بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأنبياء والمرسلين.
وبعد أعزائي حديثنا في هذه القصة سيدور حول الصحابي الجليل :خباب بن الأرث رضي الله عنه،
هو خباب بن الأرت ويكنى بأبي عبد الله،وهو عربي النسب من تميم نشأ في أسرة فقيرة وضعيفة
كانت تعيش بعيدا عن مكة ،وذات يوم وخباب لم يزل طفلا صغيرا ،سطا على أسرته قطاع طرق
فقتلوا أباه وأخذوه مع أمه وأخته أسرى ،فباعوا أمه وأخته في منطقة بعيدة ومجهولة وأخذوه وحيداً إلى مكة .
وباعوه في سوق العبيد،اشترت (أم أنمار)خباب وكانت أمرأةً غنيةً ومن النساء المنعّمات في مكة
وعاش خباب في بيت (أم أنمار)عيشة حسنة ،حيث كانت (أم أنمار)تعطف عليه عطفاً كبيراً
وعاملته معاملة الأم لطفلها ،وتعلم خباب صناعة السيوف،حتى صار من أشهر صناع السيوف في مكة درّت عليه
هذه الصنعة مالاً كثيراً،صرف معضمه على سيدته (أم أنمار)التي ربته وكانت بالنسبة له بمثابة أمه التي أفتقدها،
إسلام خباب :
كان خباب في مكة يرى الناس يعبدون أصناماً لا تنفعهم ولا تضرهم فلم يقتنع بهذه العبادة ،ولم يمارسها طول حياته في مكة
،وذات يوم وكان قد تجاوز العشرين من عمره،سمع أن محمداً بن عبد الله يدعو إلى دين جديد
يُحرم الظلم والفساد ويساوي بين الناس في الحقوق والواجبات ،فالكل أمام الله سواء،
فأدرك على الفور صدق ما يدعوا إليه محمد صلى الله عليه وسلم،فأسرع إلى لقائه وشهد الشهادتين،
خباب وكفار قريش:
منذ أن أسلم خباب بدأ معه كفار قريش أبشع قصة تعذيب شهدتها البشرية وتلك كانت عادتهم مع كل من يدخل
في الإسلام خاصةً إن كان من العبيد أو الضعفاء أمثال خباب!
ولذلك انتزعوا خباب من داره وأخذوا كل ما فيها من الحديد والسيوف وصنعوا منها مكاوٍ تحمى في النار
ويكوى بها جسده،واستعانوا(بأم أنمار)فكانت تأخذ الحديد المحمّى الملتهب وتكوي به رأس خباب
كانوا يفعلون ذلك ليكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ،ولكن خباب لم يستجب لهم،
سأله ذات يوماً عمر بن الخطاب رضي الله عنه عما لاقى من عذاب الكفار والمشركين فقال له:
يا أمير المؤمنين،انظر إلى ظهري !...فنظر عمر رضي الله عنه إلى ظهر خباب ثم قال:
(ما رأيت كاليوم ظهر رجل)!...فقال له خباب :لقد أوقدوا ناراً وسحبوني عليها!...
فما أطفأها إلا لحم ظهري!...
مواقف خباب رضي الله عنه في الإسلام:
لقد كان لخباب بن الأرث رضي الله عنه مواقفاً عظيمة في تاريخ الإسلام منها:
1-أنه كان سادس ستةِ في الإسلام أسلم بعد أبي بكروعلي وصهيب وبلال وعمار بن ياسر
2-أنه صبر على العذاب في سبيل الله ولم يعط الكفار ما سألوه ،قال الشعبي :
(إن خباباً صبر ولم يعط الكفار ما سألوه ،فجعلوا يلزقوا ظهره بالحجارة المحماة حتى ذهب لحم ظهره)
3-أنه انتقل بعد إٍٍٍٍٍٍٍسلامه من صانع سيوف إلى معلم للقرآن فكان يذهب إلى بيوت بعض الصحابة
ويعلمهم القرآن ويقرأه عليهم ،كم شارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل الغزوات والحروب
ولم يتخلف عن واحدةٍ منها.
4-شارك في حروب الردة التي قاده أبو بكر الصديق رضي الله عنه ،وشارك في فتوحات الإسلام
في عهد الخلفاء الراشدين.
مناقبه رضي الله عنه :
مناقبه كثيرة ومتنوعة وهي أكثر من أن تحصى أهمها:
1-أن الله سبحانه وتعالى انتقم له ممن عذبوه !...فلقد رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوماً والحديد المحمى فوق رأسه يكويه،فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء وقال:
(اللهم انصر خباباً)،فحدث بعدها أن مرضت (أم أنمار)وأصابها الصرع فكانت تعوي مثل الكلاب ولم يجدوا
لها علاجاًإلا الكي بالنار على رأسها ،تماماً كما كانت تفعل بخباب!...
2-أن القرآن الكريم دافع عنه ،فما يروى :أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يفرق في مجلسه
بين غني وفقير ولا بين سيد أو عبد ،فطلب بعض كبار قريش وسادتها من النبي صلى الله عليه وسلم
أن يجعل يوماً لهم يجلسون فيه معه ،ويوماً آخرللفقراء والضعفاء والعبيد مثل (صهيب وبلال وعمار وخباب...)
وقبل أن يرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب سادة قريش نزل القرآن الكريم يدافع عن
الضعفاء والعبيد (ومنهم خباب)ويوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم يقول سبحانه وتعالى:
(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسلبهم من شيء
فتطردهم فتكون من الظالمين)فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأىخباباً أو أحد رفاقه
بالغ في إكرامه، ويقول:(أهلاً بمن أوصى بهم ربي ).
وفاته رضي الله عنه :
يروى عنه أنه مرض في آخر حياته والتهبت عليه جروحه التي أصيب بها عندما كواه المشركين يوم إسلامه،
فدخل عليه بعض أصحابه فنظر إليهم وقال :(لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعوا
بالموت لدعوت به )ومات ودفن في الكوفة وهو أول من دفن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الكوفة.
وكان موته رضي الله عنه سنة (37)هجرية وعمره (73)سنة.
ويروى أن سيدنا علي كرم الله وجهه مرَّ بقبر وهو عائد من الكوفة ،فقال لأصحابه :(قبر من هذا)
فقالوا :هذا قبر خباب بن الأرت،فقال علي كرم الله وجهه:
(رحم الله خباباً،لقد أسلم راغباً،وهاجر طائعاً،وعاش مجاهداً).
وصدق الله العظيم ،الذي يقول :(من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى
نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)
والحمد لله رب العالمين.
