:)
■ هل طلبت العودة إلى مصر أم كانت هناك تدخلات؟
- قلبي في كل حين يحنُّ إلى الرجوع إلى مصر، ولمّا لم أتبين لماذا أُخرجت؛ لم يكن من المروءة أن أطالب بالرجوع، إلا أن سيدى الوالد حفظه الله قدم استفساراً هنا، وسأل الجهات المعنية: لماذا مُنع ابني من الدخول؟ فتوجهوا بالسؤال إلى الجهات التي قد تكون اتخذت قرار المنع، فربما وجدوا أن أسباب المنع فيما مضى لم تكن بكافية أو مقنعة، أو ربما تغيرت الظروف التي تم على أساسها المنع سابقاً، فرُحب بي فى العودة.
■ يرى البعض أن سبب السماح في هذه الفترة بالذات بعودتك إلى مصر هو انتشار التيار السلفى مرة أخرى في مصر وظهور فلول لجماعات إرهابية تتستر بالإسلام، وأن مصر تحتاج مثل هذا الصوت العاقل المتزن الوسطى، فهل وصل شىء مثل ذلك إلى مسامعك؟
- أما إخواننا من «الوهابية» الذين يسميهم البعض السلفية فليسوا بمعركتي، وأما المتطرفون أو من يسمون بالإرهابيين فمعركتنا الحقيقية مع الأسباب التي أدت إلى إفرازهم، وأما مصر فهى أكبر من أن تحتاج إلى علي الجفري.. وفي صرح الأزهر، وفي العلماء الصادقين من رجاله مَنْ يمكن أن يتصدوا للأمر.
■ ألا ترى أن بعض الأفكار السلفية تغذي التيارات المتطرفة بشكل عام؟
- لا شك أن نقطة الخلاف الحقيقية مع إخواننا من الوهابيين (وأقولها بصدق إخواننا) ليست في اختلافهم مع باقى أهل السنة في الاجتهادات الفقهية أو الشرعية، وإنما الإشكال الحقيقي يتلخص في نقطتين أساسيتين، النقطة الأولى: اللغة الإقصائية التي يدّعي البعض منهم أو البعض من مراجعهم أو رؤوسهم فيها الحق المطلق في فهم الكتاب والسنة حتى اختلط عندهم فهم النص مع النص، فأعطوا لاجتهاداتهم في فهم النص عصمة النص، والنص معصوم لكن الاجتهادات حول النص ليست بمعصومة.
الإقصاء في الاختلاف وعدم قبول التنوع في الاجتهاد
وبالتالي فإن الإشكال الأول معهم هنا هو الإقصاء في الاختلاف، وعدم قبول التنوع في الاجتهاد بشكل جلي، أما النقطة الثانية فهي في توصيف الاختلاف، وذلك برفع البعض منهم سقف الاختلاف في أمور فقهية أقصى ما يمكن أن يقال عن أكبرها أنها من فروع العقيدة وليست من أصول العقيدة، والصحابة اختلفوا في فروع العقيدة كما حدث بين ابن عباس والسيدة عائشة رضى الله عنهم في مسألة رؤية الله عز وجل في الآخرة،
رفع سقف توصيف الاختلاف إلى أصول العقيدة
فالإشكال في رفع سقف توصيف الاختلاف من اختلاف فقهي أو فرعي في العقيدة إلى خلاف في أصول العقيدة، فأودى بهم اجتهادهم أو فهمهم النصوص إلى مخالفة الأكثر ممن سبقهم، وإلى جعل مخالفيهم خارجين عن الإسلام، وتسمية بعض السلوكيات والأقوال والأفعال بالشرك الأكبر أو بالكفر والعياذ بالله، وهي إشكالية كبيرة لأنه يترتب عليها إخراج المؤمن عن دائرة الإسلام، وفكرة إخراج مؤمن عن دائرة الإسلام- مع رفض فكرة التنوع أصلاً- لا شك أنها ستؤدي مباشرة إلى الصدام بين المسلمين، وبين المسلمين ومن يجاورهم من مواطنيهم، وبين المسلمين والعالم الذي يحيط بهم، فهاتان إشكاليتان.
غير أن الجديد- فيما أظن- أن هناك صوتاً بدأ يبرز من داخل البيت الوهابي فيه نوع من المراجعات، ولا أقصد هنا المراجعات السياسية التي تقوم بها بعض الجماعات الإسلامية مع الحكومات، وإنما الأمر أكبر وأعمق وهي مراجعات منهجية سمعتُها من بعض إخواننا من علماء ودعاة الوهابية المعاصرين، وأعجبني وجود هذه النبرة، وتم التواصل مع بعضهم، ومع بعض المسؤولين الكبار عن الخطاب الإسلامى في المملكة العربية السعودية.
هناك مراجعات منهجية داخل البيت الوهابي
واقترحتُ عليهم- وهذه هي المرة الأولى التي أُصرح فيها بهذا الخبر لوسائل الإعلام- أن يكون بيننا لقاء لثلاثة أو خمسة من إخواننا الوهابية مع ثلاثة أو خمسة من بقية مذاهب أهل السنة، يجلسون على مائدة ليس المقصود منها المناظرات الصدامية التى تحدث في بعض قنوات التلفاز اليوم، وهى أقرب إلى التهريج أو المأساة، وإنما يكون فيها نوع من المراجعات لتوصيف الاختلاف، أي هل القضايا التي يُكفرون من يخالفهم على أساسها، ويرمونهم بالشرك الأكبر، أو الخروج عن الملة، هي بالفعل من قبيل القضايا القطعية التي لا تقبل الاختلاف، أم أنها من الظنيات التي يجوز الاجتهاد فيها والاختلاف..
فإن توصلنا من خلال ذلك الحوار المقترح أنها مسائل قطعية فلابد أن نخرج برأي موحد ولا نقبل الاختلاف فيها، وإن خرجنا على أنها من قبيل المسائل الظنية القابلة للاجتهاد؛ فرجِّح أنت أن هذا الفعل حرام وقُل إن الراجح عندى أنه حرام ورجَّح غيرى خلاف ذلك، ولا تُدرس لطلابك أو تنشر بين الناس فى الشارع أن مخالفك قد خرج عن الملة أو كفر أو حتى ارتكب الحرام المطبق على تحريمه، ثم تستنصر بآيات من القرآن، خالفك أئمة المفسرين وأئمة الفقهاء في فهمها.
■ وماذا كان ردهم على ذلك؟
- الرد كان في الوعد، استمهلوني أياماً ليتدارسوا المسألة مع بعض انشغالات عندهم وأنتظر الرد إن شاء الله منهم عن قريب، وأتوقع الخير إن شاء الله من حصول مثل هذا الأمر. وإن كان قد سبق إلى ذلك شيخنا الكبير الإمام العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله منذ أكثر من 20 سنة حين طلب من سماحة الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الآن، أن يكون بينهما لقاء مع وجود عدد من ممثلي الطرفين ليضعوا الإشكالات على مائدة الحوار، فوعده فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي على العمل على ذلك، ولكن يبدو أنه لم يتيسر له هذا الأمر، ولعل الظروف قد اختلفت اليوم ، وأن هناك فرصة أكبر.
■ سبق أن عرضت الحوار مع بعض ممثلي أصحاب الفكر الوهابي، وذكرت بعض القنوات التابعة لأصحاب هذا الفكر أنها عرضت عليك إجراء مثل هذا الحوار ولكنك رفضت فما تعقيبك على ذلك؟
لا تعامل مع من تعتبرهم الوهابية متاريس أو وسائل صدام مع الآخرين
- الحقيقة عُرض علىَّ ذلك منذ حوالي ٦ سنوات، ووافقتُ بالرغم من أني غير مقتنع بأن الحوار الإعلامي هو البداية الصحيحة، وإنما أعتقد أن البداية الصحيحة هي في الحوار المغلق الذي يعرف بعضنا البعض فيه عن قرب، وليس من خلال التلاميذ الذين يشوّه كل منهم صورة مراجع الطرف الآخر عند مرجعه، ولكني مع ذلك وافقتُ على هذا العرض وطلبتُ أن يكون الذي أمامي ممثلاً للمدرسة، وليس ممن تتعامل معهم المدرسة كمتاريس أو وسائل للصدام مع الآخرين.
■ أعطنا مثالاً من ممثلي المدرسة الذين طلبت حوارهم؟
- طلبتُ مثلاً فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية، أولاً هو مسؤول عن الخطاب الإسلامي في المملكة، وثانياً هو ابن المدرسة فهو سليل الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمة الله تعالى عليه، وطلبت- إن تيسر معه- سماحة الشيخ الفقيه صالح بن حميد الذي هو الآن رئيس هيئة كبار العلماء فى المملكة العربية السعودية، وكان في ذلك الوقت رئيساً لمجلس الشورى وإماماً للحرم ولا يزال، أما الآن فأضيف أسماءً أخرى مثل فضيلة الشيخ سلمان العودة، فهذا الرجل عندما جلست معه وجدت عنده العقلانية والفهم، والقدرة على احترام النصوص المروية عن العلماء، وأشعر أن عنده صدقاً مع النفس يشجعني على الجلوس معه.
سلمان العودة شيخ فاضل عنده العقلانية والفهم واحترام العلماء
وفى ذلك الحين أخبرتني القناة التي طلبت اللقاء بأن من ذكرت لكم سابقاً من الشيوخ قد اعتذروا فرشحت إدارة القناة غيرهم، فقلت إذاً يسعني ما وسعهم هم من العذر، وأن مَنْ رشحوهم لي، مع احترامي الكامل للكل، لا يمثلون المدرسة من ناحية، ومن ناحية ثانية- وهو الأهم- أن رؤيتهم تصادمية وليست رؤية تفاهم، بل يحسنون تهييج الجماهير والاستعراض أمام العامة دون الخوض في فحوى العلم، وقد بلغنى أنهم من وقت لآخر ما زالوا ينشرون عنا أننا تهربنا من الحوار واللقاء، وهذا الأمر لا يستحق حتى مجرد الرد عليه، ولم أعد أرغب في الاستمرار في التعامل مع محاولة تصوير أن قضية علي الجفري هي الوهابية، لأن قضايانا أكبر من ذلك بكثير.
وأمام الأمة اليوم تحديات كبيرة في بنيانها الداخلي، و في علاقاتها ببعضها البعض، وفي نهضتها، فنحن اليوم لا نأكل ما نزرع، ولا نغزل ما نلبس، ولا نصنع ما نستخدم ونركب، ولا نملك حتى آلية تعليم أبنائنا، و مستوى التعليم عندنا اليوم منحط، وأصبحنا مضطرين لاستدعاء تجارب غيرنا بدون مصفاة، وليس من الخطأ أن نستفيد من تجارب غيرنا، لكن بسبب عدم وجود البنيان المطلوب عندنا صرنا نأخذ ما عند غيرنا على علاته، فهذه كلها تحديات تقوم الآن أمامنا، ويشهد عالم اليوم وتيرة شديدة التسارع في الحراك الفكري، وتفريعه وتشعبه، والتطورات فى الأحداث المتقلبة، وتغيير المبادئ والقيم، وكل ذلك لا دور لنا فيه للأسف.
مللنا من تصوير الأمر على أن الصدام هو قضيتنا مع الوهابية
فكل ما سبق من تحديات ونحن مشغولون بقضية وهابية وصوفية، وسنة وشيعة، وإخوان وحكومات، ورضينا أن نقبع في هذا الركن الضيق، وجعلنا ذلك مبرراً للهروب من واجب الانتهاض الذى نحتاج إليه اليوم لخدمة أمتنا وخدمة العالم، ذلك العالم الذي يحتاج اليوم أن يستمع منا إلى لغة تعينه على أن يفيق من التخبط الذى يعيش فيه الآن.
. هل لذلك علاقة بمشاركتك فى رسالة "كلمة سواء" إلى العالم المسيحي والغربي مع ما يقرب من 140 رجل دين مسلم في أعقاب أزمة بابا الفاتيكان؟
■ معنى كلامك أن استخدام الدين في الصراع السياسى يضر بالدين أم بالسياسة؟
- يضر بالجميع، بالمتدينين وبالساسة والسياسة، والأهم من ذلك يضر بشعوب العالم، أما الدين الذي هو دين الله فلا يضره شىء، ولا يرقى شىء للإضرار به، وانظر اليوم كم من الدماء تسيل تحت لافتة الدين، أو باسم الدين، وقد كان هناك تقرير أعدته مؤسسة غربية عن القتل باسم الدين، فوجدت أن أكبر نسبة قتل تمت فى التاريخ كانت على أيدي المسيحيين، يليهم البوذيون، ثم المسلمون، فالهندوس، وكانت الأعداد مهولة!
■ إذا التقت جماعة تحت مظلة إسلامية أو دعوية أو تحت شعار إسلامى فهل من حقها ممارسة العمل السياسى تحت هذا الشعار؟
- المطلوب من جميع المسلمين أن تكون حياتهم كلها من خلال هَدْى وأخلاق ومخاطبة الإسلام، ومعظم دساتيرنا تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسى، وبعضها ينص على أنه الوحيد للتشريع، فقضية دخول البعض إلى السياسة باسم الإسلام قد يترتب عليها فهم أن غيرها من التيارات ليس له علاقة بالإسلام وهذا خطير، وفى نفس الوقت لا يستطيع أحد أن يحجر على الإسلام ويقول ليس من حق أحد أن يتكلم باسم الإسلام.
وبالنسبة لشخص الفقير إلى الله لا أرى أبداً أن خدمته للإسلام تكون من خلال السياسة، وغير مقتنع أصلاً بأن يكون لعلماء ودعاة الإسلام ممارسة للسياسة، بمعنى العمل على الوصول إلى الحكم، أو تولي المناصب السياسية وتصحيح الوضع من خلالها، فلست مقتنعاً بأن هذا يفيد، ولعل التجربة المعاصرة قد أثبتت صحة هذا الكلام، ولكن أن يكون لعلماء الدين والدعاة دور في السياسة من خلال الترشيد والتوضيح، وتعليم السياسى ما يفيده من الدين في سياسته فنعم، وهو دورنا كذلك مع الاقتصاديين والاجتماعيين والأكاديميين ومختلف شرائح المجتمع.