
انتهت وزارة التعليم العالي، ممثلة بمجمع اللغة العربية، مؤخراً، من انجاز أعمال ترميم وإعادة تأهيل المكتبة الظاهرية بدمشق، بهدف "الحفاظ على الصرح الحضاري والمعرفي للمكتبة" التي تعد من أقدم مكاتب دمشق.سيريانيوز تابعت أعمال الترميم التي رصد لها نحو 100 مليون ليرة، وغاصت في تاريخ المكتبة، ونشأتها، وموقعها واهم مخطوطاتها التي تربو على الألف عنوان.
100 مليون تكلفة الترميم
خلال جولته لتفقد ما تم انجازه من أعمال الترميم قال وزير التعليم العالي غياث بركات في حديثه لسيريانيوز بان "الترميم شمل كافة أرجاء المكتبة كتبديل البنية التحتية، وإصلاح الأسقف والجدران مع الحفاظ على الطراز الهندسي، والصرح الحضاري والمعرفي للمكتبة التي تعد من أقدم مكاتب دمشق".
وتابع الوزير بركات موضحا أن "أعمال الترميم طالت ضريح الملك الظاهر بيبرس والايوانيين القبلي والشرقي المخصصين للباحثين وقاعة المطالعة الرئيسية و4 مستودعات لتخزين الكتب والدوريات بطاقة استيعابية تبلغ أكثر من 100 ألف عنوان تم تجهيزها بتقنيات للمحافظة عليها لفترات زمنية طويلة إلى جانب المرافق الأخرى المتضمنة مكاتب الإدارة والفهرسة والمخدم الآلي لأتمتة الدوريات".
وفيما يخص تكاليف الترميم ومراحله أشار بركات إلى أن "أعمال الترميم كانت على مرحلتين في المرحلة الأولى بدأت مطلع عام 2007، إذ تم ترميم المكتبة الظاهرية القديمة، بالإضافة إلى ترميم الحزام الصدفي في قبة الملك الظاهر الذي تم بإشراف المديرية العامة لآثار والمتاحف، أما المرحلة الثانية فتشمل التوسع بالمكتبة واستملاك عدد من العقارات المجاورة لها تمهيداً لتشكيل محور ثقافي في المنطقة".
وعن نفقات الترميم قال بركات إن "مشروع ترميم المكتبة الذي بلغ تكلفة المرحلة الأولى منه مئة مليون ليرة أنفقتها الحكومة السورية إلى الآن بناء على اتفاق تعاون مع الحكومة الكازخستانية"، لافتاً إلى أن "وزارة التعليم العالي ستقوم بإيفاد عدد من المختصين في مجال علم المكتبات لصالح مجمع اللغة العربية ويتوقع أن يقبل المرشحين لهذه البعثات من كليات المعلوماتية والمكتبات".
من باب البريد.. إلى المدرسة الظاهرية
تقع المدرسة الظاهرية، في حي العمارة في دمشق القديمة، قبالة المدرسة العدلية الكبرى، بين بابي الفرج والفراديس وكان يطلق عليها سابقاً باب البريد، ويلاصقها حمام الظاهر بيبرس، حيث شيدها السعيد ابن الملك الظاهر بيبرس سنة 678 هجرية الموافق لـ 1276 ميلادية، -منذ 743 سنة- إلى أن نقل جثمان الظاهر وولده السعيد من القلعة إليها، ولذلك فإن أغلب المباني التي شيدها الأيوبيون والمماليك وأمرائهم تضم مقابرهم، فالعدلية تضم قبر الملك العادل، والعزيزية تضم قبر صلاح الدين الأيوبي.(1)
وفي تقرير تناول المكتبة الظاهرية نشرته وكالة الأنباء الكويتية (كونا) في آذار 2010 يقول التقرير "إن العرب لم يعرفوا المدرسة بالمعنى المستقل إلا في العصر الأيوبي، وفي العصر المملوكي ازداد شان المدارس فكثرت في الأمصار –البلاد- وأوقفت لها الأوقاف الجزيلة".
وفيما يتعلق بمدارس ومكاتب دمشق يضيف تقرير الوكالة أنه "وفي دمشق لعبت المدارس دوراً بارزاً في إعادة المكانة الدينية والثقافية التي كانت تحتلها عاصمة الأمويين، فأسهمت – المدارس- في تنوير الناس، بعد عهود الظلام، إلى أن وصل عددها إلى أكثر من 90 مدرسة تعرضت للهدم إما بفعل الطبيعة او حروب التتار والمغول".
وعن الظاهرية بالتحديد يلفت التقرير إلى أن "المكتبة الظاهرية تعد من أهم المدارس وأكثرها وضوحاً، وانطقها تاريخاً، فهي تحكي لنا عراقة الإنسان العربي وأساليب توظيفه لمضامينه الروحية، في إعجاز تحفه معمارية رائعة لا تزال تقوم بوظيفتها إلى يومنا". (2)
ويقول محمد الجلالي في فهرس المجاميع في المكتبة الظاهرية إن "المدرسة الظاهرية فتحت أبوبها يوم الأربعاء من صفر سنة 677 هجرية، وكان يدرس فيها الفقه الحنفي والشافعي، إلى أن بدأت في القرن الثالث عشر مرحلة جديدة من تاريخها عندما حولها العثمانيون إلى مدرسة ابتدائية حملت اسم مدرسة الظاهر بيبرس, عام 1865ميلادية".(3)
من عالم المادة إلى عالم الروح
وفي وصف بناء المكتبة وأقسامها يلفت تقرير وكالة الأنباء الكويتية إلى أنه "حينما تهم بالدخول إلى الظاهرية تتوقف متأملاً المشهد وتضطر للنظر في اتجاهين متعاكسين الأول نحو الظاهرية والأخر نحو العدلية الكبرى، وعندما تقف أمام البنائين يذهلك الانسجام بينهما كأنما أراد المصمم أن يؤلف وحدة معمارية يكمل فيها جمال الأولى وروعة الثانية.
ويتابع التقرير مستدركاً أن "واجهة المدرسة الظاهرية أجمل من العدلية بل تعتبر أجمل ما بنى المماليك، إذ بني المدخل من الحجارة البيضاء والوردية اللون، وتعلو الباب ثلاثة صفوف عريضة ورد فيها وقفها وأسماء بناتها، وبعد أن تجتاز المدخل يأتي رواق _ممر محدد بجدار وصف من الأعمدة يحيط بالفناء الداخلي في القصور الدمشقية القديمة_ ذي أقواس محمولة على عمودين حجريين كبيرين، وهذا الرواق مستوحى من بناء المسجد الذي يسبق دخوله محطة تمهيدية ينقل فيها المرء من عالم المادة إلى عالم الروح.
مخطوطات المكتبة وكتبها
جدير ذكره إن المكتبه الظاهرية تحتوي لمخطوطات ذات قيمة أثرية إضافية لقيمتها العلمية التي تستند إليها مثل كتاب (القانون في الطب) لابن سينا، و(الكليات) لأبي البقاء الكوفي طبع 1300 م، ولسان العرب لأبن منظور طبع في العام ذاته، نقلت تلك المخطوطات جميعها وغيرها إلى مكتبة الأسد الوطنية الأخت التوأم للظاهرية، والتي تشاطرها المهمة الثقافية السامية سنة 1980 م .(4).
يشار إلى أن المرحلة الأولى للترميم انتهت بانتظار البدء بالمرحلة الثانية حيث من المقرر استملاك عدد من البيوت المجاورة للتوسع من خلالها لتشكيل محور ثقافي بالمنطقة.
إعداد وجمع: براء البوشي – سيريانيوزمراجع:
(1) وكالة الأنباء الكويتية، كونا، مصدر إلكتروني، 16-3-2010.
(2) المصدر السابق نفسه.
(3) فهرس المجاميع في المكتبة الظاهرية، محمد الجلالي، 2001، ص1-5.
(4) مجلة المجمع العلمي العربي، محمد كرد علي، دمشق ص19.