:)
12- الإمام أبو نصر السراج رحمه الله تعالى:
قال أبو نصر السراج: السماع على ثلاث طبقات فقوم يرجعون فيما يسمعون إلى مخاطبات أحوالهم ومقامهم وأوقاتهم فهم مرتبطون بالعلم ومطالبون بالصدق فيما يشيرون به لله من ذلك وقوم هم الفقراء المجردون الذين قطعوا العلائق ولم تتلوث قلوبهم بمحبة الدنيا والجمع والمنع فهم يسمعون لطيبة قلوبهم ويليق بهم السماع فهم اقرب الناس إلى السلامة. وأسلمهم من الفتنة وكل قلب ملوث بحب الدنيا فسماعه سماع طبع وتكلف.
13- الإمام ابن البطال رحمه الله تعالى:
قال ابن بطال: ما كان في الشعر والرجز ذكرا لله تعالى وتعظيما له ووحدانيته وإيثار طاعته والاستسلام له فهو حسن مرغب فيه وهو المراد من الحديث (إن من الشعر لحكمة) وما كان كذبا وفحشا فهو مذموم... إلى ان قال: ومحصله: أن الحداء بالرجز والشعر لم يزل يفعل في الحضرة النبوية وليس هو إلا أشعارا توزن بأصوات طيبة وألحان موزونة([59]).
14- الإمام النحلاوي رحمه الله تعالى :
قال الفقيه خليل النحلاوي الدمشقي في كتابه (الحظر والإباحة) : الباب السبعون: الغناء وهو السماع قال في الفتاوى الخيرية (2/167) بعد نقل أقوال العلماء واختلافهم في مسألة السماع : (وأما سماع السادة الصوفية رضي الله عنهم فبمعزل عن هذا الخلاف بل ومرتفع عن درجة الإباحة إلى رتبة المستحب كما صرح به غير واحد من المحققين )([60]).
ولما كانت الغاية من الإنشاد الإرشاد والمواعظ والفوائد حيث إن من طبيعة سماعه إثارة كوامن النفوس وتهييج مكنونات القلوب بما فيها من الأنس بالحضرة القدسية والشوق إلى الأنوار المحمدية مما اتصف به ساداتنا الصوفية الذين لم يحتجبوا بالأصوات لهوا ولا يجتمعون عبثا وهم في واد والناس في واد آخر والسر أنهم سمعوا ما لم يسمع الناس وعرفوا ما لم يعرف الناس فسماعهم يثير أحوالهم الحسنة ويظهر وجدهم ويبعث ساكن السوق ويحرك القلب ولما كانت قلوبهم بربهم متعلقة وعليه عاكفة وفي حضرة قربه قائمة فالسماع يسقي أرواحهم ويسرع في سيرهم إلى الله تعالى خلافا لسماع الفسقة اللئام يجتمعون على اللهو وآلات الطرب فيبعث ما في قلوبهم من الفحش والفسق وينسيهم واجباتهم تجاه الله تعالى وعلى ذلك لايمكن قياس الأبرار بالفجار ولا الصالحين على الطالحين وفي معرض الحديث عن فوائد الاستماع لدى ساداتنا الصوفية يطيب للنفس ذكر بعض الشواهد المروية عنهم فمنها:
قال مسلم السواري: ونزلوا على الساحل ذات ليلة فهيأت لهم طعاما ودعوتهم إليه فجاؤوا الي ولما وضعت الطعام بين أيديهم قال قائل:
وتلهيك عن دار الخلود مطاعم
ولذة نفس غيها غير نافع
فصاح عتبة الغلام صيحة وخر مغشيا عليه وبكى القوم فرفعت الطعام من بين أيديهم وما ذاقوا والله لقمة منه([61]).
ولما ورد ذو النون المصري بغداد جاءه قوم من الصوفية بقوالهم وطلبوا منه أن يأذن له بأن يقول فأذن له فأنشد:
صغير هواك عذبني
فكيف به إذا احتنكا
وأنت جمعت في قلبي
هوى قد كان مشتركا
أما ترثي لمكتئب
إذا ضحك الخلي بكى
فقام ذو النون وسقط على وجهه([62]).
وروي أن أبا الحسين النوري كان مع جماعة في دعوة فجرى بينهم مسألة في العلم وأبو الحسين ساكت ثم رفع رأسه وأنشدهم:
رب ورقاء هتوف في الضحى
ذات شجو صدحت في فنن
ذكرت إلفا ودهرا صالحا
وبكت حزنا فهاجت حزني
فبكائي ربما أرقها
وبكاها ربما أرقني
ولقد أشكو فما أفهمها
ولقد تشكو فما تفهمني
غير أني بالجوا أعرفها
وهي أيضا بالجوى تعرفني
قال فما بقي أحد من القوم إلا قام وتواجد ولم يحصل لهم هذا الوجد من العلم الذي خاضوا فيه وإن كان العلم جدا وحقا([63]).
وقال أبو القاسم الجنيد قدس الله سره : (السماع لا يحدث في القلوب شيئا وإنما هو مهيج ما فيها فتراهم يهيجون من وجدهم وينطقون من حيث قصدهم ويتواجدون من حيث كامنات سرائرهم لا من حيث قول الشاعر ولا يلتفتون إلى الألفاظ لأن الفهم سبق إلى ما يتخيله الذهن وشاهد ذلك كما حكي: أن أبا حكمان الصوفي سمع رجلا يطوف وينادي (يا سعتربري)) فسقط وغشي عليه فملا أفاق قيل له في ذلك فقال سمعته وهو يقول ( اسمع تر بري ) ألا ترى أن حركة وجده من حيث هو فيه لا من قول القائل ولا قصده.
وكما روي عن بعض الشيوخ أنه سمع قائلا يقول: (الخيار عشرة بحبة) فغلبه الوجد فسئل عن ذلك فقال (إذا كان الخيار عشرة بحبة فما قيمة الأشرار؟).
فالمحترق بحب الله تعالى لا تمنعه الألفاظ الكثيفة عن فهم المعاني اللطيفة حيث لم يكن واقفا مع نغمة ولا مشاهدة صورة فمن ظن أن السماع يرجع إلى رقة المعنى وطيب النغمة فهو بعيد من السماع.
وقالوا: وأما الحال الذي يلحق المتواجد فمن ضعف حاله عن تحمل الوارد وذلك لازدحام أنوار اللطائف في دخول باب القلب فيلحقه دهش فيعبث بجوارحه ويستريح إلى الصعقة والصرخة والشهقة وأكثر ما يكون ذلك لأهل البدايات وأما أهل النهيات فالغالب عليهم السكون والثبوت لانشراح صدورهم واتساع سرائرهم للوارد عليهم فهم في سكونهم متحركون في ثبوتهم متقلقلون كما قيل لأبي القاسم الجنيد رضي الله عنه (ما لنا نراك لا تتحرك عند السماع؟.) فقال ﴿وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب﴾ ([64]).([65])