بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أمر بالدعاء ووعد بالإجابة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي حثنا على الدعوة إلى الله وأرشدنا إلى أسباب القبول وصلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
ذكر السيد الرواس محمد مهدي بهاء الدين آل خزام الصيادي الرفاعي الحسيني في كتابه الشهير((بوارق الحقائق )):
وهذه بوارق الحقائق :
وهنا قامت بارقة من معارج مقام القطب الغوث .وأنا في رواق .، فقال صاحبها : أيها السيد أنت المخطوب المحبوب قم فَسِرْ في طريق الله إلى الله . إنتدب لما أُردت له . آن إبّان إقامتك لشأنك . هذه هدرات بحور الواردات من أكناف جميع الحضرات تجتمع من عليّ محادرها ، فتتوجه إليك ، وأنت على حافة الطريق فوق فراشك وسنابك خيل الفيوضات تقدح طائرة لإيصالك . اعيذك بالله من الغفلة . قم أيدك الله بسر بسم الله الرحمن الرحيم .
اضرب فيفاء عراقك حيث ديار عناصرك السابقة وأعراقِك هناك بين خيام الجحاجح الذين عرفتهم المضروبة الأطناب على أوتاد البروج المتصلفة في قبب الآفاق الممنطقة بحزم الزهر الجامعة من كبكبة الألى كل قرم وارث نبوي العزم والعزيمة . غاب وجوده عن الأبصار وحضر بارق سره في الأقطار بإذن الملك الجبار . وقف قبل خروجك من مصر متريضاً ريِّض القلب بالذكر مندفعا عنك واقفاً مع الإشارة لا تبارح وارد طورك منسلخاً في منازلاته من شهودك ممتلئاً مع هزاته تمكيناً ، وليكن علمك بشريعة نبيك حجتك في طريقك دليلك في سيرك واصفع طوارق خواطرك باكُف برهان فقهك فانصرف بسيرك عنك وعن غيرك آخذاً إثر جدك في أخذك وردك والسلام عليك من حضرة القرب التي تلحقك بالركب ورحمة الله وبركاته . فهزتني نغمة كلامه من رياضة السكون إلى روضة الارتياح فقلت وفيها ذكرت ما فعلت :
جاء البشــــير ليعقوبي بيوســــفه ... أهلاً بيوســـــف وقت ســـرّ يعقوبي
رنّت له في طريق السّـــمع داعية ... فقمت مبتهجا في طـــور مجـــــذوب
أرتاح هذا قميص الوعد مـــس به ... على عيـــون فؤادي كفّ محبـــــوبي
أبصــرت بعد انطماس كنت أحمله ... وراق لي من كؤوس القرب مشروبي
وصــرت أشــــــهده في كل بارزة ... وصــــرت أقـــرؤه في كل مكتــــوبي
والصــــحو يثبت لي حالا يثبتنــي ... والمحو يبرز عندي حال مســــــلوب
لم أخش بعد شهودي حسن طلعته ... تلوين حالي بمعـــزول ومنصـــــوب
إن صح لي وشؤون الكون عاطلة ... فلا ضــــرار لعمري ذاك مطـــــلوبي
أقــــــوم والليـــل مدجاة عوالمــه ... وذيله ســــاقط في شـــكل مســحوب
أإن أنة ثكــــلى الحـــــي فاقـــــدة ... وأســــتعيد صـــراخا شـــأن مرعوب
واســــــتميل غصون البان عاكفة ... عليّ أطــــيارها تصــــغي لتشـــــبيبي
وحجتي وقفول القوم قافلة ... بكل خير مسيري نحو مرغوبي
كأن بي يوم أن تلوى جنائبهم ... موقورة الرّحل كسبا ما بمسلوب
أطير وجدا ولي في النفس مثقلة ... فكم لها قلت يا لومتي توبي
وراقصات على الضلعين قلن أفق ... ما شأن منتدب يسعى كمندوب
هذي السعادة قد جاءتك رافلة ... ببردها ضمن خدر الوهب مضروب
وخاطبتك به العلياء قائلة ... قم أنت يا ابن رسول الله مخطوبى
فاجمع شتات شؤون أنت صاحبها ... وجل ببيد التدلي خير مصحوبي
دنوت إذ ذاك من طور الخطاب وقد ... أجريت ضمن جوابي حسن أسلوب
ولاح لي جمع شطح كدت أشهده ... مقام مرتبتي أوهام مغلوب
وقمت من حضرتي والأنس يجمعني ... وقد تولى رسول الله تأديبي
حكّمت فقهي بإشراقات واردتي ... بالنص لا بمعاني فهم موهوب
وكل طارق الهام ينازلني ... قيدته بقياس غير مكذوب
وقلت يا نخوتي بالذّلة انقطعى ... ويا علائق نفسي مرّة ذوبى
فساقني من أبي الزهراء سوق هدى ... إلى العراق وفاحت نفحة الطيب
وقيل لي خذ لشيخ المتقين يدا ... فتلك أشرف مكسوب وموهوب
فجلت واللمعة البيضاء تسبقني ... أنى ذهبت وهذا برء ايوبى
وجبت بيض دمشق واتصلت بها ... وقد وقفت بهاتيك المحاريب
وبعد أنجدت حتى البصرة اتضحت ... بعد الغموض ونار الوجد تعلو بي
زرت المقام وإبراهيم واتّخذت ... ذاتي مصلّى به من بعد تغريبي
وضعت كفا بكف بالإشارة عن ... أمر على بيعة الرضوان تهذيبي
وكان شيخي من الأوتاد منزلة ... وفي أولي العلم فذا مثل يعسوب
ألقى علىّ إشارات بدمدمة ... رشيقة ذات تشريق وتغريب
بنى عليها سلوكي كلها حكم ... كلؤلؤ ببديع السلك مثقوب
طرقت بعد الهجوع الحيّ ممتثلا ... أمر السماوات أبغي قرب مرقوبى
وصلت أم عباد والصباح له ... غلاغل فيه أصناف الأساليب
فجت لناظر سري أي بارقة ... من ذلك القبر أحيت ميت منسوبى
فقلت يانظرتي بالحضرة ابتهجى ... ويازليخاء نفسي باللقا طيبي
الحمد لله هذا باب سيدنا ... شيخ العواجز حامى كل محسوب
فتى يريع الليالي بأس صولته ... ويستريح لديه كل متعوب
من الحسين انتقي عقد يتيمته ... عصماء عاقبة الزهر الشآبيب
ذو ساحة من رياض الخلد طاف بها ... من العلا كل روحىّ وكرّوبي
لذنا بديوان قدس عند مرقده ... مرفرف بشفوف الوهب منصوب
وقد طرقنا له الصحراء عافية ... نخبّ وجدا بتمزيق الجلابيب
جلا لنا قبسا من طور قبته ... حىّ بنور على الأكناف مصبوب
وانشق عن فيض عرفان به جمل ... مبسوطة مزجت حسن التراكيب
أحيت قلوبا طماها القبض فانبسطت ... بفهمها غير مقروء ومكتوب
من رشة ابن الرفاعي الإمام روت ... حيت ارتوت كل أنواع الأعاجيب
هذا الذي هد ركن الشطح يوم زها ... بخلعة الفتح لكن زهو مطلوب
هذا الذي هز سيف العزم منتدبا ... للّه واطرح إذا هز الاحاديب
هذا الذي وصدور القوم شاهدة ... مدّ اليمين له الهادي لتقريب
هذا المجرب ترياق القلوب فخذ ... منه الأماني ودع زعم التجاريب
هذا الكريم المحيا كم به فرجت ... من كربة صعبة عن قلب مكروب
هذا ابن فاطمة الزهراء وهو لها ... بعد الأئمة حقا خير منسوب
هذا الذي قام سر النصر فيه فمن ... يلجأ به بعراك غير مغلوب
هذا المحجب في الأقطاب سيدهم ... في كل باب بإطراق وتأويب
لم يجهل العز من عالي تحجبه ... عن قادة القوم إلا كل محجوب
على أرسلان والجيلي قد ضربت ... خيامه بعد عزاز ومهيوب
وكان سبعون فردا تحت رايته ... غير المحاذين من دان ومحبوب
العرش والفرش والأكوان تعرفه ... أنعم بسطر بلوح القدس مكتوب
تكبكبت همم الأقطاب وانجمعت ... به بتمكين عزم غير مسلوب
قف عند أعتابه القعساء متثقا ... وطب فلست بمتعوب ومعتوب
وقل عليك سلام الله خذ بيدي ... فالركب سار وحملى عاق مركوبى
وكان كما نصت هذه السانحة ، فقمت على قدم التجريد اتلو : بسم الله الرحمن الرحيم . متوكأً على جذع العناية ، اقارع طرق البر من مفازة إلى مفازة ، ومن صعدةٍ إلى واد حتى انتهت بي نوبة السير بعد مفرقة ذيل العريش إلى بيداء الشام .
وكان كما نصت هذه السانحة ، فقمت على قدم التجريد اتلو : بسم الله الرحمن الرحيم . متوكأً على جذع العناية ، اقارع طرق البر من مفازة إلى مفازة ، ومن صعدةٍ إلى واد حتى انتهت بي نوبة السير بعد مفرقة ذيل العريش إلى بيداء الشام .
وهناك قامت بارقة . من مصدر طالعةِ اضرحة الأنبياء العظام أصحاب ديار الشام عليهم الصلاة والسلام ، فتوجهت بهمتي مع لوامع البارقة السعيدة اتمسك بخيط كل لامعة . تنتهي إلى ساحة محراب نبيّ . ووقفت في حضرات تلك المحاريب وقوف العبد الذليل باب السيد الجليل ، وفرشت خدي بعزية خضوعي ، وتحققي في مقام الاستجداء من نوال كل فرد من أفرادهم أعلى الله منارهم . وأسطع في ملكوته أنوارهم والصلاة والسلام من لدن ذاته الربانية عليهم ما تواصلت واردات عوارفه المتواترة الزيادة المصونة من الانقطاع إليهم ، وأخذت بأكف الاستجداء مواهبهم السنية وعطاياهم النبوية فانكشف لي بعد تلك الرحمة الهامعة علائق العالمين وظهر لي مشهد الرمزين من حيطة الجمع والفرق في المقامين لا بملابسةٍ تُوهم اتحاداً ، ولا بمجانسة تكثّر اعداداً حكم انفصالي لا عن شيء ، وشأن اتصالي لا بشيء من مواردات فيوضٍ انتقاها المنح القديم فافرغها من عالية حظيرة الكرم على هذا العبد الفارغ العديم :
شوارق قدس اطلع الله فجرها ... بآفاق قلبي فازدهت بالحقائق
فقلت لقلبي والبروق طوارقٌ ... أعيذك بالرحمان من كل طارق
واخذتني سابقة عناية من جناب الخليل ابي النبي الأعظم الجليل عليهما ما دام ملك الله اكمل صلوات الله وتسليماته الله . فبرز لي طالع جماله على فرس بيضاء طرق هامها هام الكوكب الرابع ، ونطحت جبهتها جبهت الجرم الثاني متمكناً على متنها بحلة بيضاء ، وصفة حسناء ، أخذت من أبدع الجمال أتمَّه ، ومن أتم الحسن أعمَّه ، فصليت عليه في حضرة ذلك المشهد قائلاً :
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد حبيبك ابن إبراهيم خليلك وعلى أبيه إبراهيم المقرب في سدة الاصطفا إلى غاية قمة مرتبة الخلَّة صلاة تجمع بها لهما بين المحبوبية والخلة ، بكسوة الأبوة وخلعة النبوة على سريري الرسالة والنبوة وترفع لهما عن جمالك حجاب الجلال ، وتبرز لطرفيهما من طالع أُنس قدوسيَّتك مظهر الجمال ، كما هي في هذا المقام ، بسر التحقق على كل حال .
اللهم وكما قَرَّتْ عين عبدك وخليلك إبراهيم بطلعة نجابة ولده عبدك الحبيب الصادق الأمين فابسط له بساط الانس معك ، في حضرة الجمع المضيئة بجمال نورك المتلألئ بغرة رسولك سيدنا محمد كما يرضاه خليلك لك بك ، وكما ترضاه بكرمك وإحسانك له إنك البرّ الكريم ، الرؤف الرحيم ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
فأخذ ذلك المشهد الإبراهيمي ينجلي عن إشراق سرور يقدمه النور ، وأُلقيت عليَّ ولله الحمد من قِبَلِه المكرم خلعة السمة العرفانية من طريق الحال حيث ان السير إذ ذاك لا يقوم بعبأ المقام فقابلتني لذلك مشاهد الأكوان بطراز التبريك . أرى قبب العلا وفجاج الثرى . قد خط عليها بقلم النور بورك لعبدالله ووليه محمد المهديّ بخلعة العرفان الإبراهيمي بورك هو وهي :
رقصت لي الأشياء لما حفني ... مدد الخليل و ضاءت الأكوان
وبرزت أزهو لا على غيري ولا ... أنا من يطيش وسرني الإحسان
لما علوتُ وكنتُ دوناً قلت يا ... قومي السماحُ فكلنا إخوان
ورجعت بمشهدي هذا إلى الباب النبوي ، فأجلت وجهي على عتبة الركن المحمدي ، ووقفت بنسقي استجلي طارفة السر المؤيِّد لتلك الخلعة الإبراهيمية ، فبرز المنشور ، المسهَّم بالنور ، مؤيداً لها ، موقِّعاً عليها ، فشكرت الله وحمدته ، وصليت على السر الأعظم والكنز المطلسم صلى الله عليه وسلم قائلاً :
اللهم صلى من طريق كل بارزة ومطموسة ، ومن لسان كل مغيَّبة ومحسوسة ، ومن عينية كل غائب وحاضر ، ومن حقيقة كل باطنٍ وظاهر ، بمظهرية كل اسم لك ، علمته خلقك أو اضمرته في علمك ، صلاة تشق اردية المُلك والملكوت ، وتملأ حظائر الجبروت والرحموت ، تدوم زائدة ولا تنقطع ، ولا يشوبها من تحدرها كما هي نقصان ، على عبدك ورسولك سيدنا محمد المصطفى ، عزيز امصار الوجودات ، شمس سماوات الحظائر العلويات ، عَلَم ملكك ، الذي نشرته في طي عِلمك ، قبل تَعَيُّنِ أشكال الحادثات ، ونصبت له كرسي النهي والأمر ، في البر والبحر ، وحكمته في عوالمك قوياً أميناً ، باعانتك وكرمك ، اختصاصاً واصطفاءً ، وتشريفاً وتعظيماً ، وتوقيراً وتكريماً ، وسلم اللهم عليه ، سلاماً يعطر طرق السموات والأرضين ، يرفع اليك منك ، ويفد سحاح برّه إلى بريتك راوياً عنك ، ما امَّتْه قلوب العارفين ، وطابت به أسرار المخلصين ، وسرى سرُّه في العالمين ، ياحيُّ ياقيوم . ياذاالجلال والإكرام ، وتفضل بمثل ذلك على عبيدك اخوانه النبيين والمرسلين ، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .