الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين:
هذه عبارات للعلماء الكبار تفيدنا في الحكم التالي: هل نستطيع العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال والتي لا يُحرمها نص من كتاب أو سنة أو إجماع. الجواب: لقد أجمع أهل العلم المعتبرين على أن الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال المذكورة.
قال الشيخ أحمد رضا خان رحمه الله: العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ليس جائزا فحسب بل مستحب والحديث الضعيف كاف لثبوت الاستحباب
قال الإمام شيخ الإسلام أبو زكريا النووي - نفعنا الله تعالى ببركاته - في كتاب " الأذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار صلى الله تعالى عليه وسلم " ( أول الكتاب, ثالث فصول المقدمة ) : ( قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً ) الأذكار( ص 36) . هذه الألفاظ بعينها نطق بها الإمام ابن الهمام في " العقد النضيد في تحقيق كلمة التوحيد " , ثم العارف بالله السيد عبد الغني النابلسي في " الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية " ( أواخر الفصل الثاني من الباب ألأول ) الحديقة الندية ( 1\ 181) .
وقال الإمام فقيه النفس المحقق على الإطلاق في " فتح القدير " ( قبيل فصل في حمل الجنازة ) : ( الاستحباب يثبت بالضعيف غير الموضوع ) فتح القدير (2/ 95) .
وقال العلامة إبراهيم الحلبي في " غنية المستملي في شرح منية المصلي" ( في سنن الغسل ) : ( يستحب أن يمسح بدنه بمنديل بعد الغسل لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : " كان للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم خرقة يتنشف بها بعد الوضوء " , رواه الترمذي وهو ضعيف 0 ولكن يجوز العمل بالضعيف
في الفضائل )
وقال مولانا علي القاري في " الموضوعات الكبير " بعدما ضعّف حديثاً ورد في مسح الرقبة, ما يلي : ( الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقا, ولذا قال أئمتنا : إن مسح الرقبة مستحب أو سنة ) الأسرار المرفوعة ( ص 305) ..
قال الإمام الجليل الجلال السيوطي في " طلوع الثريا بإظهار ما كان خفيا " ( نقله بعض العصريين, وهو فيما نرى ثقة في النقل ) : ( استحبه (أي تلقين الميت ) ابن الصلاح 0وتبعه النووي؛ نظرا إلى أن الحديث الضعيف يُتسامحُ به في فضائل الأعمال ) .
قال العلامة المحقق جلال الدوانيُّ رحمه الله تعالى في " أنموذج العلوم " ( نقله العلامة شهاب الخفاجي في " نسيم الرياض شرح شفاء القاضي عياض " في شرح الديباجة , حيث روى المصنف رحمه الله تعالى بسنده إلى أبي داود حديث " من سئل عن علم فكتمه " الحديث, وللمحقق ههنا كلام طويل نقله الشارح ملخصا, ونازعه بما هو منازع فيه, والوجه مع المحقق في عامة ما ذكروا لولا خشية الإطالة؛ لأتينا بكلامهما مع ما له وعليه, ولكن سنشير إن شاء الله تعالى إلى أحرف يسيرة يظهر بها الصواب بعون الملك الوهاب ) : ( الذي يصلح للتعويل عليه أن يقال: إذا وجد حديث في فضيلة عمل من الأعمال لا يحتمل الحرمة والكراهية؛ يجوز العمل به ويستحب؛ لأنه مأمون الخطر ومرجو النفع ) نسيم الرياض ( 1/ 76)
وقال الإمام أحمد رضا موضحا لكلام الدواني : ( الأمان من الخطر وذلك لأنه لا محل للحرمة ولا الكراهية وكونه مرجو النفع لأن الحديث مروي في الفضيلة ولو ضعيفا ).
أقول(القائل الشيخ أحمد رضا خان) وبالله التوفيق : معنى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أن يقال بالاستحباب وإلا؛ فالجواز نفسه ثابت بالإباحة الأصلية وانعدام النهي الشرعي فماذا أثَّر فيه الحديث الضعيف ) فلا جرم أن يقال بترجُّح جانب الفعل؛ لورود الحديث ليتحقق الإسناد إلى الحديث, ويثبت العمل به, وهذا هو معنى الاستحباب, ألم تر أن العلامة الحلبي والعلامة القاري جعلا ذلك دليلا لجواز العمل به, ومثبتا للاستحباب ؟! والإمام محمد ابن محمد ابن محمد ابن أمير الحاج وضع التمسك به في محل الإباحة (أي : الاستحباب ) بدرجة الترقي والأولوية؛ يعني أنه إذا جرى العمل به؛ تحقق الإباحة بالأولى؛ لأن معنى العمل بذلك شيء أزيد وأعلى من الإباحة نفسها, وليس ذلك إلا الاستحباب, وهذا ظاهر ليس دونه حجاب.
قال في "الحلبة شرح المنية" ( سنن الغسل مسألة المنديل ) : ( الجمهور على العمل بالحديث الضعيف الذي ليس بموضوع في فضائل الأعمال, فهو في إبقاء الإباحة التي لم يتم دليل على انتفائها كما فيما نحن فيه أجدر).
قال الإمام أبو طالب المكي في "قوت القلوب" ( في الفصل الحادي والثلاثين ) : ( الحديث إذا لم ينافه كتاب أو سنة وإن لم يشهدا له : إن لم يخرج تأويله عن إجماع الأمة؛ فإنه يوجبُ القبول والعمل لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم كيف وقد قيل ) قوت القلوب (1\177) ؛ يعني : أنه إذا أخبر عنه صلى الله تعالى عليه وسلم راوٍ لم يظهر كذبه بأمرٍ لم يخالف الكتاب ولا السنة ولا إجماع الأمة؛ فما الموجب لعدم القبول ؟ .
أقول ( توضيح جميل من الشيخ أحمد رضا رضي الله تعالى عنه لقول سيدي أبي طالب : ( يوجب العمل) يشتمل على فوائد قيمة) : أما قوله قدس سره : ( يوجب ) فكأنه يريد التأكيد؛ كما تقول لبعض أصحابك: حقك واجبٌ عليَّ, فقال في "الدر المختار" ( آخر باب العيدين) : ( لأن المسلمين توارثوه, فوجب اتِّباعهم ) رد المحتار على الدر المختار( 1/ 564) أو أن ملمحه إلى ما عليه السادات المجاهدون من الأئمة الصوفية قدسنا الله تعالى بأسرارهم الصفيّة؛ من شدة تعاهدهم للمستحبات كأنها من الواجبات, وتوقيهم عن المكروهات بل وكثير من المباحات كأنهن من المحرمات, أو أن هذا هو المذهب عنده؛ فإنه قدس سره فيما نرى من المجتهدين, وحقَّ له أن يكون منهم كما هو شأن جميع الواصلين إلى عين الشريعة الكبرى, وإن انتسبوا ظاهراً إلى أحد من أئمة الفتوى كما بينه ( في فصل "فإن قال قائل: فهل يجب عندكم على المقلد. . . إلخ, وفي فصل "إن قال قائل: كيف الوصول إلى الاطلاع على عين الشريعة المطهرة . . . إلخ وغيرها ) العارفُ بالله سيدي عبد الوهاب الشعراني في "الميزان الكبرى" (1\11, 20), والله تعالى أعلم بمراد أهل العرفان.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
منقـــــــــــــــــــــــــــــــول