عمر بن عبد العزيز:
ترجمته:
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان ولد سنة 62 هجرية وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. ولي الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك باستخلافه إياه.
لما مات سليمان خرج رجاء بعهده الذي لم يكن فتح وجمع بني أمية في مسجد دابق وطلب منهم المبايعة مرة ثانية لمن سماه سليمان في كتابه فلما تمت بيعتهم أخبرهم بوفاة أمير المؤمنين وقرأ عليهم الكتاب ولما انتهى أخذ بضبعي عمر فأجلسه على المنبر وهو يسترجع لما وقع فيه وهشام بن عبد الملك يسترجع لما أخطأه.
ولما تمت البيعة بمراكب الخلافة البراذين والخيل والبغال ولكل دابة سائس فقال ما هذا قالوا مركب الخلافة قال دابتي أوفق لي وركب دابته فصرفت تلك الدواب ثم أقبل سائراً فقيل له منزل الخلافة فقال فيه عيال أبي أيوب وفي فسطاطي كفاية حتى يتحولوا فأقام في منزله حتى فرغوه بعد.
كان عمر بن عبد العزيز بعيداً عن كبرياء الملوك وجبروتهم فأعاد إلى الناس سيرة الخلفاء الراشدين الذين كانوا ينظرون إلى أمتهم نظر الأب البار ويعدلون بينهم في الحقوق ويعفون عن أموال الرعية والدنيا عندهم أهون من أن يهتم بجمعها كذلك كان عمر بن عبد العزيز.
في أول خلافته أرسل كتاباً عاماً إلى جميع العمال بالأمصار هذه نسخته أما بعد فإن سليمان بن عبد الملك كان عبداً من عبيد اللَّه أنعم اللَّه عليه ثم قبضه واستخلفني ويزيد بن عبد الملك من بعدي إن كان، وإن الذي ولاني اللَّه من ذلك وقدر لي ليس على بهين ولو كانت رغبتي في اتخاذ أزواج واعتقال أموال كان في الذي أعطاني من ذلك ما قد بلغ بي أفضل ما بلغ بأحد من خلقه وأنا أخاف فيما ابتليت به حساباً شديداً ومسألة غليظة إلا ما عافى اللَّه ورحم وقد بايع من قبلنا فبايع من قبلك. وهذا الكتاب ينبىء عن حقيقة الرجل وتواضعه وبعده عن الزهو والكبرياء وشعوره بعظيم ما ألقي عليه من أمر المسلمين.
مما يدل على حبه للعدل والوفاء أن أهل سمرقند قالوا لعاملهم سليمان بن أبي السرح إن قتيبة غدر بنا وظلمنا وأخذ بلادنا وقد أظهر اللَّه العدل والإنصاف فأذن لنا فليفد منا وفد إلى أمير المؤمنين يشكون ظلامتنا فإن كان لنا حق أعطيناه فإن بنا إلى ذلك حاجة فأذن لهم فوجهوا منهم قوماً إلى عمر فلما علم عمر ظلامتهم كتب إلى سليمان يقول له إن أهل سمرقند قد شكوا ظلماً أصابهم وتحاملاً من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي فلينظر في أمرهم فإن قضى لهم فأخرجهم إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل أن ظهر عليهم قتيبة فأجلس لهم سليمان جميع بن حاضر.
ومن أعماله العظيمة تركه لسب علي بن أبي طالب على المنابر وكان بنو أمية يفعلونه فتركه وكتب إلى الأمصار بتركه. وكان الذي وقر ذلك في قلبه أنه لما ولي المدينة كان من خاصته عبيد اللَّه بن عتبة بن مسعود من فقهاء المدينة فبلغه عن عمر شيء مما يقول بنو أمية فقال عبيد اللَّه متى علمت أن اللَّه غضب على أهل بدر وبيعة الرضوان بعد أن رضيعنهمفقال لم أسمع ذلك قال فما الذي بلغني عنك في علي فقال عمر معذرة إلى اللَّه وإليك وترك ما كان عليه فلما استخلف وضع مكان ذلك {إن اللَّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} [النحل: 9] فأي شر رفع وأي خير وضع قال في ذلك كثير عزة:
بريا ولم تتبع مقالة مجرم
تبين آيات الهدى بالتكلم
فعلت فأضحى راضياً كل مسلم
من الأود البادي ثقات المقوم
وليت فلم تشتم عليا ولم تخف
تكلمت بالحق المبين وإنما
وصدقت معروف الذي قلت بالذي
ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه
ومن إصلاحه أمره بعمل الخانات في البلدان القاصية فقد كتب إلى سليمان بن أبي السرح أن اعمل خانات فمن مر بك من المسلمين فأقروه يوماً وليلة وتعهدوا دوابهم ومن كانت به علة فأقروه يومين وليلتين وإن كان منقطعاً فأبلغه بلده.
ومما يذكر له أن أبطل مغارم كثيرة كانت قد استحدثت في عهد الحجاج بن يوسف فقد كتب إلى أمير العراق أما بعد فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام اللَّه وسنة خبيثة سنها عليهم عمال السوء وإن قوام الدين العدل والإحسان فلا يكون شيء أهم إليك من نفسك فلا تحملها إلا قليلاً من الإثم ولا تحمل خراباً على عامر وخذ منه ما طاق وأصلحه حتى يعمر ولا يؤخذن من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض ولا تأخذ أجور البيوت ولا درهم النكاح ولا خراج على من أسلم من أهل الذمة فاتبع في ذلك أمري فإني قد وليتك من ذلك ما ولاني اللَّه.
ومما فعله أنه نهى عن تنفيذ حكم أو قطع إلا بعد أن يراجع فيه بعد أن كانت الدماء قبله تراق من غير حساب بل على حسب هوى الأمير.
ومن الحكمة أن لا يتساهل في مثل هذه الحدود وضم رأي الخليفة إلى رأي القاضي الذي حكم ضمان كبير لأن يكون الحكم قد وقع موقعه.
رده المظالم لأهلها لما ولى الخلافة أحضر قريشاً ووجوه الناس فقال لهم إن فدك كانت بيد رسول اللَّه r فكان يضعها حيث أراد اللَّه ثم وليها أبو بكر وعمر كذلك ثم أقطعها مروان ثم إنها قد صارت إلي ولم تكن من مالي أعود منها علي وإني أشهدكم قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول اللَّه r وقال لمولاه مزاحم أن أهلي أقطعوني ما لم يكن لي أن آخذ ولا لهم أن يعطونيه وإني قد هممت برده على أربابه.
كان عمر غير مترف فكان مصرفه كل يوم درهمين وكان يتقشف في ملبسه كجده عمر بن الخطاب ولم يتزوج كعمر غير فاطمة بنت عبد الملك بن مروان وكان أولاده يعينونه على الخير وكان أشدهم معونة له ابنه عبد الملك.
وعلى الجملة فإن عمر بن عبد العزيز من أفراد الخلفاء الذين لا يسمح بهم القدر كثيراً ويرى المسلمون أن عمر هو الذي بعث على رأس المائة الثانية ليجدد للأمة أمر دينها كما جاء في حديث »إن اللَّه يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها «.
لم يحدث في عهد عمر شيء من الحوادث الداخلية المهمة إلا ما كان من القبض على يزيد بن المهلب واحضاره إلى عمر فسأله عن الأموال التي كتب بها إلى سليمان بن عبد الملك فقال كنت من سليمان بالمكان الذي قد رأيت وإنما كتبت إلى سليمان لأسمع الناس وقد علمت أن سليمان لم يكن ليأخذني به فقال لا أحد في أمرك إلا حبسك فاتق اللَّه وأد ما قبلك فإنها حقوق المسلمين ولا يسعني تركها وحبس بحصن حلب.
ومن الحوادث الخارجية في عهده أنه كتب إلى ملوك السند يدعوهم إلى الإسلام وقد كانت سيرته بلغتهم فأسلم ملوك السند وتسموا بأسماء العرب.
واستقدم مسلمة بن عبد الملك من حصار القسطنيطينية وأمر أهل طرندة بالقفول عنها إلى ملطية وطرندة داخلة في البلاد الرومية من ملطية ثلاث مراحل وكان عبد اللَّه بن عبد اللَّه قد أسكنها المسلمين بعد أن غزاها سنة 83 وملطية يومئذ خراب وكان يأتيهم جند من الجزيرة يقيمون عندهم إلى أن ينزل الثلج ويعودون إلى بلادهم فلم يزالوا إلى أن ولي عمر فأمرهم بالعودة إلى ملطية وأخلى طرندة خوفاً على المسلمين من العدو وأخرب طرندة