:)
ذكر محمد مهدي بهاء الدين الصيادي المعروف بالإمام الرواس قصة مروره في دير الزور على مزار السيد محمد السائح أبي عابد في كتابه "بوارق الحقائق"، ما نصه:
فقمتُ أسوقُ مطيةَ العزمِ بعصا العزيمة أترقى وأتسافل، وأتسافل وأترقّى، ومعي إلى المدينة زفرات أشواق برّحَت بي ؛ وكذلك إلى أن أتيتُ إلى الديار الخابورية ودخلتُ الدير رافضاً ما سوى الإسلام، مشغوفَ القلب بمحبة الحبيب الأعظم عليه الصلاة والسلام، وفي الدير زرتُ مرقدَ الإمام السيد محمد ويُعرف بأبي عابد العبادي الحسيني سلام الله عليه؛ وقد كنت زرتُه قبلها فحنّتِ الأرواح بعد المشارفةِ لتذَكُرِ عهود المعارفة:
معاهدُ أرضٍ طيّبَ اللهُ نشرَها *** تقابلها أبصارُنا بالتشارفِ
فتبصرُ نوراً من وجوهٍ شريفةٍ *** تحنُ لها الأرواحُ حنّ التعارفِ
ونمتُ بحضرته المباركة، فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على سرير من فضة وتحت نظره الكريم حلقةُ ذكرٍ. شيخُ الحلقةِ السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، فأشار إلي بأصبعه الشريفة عليه من الله أفضل الصلاة وأتم السلام، فتقدمتُ إليه صلوات الله عليه فقال لي: صِرْ حاديَ القوم وامدح جدك السيد أحمد بحدْوِكَ لنسمع فتوسطتُ الحلقة وقلتُ منشداً: ( يا رسول الله المدد ):
بنورك يا خيرَ النبيين نهتدي *** ونختمُ فيك الواردات ونبتدي
بوجهك نستسقي الغمامَ ونجتلي *** مطالعَ نورِ الحقِ في كل مشهدِ
بساطُك مبسوطٌ لكلِ مؤيَدٍ *** وذيلُكَ منشورٌ على كلِ سيدِ
ثم استفضتُ وقلتُ ممتثلاً للأمر على طرز عادة الأحمدية بالذكر:
مصباح الجمالِ *** عنوان الجلالِ
الغوثُ الرفاعي *** سلطان الرجال
تاجُ الأولياء *** عزُ الضعفاء
غوثُ الفقراءِ *** ينبوعُ الكمالِ
مقتدى الأئمة *** شيخُ كل الأمةْ
كشّافُ المهمّةْ *** حلاّلُ العِقال
السيفُ المهنّد *** والسهم المجرد
شيخ العرجا أحمد *** محمود الخصال
سيد الأقطابِ *** موئلُ الأحبابِ
ملجأ الطلابِ *** ممدوحُ الفعالِ
أمه البتولُ *** جدُه الرسولُ
سيفُه مسلولُ *** يومَ ضيقِ الحالِ
فردُ أهلِ الله *** ركنُ أهل الجاه
ذو القلبِ الأواهِ *** والمقامِ العالي
كاشفُ التقييدِ *** عن حمى التوحيدِ
كافلُ المريدِ *** حاملُ الأثقالِ
فاتحُ الأبوابِ *** ناصرُ الكتابِ
حجةُ الأنجابِ *** ملجأ الأبدالِ
مرجعُ الأفرادِ *** مقصدُ الأوتادِ
سيدُ الزهادِ *** قائدُ الأبطالِ
نالَ السرَ المخفي *** يومَ لثمِ الكفِ
وعلا بالوصفِ *** كلَ غوثٍ عال
ذكرُهُ كالحِرزِ *** أو كتِبْرِ الكنزِ
وهو شمسُ العزِ *** في سما الإقبالِ
بالنفسِ الرفيعةْ *** أحسنَ الذريعة
جدّدَ الشريعة *** بالعزمِ الفعّالِ
هدّ ركنَ الشطحِ *** بصحيحِ الفتحِ
وأتى بالمنْحِ *** لذوي الأحوالِ
مجدُهُ إذ يُحسَبْ *** للرسولِ يُنسَبْ
وهو السيفُ الأشطبْ *** للعدوِ القالِ
مُلحِقُ المملوكِ *** بعزِ الملوكِ
وهو في السلوكِ *** كعبة الآمالِ
أوحدُ الأخيارِ *** وارث المختارِ
نائبُ الكرّارِ *** في كلِ الخِلالِ
ترجمانُ الخلقِ *** عن رسولِ الحقِ
شمسُ قُطرِ الشرقِ *** كوكبُ المعالي
فالرضا يغشاهُ *** من ندى مولاهُ
ما سمتْ علياهُ *** قبة الهلالِ
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتمايل طرباً، وأسمعه يقول لرجلٍ أمامه : أنا أمرتُه بمدح السيد أحمد الرفاعي، فقال الرجل : مدْحُ الولدِ مدحُ الوالدِ يا رسول الله. فضحك عليه الصلاة والسلام، وكان سيدي السيد أحمد مطرقاً بتلك الحضرة الرفيعة متوجهاً إلى الجناب النبوي لا يلتفت يميناً ولا يساراً. فلما أخذ القومُ حصتَهم من الحال، أشار لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدمتُ إليه فقال : مباركٌ أنتَ ومن مدحتَ، إني أحبكما وأحب من يحبكما. فخدمتـُه بالصلاة والسلام عليه، فألبسني عليه من ربه أفضلُ الصلوات وأشرف التسليمات طاقيةً بيضاءَ، وقال: تحت هذه الغوثيةُ والقطبية. وتبسم فبرق لي منه نور استوعب كلي، ونظر إلي نظر رأفة ورحمة، فطاب قلبي وداخلَ سري من الحال النوراني والأمر الرباني ما لا أقدر على أداء تعبيره، واستيقظت مبتهجاً بإحسان المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وظهر ذلك اليوم قمت على البركة أسير من طريق الصحراء من قبيلة إلى قبيلة , حتـى انحـدرت من طريق تدمر إلى القطيفة, ومنها إلى دوما, ثم إلى دمشق, وأقمت بصالحيتها أياماً وأنا أطوف على مراقد الأنبياء والأولياء والزهاد والعباد, عليهم جميعاً السلام والرضوان.
من كتاب بوارق الحقائق - للإمام الرواس