خواطر ليلية
تأليف محمد توفيق ممدوح الرفاعي
عدو جدك ما يودك
في احدى الليالي الباردة والتي قل فيها الغيث واضحى ارتفاع نسبة الرطوبة صفة مميزة لليالينا هذه الأيام حيث تمتزج مع روائح دخان السجائر المنبعثة من لفائف التبغ العفنة والتي أصبحت رائجة هذه الأيام بسبب سوء أنواع التبغ الذي يباع في زوايا الأحياء والتي تتناسب مع المرحلة الحالية لتعطي نكهة خاصة مميزة كأنها رائحة عطر جيء به من عالم آخر يشبه ما روي في الأساطير عن عوالم ما تحت الأرض ففي هذه الليلة كنت في حالة نفسية لا احسد عليها وكنت بحاجة الي أي أنسان يسامرني علني اخرج مما أنا فيه أو يرفه قليلا عني طرق بابي صديق قديم لي لم اراه منذ مدة هو اكبر مني سناً وتربطني به علاقة قوية وكثيراً ما كنت أستشيره في بعض الأمور التي تعترضني ولا اجد لها حلاً فيسعفني بالحلول الناجعة وبعد أن استقر في جلسته على الأريكة وبعد تبادل عبارات الترحيب المعهودة واطمئنان كل منا عن الأخر والسؤال عن الأهل والأولاد اخرج علبة التبغ من جيبه واشعل سيجارة اخذ منها نفسا عميقا يشعرك بأنه يشعر بالضيق فقلت له ما بك يا رجل كأنك تحمل هموم الدنيا فوق رأسك فقال لي أيعجبك هذا الحال فقلت أي حال تقصد فقال اسعفني أولا بإبريق من الشاي لأني بصراحة (خرمان) ثم تعال لأفضي اليك ما في نفسي . وبعد ان لبيت طلبه وقدمت فنجانا من الشاي ارتشف منه رشفة كبيرة صدر عنها صوتا عاليا اخذ يتلذذ بطعمها في فمه رغم أنها حارة وكانه لم يشرب الشاي منذ أمد بعيد وبعد ان ابتلعها سحب نفسا عميقا من سيجارته ثم استرخى على الأريكة كأنه يحاول أن يريح جسده المتعب الذي أضنته السنين وبعد أن أخذ بعض الراحة اعتدل في جلسته فاجأني وهو يقول (عدو جدك ما يودك ) فقلت له ماذا تقصد فقال هذا مثل قديم كان يردده أجدادنا وقد كان والدي رحمه الله يردده كثيرا على مسامعنا عندما كان يحدثنا عن تاريخ بلادنا وعن مقارعتهم الاستعمار عندما احتلوا البلاد العربية والإسلامية محتجين بأنهم أتوا إلى بلادنا محررين لا مستعمرين ولكنهم في الحقيقة أتوا مستعمرين لنا عندما وجدونا ضعفاء لاحول لنا ولا قوة بعد أن فرقتنا السبل والمصالح واصبح كل منا يكيد للآخر وكلما أصابت احد منا مصيبة يقول الآخر اللهم أسألك نفسي فأتونا فاتحين مستعمرين ليستغلونا ويسخروننا لخدمتهم ويسرقوا خيرات بلادنا وثرواتنا و ليقضوا على امتنا العربية والإسلامية مدعين بانهم أتوا اٍلينا ليحررونا من قيمنا البالية ومن هويتنا العربية والإسلامية التي هي سبب تخلفنا وهي سبب النكسات والحروب في العالم وعدم ملاءمتها للتطور والحضارة ولكنهم في الحقيقة هم عكس ذلك وهم يعلمون أن العرب والمسلمين هم من نشروا الحضارة والقيم الأخلاقية والعلم وبينهم وبين العرب والمسلمون ثأرا لن يسوه ابدآ ولن ينسوا اٍن العرب والمسلمين هم الذين قضوا على اعتى قوى الشر والظلم في العالم ولن ينسوا ابدأ ما فعله العرب والمسلمون في الأندلس والبيرينيه . هل تعلم يا صديقي ان العرب والمسلمين عندما خرجوا ليحرروا إخوانهم العرب من قيد الروم والفرس وقضوا على الاستعمار القديم الذي كان يذيق الشعوب امر أنواع العذاب فهم لم يحرروا إخوانهم العرب فقط بل حرروا كل من كان يرزح تحت نير الاستعمار حتى من كان منهم من أبناء جلدتهم وعندما انتشر العرب في كل مكان من أصقاع العالم نشروا العلم والفضيلة والأخلاق لم ينشروه بقوة السيف بل نشروه بإنارة العقول والقلوب وكان هذا يغيظ أحفاد سلالة المستعمرين فأخوا يدبرون الفتن والدسائس حتى استطاعوا ان يفرقوا بيننا وجعلونا شعوبا شتى نكيد لبعضنا بمؤازرتهم ومساعدتهم حتى ضعفت شوكتنا فانقضوا علينا وأعادوا استعمارهم لنا والآن وبعد انتهى عصر الاستعمار القديم وانفضحت أسراره جاء جيل جديد من بني جلدتهم بلبوس جديد وهي الحمية على العرب والمسلمين مدعين ودهم وحبهم لنا وان لنا رسالة إنسانية يجب ان نؤديها بمؤازرتهم وانهم سيأخذون بيدنا لنحمي ديننا وعروبتنا ولكنهم كاذبين كاذبين فاٍن لهم غاية أخرى انهم لم يستطيعوا ان يقضوا علينا بالسلاح أرادوا ان يدخلوا علينا من هويتنا فيشوهنها ويستطيعون بذلك القضاء علينا من الداخل ولا يؤتى الحذر إلا من مأمنه انظر يا أخي في خارطة العالم أين تجد بؤر التوتر في العالم اليست كلها إما في بلاد عربية أو إسلامية اليس هذا مخزيا هل صحيح ان هذا سببه أننا مسلمون أو عرب ومن يغذى هذه الفتن اليسوا هم ؟ بحجة مناصرة الشعوب والان يحضرني مثلا جديدا الذي يقول ( ويعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ كما يروغ الثعلب ) ان كانوا صادقين فهذه إسرائيل صنيعتهم نحن لا نريد ان نرميها في البحر فلسنا قوما غلاظ قساة فنحن نتسامح مع كل من يمد يده للسلام ويستطيع أي إنسان في العالم ان يأتي ويقيم في بلادنا ان كان يحب ان يقيم بشرط ان يلتزم القواعد الإنسانية ويحترم قيمنا وأخلاقنا ولكن ليرونا ما هم فاعلين . ثم توقف صديقي قليلا عن الكلام ثم اردف قائلا ( إيه يا أخي الم اقل لك عدو جدك ما يودك )
محمد توفيق ممدوح الرفاعي