أبوعلاء مشرف
تاريخ التسجيل : 23/04/2010 مكان الإقامة : سوريا التحصيل التعليمي : معهد متوسط العمل : موظف العمر : 47 عدد المساهمات : 5117 المزاج : الحمد لله على كل حال
| موضوع: وقفة لمحاسبة النفس 03.12.10 8:08 | |
| وقفة لمحاسبة النفس
قالت عائشة -رضي الله عنها- : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾[1]. فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ فقال : «لا يا ابنة الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ، ويتصدقون ، ويخافون ألا يتقبل منهم ، أولئك يسارعون في الخيرات»[2] . لقد كان سلفنا الصالح ، يتقربون إلى الله بالطاعات، ويسارعون إليه بأنواع القربات، ويحاسبون أنفسهم على الزلات، ثم يخافون ألا يتقبل الله أعمالهم. فهذا الصديق رضي الله عنه : كان يبكي كثيراً، ويقول: «ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا» وقال: «والله ، لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد». وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قرأ سورة الطور حتى بلغ قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾[3] . فبكى واشتد في بكائه حتى مرض وعادوه. وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه ، فيبقى في البيت أياماً يعاد ، يحسبونه مريضاً ، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء!! وقال له ابن عباس -رضي الله عنهما- : نصر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح وفعل ، فقال عمر: وددت أني أنجو ، لا أجْر ولا وزر!! وهذا عثمان بن عفان ـ ذو النورين رضي الله عنه : كان إذا وقف على القبر بكى حتى تبلل لحيته، وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير!! وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كان كثير البكاء والخوف، والمحاسبة لنفسه . وكان يشتد خوفه من اثنتين: طول الأمل واتباع الهوى. قال: فأما طول الأمل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق. وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيها أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى الصراط داع يدعو يقول : يا أيها الناس ، اسلكوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا، وداع يدعو على الصراط، فإذا أراد أحكم فتح شيء من تلك الأبواب قال : ويلك! لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه. فالصراط: الإسلام. والستور: حدود الله. والأبواب المفتحة: محارم الله. والداعي من فوق: واعظ الله يذكر في قلب كل مسلم»[4] . فهلا استجبنا لواعظ الله في قلوبنا ؟ وهلا حفظنا حدود الله ومحارمه؟ وهلا انتصرنا على عدو الله وعدونا، قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[5].
1- كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله: «حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة ، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة». 2- وقال الحسن: «لا تلقي المؤمن إلا بحساب نفسه: ماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه» . 3- وقال أيضا: «إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه ، وكانت المحاسبة همته». 4- وقال الحسن: «المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إن المؤمن يفجؤه الشيء ويعجبه فيقول: والله إني لأشتهيك، وإنك لمن حاجتي، ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات، حيل بيني وبينك. ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: ما أردت إلى هذا؟ ما لي ولهذا؟ والله لا أعود إلى هذا أبداً». 5- وقال ميمون بن مهران : «لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان ، إن لم تحاسبه ذهب بمالك». 6- وذكر الإمام أحمد عن وهب قال : «مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجعل، فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات وإجماماً للقلوب». 7- وكان الأحنف بن قيس ويجيء إلى المصباح، فيضع إصبعه فيه ثم يقول : «حس يا حنيف، ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن، وحال بينهم وبين هلكتهم». 8- إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره، وفي لسانه وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كله.
ومحاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل ونوع بعده. النوع الأول: محاسبة النفس قبل العمل ، فهو أن يقف العبد عند أول همه وإرادته ، فلا يعمل حتى يتبين له رجحان العمل على تركه. قال الحسن رحمه الله: «رحم الله عبداً وقف عند همه ، فإن كان لله مضى ، وإن كان لغيره تأخر». النوع الثاني : محاسبة النفس بعد العمل. وهو ثلاثة أنواع: أحدها : محاسبة النفس على طاعة قصرت فيها في حق الله تعالى . الثاني : أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيراً من فعله. الثالث : أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد لم فعله؟ وهل فعله الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحاً، أو أراد به الدنيا وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به. وهناك أساب تعين على محاسبة النفس وتسهل ذلك ، منها : 1- معرفته أنه كلما اجتهد في محاسبة نفسه اليوم استراح من ذلك غداً. 2- معرفته أنّ ربح محاسبة النفس ومراقبتها هو سكنى الفردوس . 3- النظر فيما يؤول إليه ترك محاسبة النفس من الهلاك والدمار. 4- صحبة الأخيار الذين يحاسبون أنفسهم ، ويطلعونه على عيوب نفسه . 5- النظر في أخبار أهل المحاسبة والمراقبة من سلفنا الصالح. 6- حضور مجالس العلم والوعظ والتذكير ؛ فإنها تدعو إلى محاسبة النفس. 7- البعد عن أماكن اللهو والغفلة. 8- سوء الظن بالنفس ، فإن حسن الظن بالنفس ينسي محاسبة النفس. هذا وقد ذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله- أن محاسبة النفس تكون: أولاً: البدء بالفرائض ، فإذا رأى فيها نقصاً تداركه. ثانياً : المناهي، فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية. ثالثاً : محاسبة النفس على الغفلة ، ويتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله. رابعاً: محاسبة النفس على حركات الجوارح ، وكلام اللسان ، ومشي الرجلين ، وبطش اليدين ، ونظر العينين ، وسماع الأذنين ، ماذا أردت بهذا؟ ولمن فعلته؟ وعلى أي وجه فعلته.
ولمحاسبة النفس فوائد جمة ، منها: 1- الاطلاع على عيوب النفس . 2- التوبة والندم ، وتدارك ما فات في زمن الإمكان. 3- معرفة حق الله تعالى ؛ فإن أصل محاسبة النفس هو محاسبتها على تفريطها في حق الله تعالى. 4- انكسار العبد وزلته بين يدي ربه تبارك وتعالى. 5- معرفة كرم الله -سبحانه وتعالى- وعفوه ورحمته بعباده ؛ كونه لم يعجل عقوبتهم على ذنوبهم. 6- مقت النفس ، والتخلص من العجب. 7- الاجتهاد في الطاعة وترك العصيان ؛ لتسهل عليه المحاسبة فيما بعد. 8- رد الحقوق إلى أهلها، وسلّ السخائم، وحسن الخلق، وهذه من أعظم ثمرات محاسبة النفس.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستخلص العبر مما مضى من السنين ، وأن يجعلنا أكثر محاسبة لأنفسنا فيما يستقبلنا من العمر ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل . --------------------------- 1-المؤمنون : 57-61 . 2-الترمذي وابن ماجه وأحمد . 3-الطور : 7 . 4-الطور : 7 . 5-أحمد والحاكم وصححه . | |
|
ابن البلد عضو مميز
تاريخ التسجيل : 18/11/2010 مكان الإقامة : سوريا التحصيل التعليمي : جامعي العمل : طالب العمر : 39 عدد المساهمات : 644 المزاج : الحمد لله
| |
الفاروق مشرف
تاريخ التسجيل : 05/05/2009 مكان الإقامة : سوريا التحصيل التعليمي : كلية الشريعة العمل : مدرس العمر : 47 عدد المساهمات : 4805 المزاج : أسأل الله العفو والعافية
| |
صالح العلي المشرف العام
تاريخ التسجيل : 12/03/2009 مكان الإقامة : سوريا التحصيل التعليمي : جامعي العمل : التعليم العمر : 66 عدد المساهمات : 5661 المزاج : اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
| موضوع: رد: وقفة لمحاسبة النفس 21.05.12 23:22 | |
| أشكرك أخي على حسن اسهاماتك في المنتدى
طهر ( الله ) قلبك ..
وأزاح ( الله ) همك ..
وغفر ( الله ) ذنبك ..
وبارك ( الله ) عملك .. | |
|
أبوعلاء مشرف
تاريخ التسجيل : 23/04/2010 مكان الإقامة : سوريا التحصيل التعليمي : معهد متوسط العمل : موظف العمر : 47 عدد المساهمات : 5117 المزاج : الحمد لله على كل حال
| |