:D
هل طلب ما لا يقدر عليه إلا الله شرك ؟
ومن جملة الدعاوى الباطلة التي يستمسك بها هؤلاء المكفرون لمن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
أو يطلب منه هو قولهم:
إن الناس يطلبون من الأنبياء والصالحين الميتين ما لا يقدر عليه إلا الله وذلك الطلب شرك .
وجوابه أن هذا سوء فهم لما عليه المسلمون في قديم الدهر وحديثه فإن الناس إنما يطلبون منهم أن يتسببوا عند
ربهم في قضاء ما طلبوه من الله عز وجل بأن يخلقه سبحانه بسبب تشفعهم ودعائهم وتوجههم كما صح ذلك في
الضرير وغيره ممن جاء طالباً مستغيثاً متوسلاً به إلى الله وقد أجابهم إلى طلبهم وجبر خواطرهم وحقق مرادهم
بإذن الله ولم يقل صلى الله عليه وسلم لواحد منهم : أشركت ،
وهكذا كل ما طلب منه من خوارق العادات كشفاء الداء العضال بلا دواء وإنزال المطر من السماء حين الحاجة
إليه ولا سحاب ، وقلب الأعيان ونبع الماء من الأصابع ، وتكثير الطعام وغير ذلك فهو مما لا يدخل تحت قدرة
البشر عادة وكان يجيب إليه ولا يقول عليه الصلاة والسلام لهم :
إنكم أشركتم فجددوا إسلامكم فإنكم طلبتم مني ما لا يقدر عليه إلا الله .
أفيكون هؤلاء أعلم بالتوحيد وبما يخرج عن التوحيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه ، هذا ما لا يتصوره جاهل فضلاً عن عالم .
وحكى القرآن المجيد قول نبي الله سليمان لأهل مجلسه من الجن والإنس
: ( يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ) ..
فهو يطلب منهم الإتيان بالعرش العظيم من اليمن إلى موضعه بالشام
على طريقة خارقة للعادة ليكون ذلك آية لصاحبته داعية إلى إيمانها .
ولما قال عفريت من الجن : ( أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ )، يعني في ساعات قليلة ،
قال نبي الله عليه الصلاة والسلام : أريد أعجل من ذلك ، فقال الذي عنده علم من الكتاب
وهو أحد الصديقين من أهل مجلسه من الإنس :
( أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) يعني قبل أن يرجع إليك طرفك إذا أرسلته ،
فقال عليه الصلاة والسلام : ذلك أريد فدعا الرجل فإذا بالعرش بين يديه .
فالإتيان بالعرش على هذه الطريقة هو مما لا يقدر عليه إلا الله وليس داخلاً تحت مقدور الإنس ولا الجن عادة
وقد طلبه سليمان من أهل مجلسه ، وقال ذلك الصديق له : أنا أفعل ذلك ، أفكفر نبي الله سليمان بذلك الطلب
وأشرك وليّ الله بهذا الجواب حاشاهما من ذلك ،
وإنما إسناد الفعل في الكلامين على طريقة المجاز العقلي ، وهو سائغ بل شائع .وكشف الخفاء عن هذا اللبس إن كان ثم خفاء هو أن الناس إنما يطلبون
منهم التشفع إلى الله في ذلك وهو مما أقدرهم الله عليه ، وملكهم إياهم ، فالقائل
يا نبي الله إشفني أو اقض ديني ، فإنما يريد إشفع لي في الشفاء وادع لي بقضاء
ديني وتوجه إلى الله في شأني فهم ما طلبوا منه إلا ما أقدرهم الله عليه وملكهم
إياه من الدعاء والتشفع .
وهذا هو الذي نعتقده فيمن قال ذلك وندين الله على هذا فالإسناد في كلام الناس من المجاز العقلي الذي لا
خطر فيه على من نطق به كقوله سبحانه وتعالى :
( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرْضُ )، وقوله عليه الصلاة والسلام :
((إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم)) ..
وهو في كلام الله ورسوله والخاصة والعامة كثير جداً وليس فيه محذور فإن صدوره من الموحدين
قرينة على مرادهم وليس فيه شيء من سوء الأدب ،
وقد فصلنا هذه الحقيقة في مبحث خاص بها من هذا الكتاب .
من كتاب مفاهيم يجب أن تصحح للشيخ محمد علوي المالكي