الثقافة تقود الحياة وتدعم السلام

ألقى الأديب ووزير الثقافة السوداني الأستاذ السموأل خلف الله، مساء أمس بنادي الجسرة الثقافي والاجتماعي لمحة عن «دور الثقافة في دعم الوحدة والسلام».

في بداية محاضرته التي أدارها الدكتور فراج الشيخ الفزاري (أحد مؤسسي الصالون الثقافي بالجسرة)، أصّل الوزير السوداني لمفهوم الثقافة، مبرزا أن البشرية لا تنتبه إلى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، ليؤكد أمرا راسخا وهو أن البشرية جمعاء هي من نفس واحدة.
وقال الأستاذ السموأل إن الله عز وجل عندما أرسل الرسل وأنزل معهم الكتاب، فإن الكتب السماوية كانت كلها كتبا فكرية ثقافية حقيقة، وضرب مثالا بالقرآن الكريم: «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ»، «الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ»، «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ»، موضحا أن القضية في أصلها فكرة وثقافة، وهو الأمر الذي عليه شأن الدنيا كلها، مقررا أن الوحدة هي الأصل والتفرقة نشاز.
وذكر وزير الثقافة السوداني أن للثقافة مئات التعاريف، حتى «حسب البعض أنها سحابة يركبها أناس حالمون يلوحون بأرجلهم في الهواء وهم لا يمطرون»، لكن الثقافة التي يتفق السموأل مع مفهومها، هو الإدراك بشتى مجالات الحياة، والحذق والتهذيب والتمكين، مستشهدا بقول الله عز وجل في كتابه الكريم: «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ» مشددا على أن هذا التمكين أصله هو الثقافة، ومشيراً في الآن ذاته، أن وزارة الثقافة السودانية ترفع شعار: «الثقافة تقود الحياة».
وقال بهذا الصدد إن المسلم إذا أشهر في وجه أخيه المسلم السلاح فإن هذا الأمر هو مشكلة ثقافية.
وشدد الوزير المحاضر أن السودان هو الشعب الوحيد الذي ليس له مشكل في الهوية، وهو يعيش تنوعا في الوحدة رغم وجود خليط من الثقافة العربية الإسلامية والإفريقية.
وأثناء حديثه عن مكونات الثقافة السودانية، ذكر المتحدث أن أولها هو الدين الذي نفى جميع الحزازات والنعرات، محيلا على حديث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: «ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى.»، وقدم لذلك بما عرفه التاريخ الإسلامي من السيرة النبوية، إذ إن الدين هو الذي صهر الأعراق والأجناس والألوان في بوتقة واحدة. فهذا صهيب بن سنان من الروم، وبلال بن رباح من الحبشة، وسلمان من فارس، وأبو ذر من غِفار.
ومن مكونات الوحدة والثقافة السودانية ذكر الأستاذ السموأل مكون اللغة (العربية) التي تجمع الناس رغم وجود أكثر من 500 لغة ولهجة في البلد، بالإضافة إلى التقاليد المشتركة والتي كادت أن تصبح متشابهة مثل التقاليد في الملبس والزواج.
والمكون الرابع حسب المتحدث هو عامل «المصاهرة» التي صهرت السودانيين وقربت بينهم، وألغت الفواصل الإقليمية واللغوية والدينية.
إلى ذلك، عرج وزير الثقافة على حركات التحرر السودانية بدءا من القرن التاسع عشر، والتي كانت أهدافها مشتركة، وتنطلق من مكون الدين، فرغم أن بعضها كانت صوفية المسلك، إلا أنها كانت جهادية المنهج، بعيدا عما عرفت به الصوفية فكريا من ابتعادها عن الشأن العام.ومن مكونات الثقافة السودانية الأخرى ذكر ضيف نادي الجسرة «الآداب والفنون» بكل ألوانها من أدب وشعر ومسرح وأغنية وغير ذلك.
وكان الأستاذ السموأل خلف الله، قد تقدم بالشكر لنادي الجسرة العريق على دعوته الكريمة، وإتاحة الفرصة ليلتقي بجمهور الدوحة. وقال إني في امتحان صعب أمام إخوة عرفوا الثقافة السودانية.وشكر الوزير السوداني البروفسور الشوش على كلمته المقتضبة، مبرزا أنه بدأ من النقطة الصحيحة.
وكان البروفسور محمد إبراهيم الشوش، قد وطّأ للمحاضرة باقتضاب، متحدثا عن مميزات الثقافة السودانية وأهمها الثراء والتنوع، فضلا عن اتسامها بالعزلة الفكرية والأدبية قبل الحرب العالمية الأولى، ما جعلها تختلف عن باقي الثقافات الأخرى في الوطن العربي، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى الاعتقاد في الكرامات والروحانيات وفي شخصيات معينة لها القدرة على مجابهة التحديات التي تعترض سبيلهم، موضحا أن طبيعة السودان الدينية هي أقرب إلى التصوف، وأن الطرق الصوفية تختلف عن التصوف بالمعنى الفكري الروحاني المعروف، والاهتمام بها أثر على فكر الناس وعليهم.وقال إن هذا الشعور الديني أوجد في السودانيين نوعا من النقاء، وجعلهم متميزين ولهم مشاعر عميقة.