كما تتحات أوراق الشجر، بل ويبدل الله سيئاته حسنات مصداقاً لقوله تعالى: إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما (70) (الفرقان:70).
أولاً: المصافي العبادية ومنها:1 المصافي اليومية: من خلال الصلوات الخمس، فرائض وسنناً ونوافل، بما من شأنه إزالة آثار ما يمكن أن يقع فيه الإنسان من ذنوب وخطايا في اليوم والليلة، حيث جاءت اللفتة النبوية إليها واضحة جلية في قوله ص: "مثل الصلوات الخمس كمثل نهر عذب بباب أحدكم، يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، فما ترون ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا شيء. قال ص: فإن الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن" (أخرجه مسلم).. وفي إشارة أخرى يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الصلوات كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر" (أخرجه مسلم).
2 المصافي الأسبوعية: فإن لم تكف المصافي اليومية في محو الأوزار والذنوب، ردفتها المصافي الأسبوعية المتمثلة: بيوم الجمعة اغتسالاً وتطهراً وخطبة وصلاة، ومافي هذا اليوم المبارك من خير عميم.. وحسبنا في هذا المقام قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "إن لله عز وجل في كل جمعة ستمائة ألف عتيق من النار" (رواه ابن عدي وابن حبان)، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام" (رواه البيهقي وابن حبان وأبونعيم..)، وكذلك في فضل صيام يومي الإثنين والخميس.
3 المصافي الموسمية: وتأتي هذه المصافي لتكمل ما عجزت عنه غيرها وما تراكم من ذنوب وخطايا، كصيام شهر رمضان بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وستة أيام من شوال وبركات العشر الأوائل من ذي الحجة التي جاء فيها قوله صلى الله عليه وسلم "ما من أيام، العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" وصوم يوم عرفة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يكفر السنة الماضية والباقية".
4 مصفاة العمر: المتمثلة بفريضة الحج وما تذخر به من مناسك وأعمال خير وبر، اختصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (متفق عليه).. وقوله: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (متفق عليه).
ثانياً: المصافي الدعوية والجهادية:ففي المصافي الدعوية قوله صلى الله عليه وسلم : "لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها" وفي رواية "خير من حمر النعم".
وفي المصافي الجهادية جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سأل عما يعدل الجهاد في سبيل الله، حيث قال: "مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد" (رواه الستة إلا أبا داود).
ثالثاً: المصافي الخيرية:كقضاء حاجات الناس، ورفع الظلم عنهم، وتيسير عسرهم، وتفريج كربهم والتخفيف عنهم، والمطالبة بحقوقهم، وكفالة أيتامهم، ورعاية أراملهم، وإيواء مشرديهم، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كرب يوم القيامة" وقوله صلى الله عليه وسلم : "الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم الليل الصائم النهار".
رابعاً: المصافي الابتلائية:وقد تكون مصافي الذنوب وكفارات الخطايا من طريق الابتلاء، وقد ورد في ذلك العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية منها قوله صلى الله عليه وسلم : "إن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" وقوله صلى الله عليه وسلم : "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" وقوله صلى الله عليه وسلم : "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن".
فنسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً للإفادة من هذه المصافي الإيمانية، ويجعلها كفارات لذنوبنا، وأن لا يقبضنا إليه إلا وهو راضٍ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.