بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
لابد أن نذكر حد علم التصوف و موضوعه وفائدته ليكون الناس فيه على بصيرة
(فحده) علم يعرف كيفية تصفية الباطن من عيوب النفس وصفاتها المذمومة كالحقد و الحسد و الغش و الغل وطلب العلو و حب الثناء و الكبر و الرياء و الغضب و الأنفة و الطمع و البخل وتعظيم الأغنياء و الاستهانة بالفقراء و نحو ذلك , فالتصوف هو التخلي عن الرذائل و التحلي بأنواع الفضائل و يقال هو حفظ حواسك و مراعاة أنفاسك و يقال هو الاكباب على العمل و الإعراض عن العلل ويقال هو استعمال الوقت فيما هو أولى ولذا قالوا الصوفي هو ابن وقته.
وقال الجنيد: التصوف إن يميتك الحق عنك ويحييك به يعنى إن يميتك عن نظرك لنفسك و يحييك بذكره و مناجاته وهذا اكمل درجات التصوف و انه إنما يدرك بالذوق لقول العارف الشعراني في طبقاته: التصوف عبارة عن علم انقدح في قلوب الأولياء حين استنارت بالعمل بالكتاب و السنة فكل من عمل بهما انقدح له من ذلك علوم وآداب و أسرار وحقائق تعجز الألسن عنها. ولذا قال بعضهم:
علم التصوف علم ليس يدركه
إلا اخو فطنة بالحــق معروف
وكيف يعرفه من ليس يشهده
وكيف يشهد ضوء الشمس مكفوفومبناه على التمسك بآداب الشريعة و التباعد عن الشبهات وحفظ الحواس وعد الأنفاس للتحرر من الغفلات و موضوعه أفعال القلب و الحواس من حيث التزكية و التصفية و فائدته إصلاح و امتلاء من العبر و ان ينقطع لعبادة ربه عن البشر و استوى عنده الذهب و المدر و الصوفية مقتدون فى الزهد فى الدنيا و الانقطاع للعبادة بأهل الصفة رضى الله عنهم وهى سقيفة اتخذها فقراء الصحابة فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم منسوبون للصفة فأصل صوفي صفى فابدل أحد أحرف التضعيف وقيل نسبة للصوف لكونهم اختاروا لبسه زهداً في الدنيا وقيل إن الصوفي مشتق من صفاء القلب فيه وعليه قول بعضهم:-
ان التصوف أن تصفوا بلا كدر
وتتبع الحق و القرآن والدينا(وقول بعضهم):
وان ترى خاشعاً لله مكتئبا
على ذنوبك طول الدهر محزونا
ولست امنح هذا الاسم غير فتى
صافى فصوفي حتى سمى الصوفيواعلم ان طريق الصوفية هى طريق الأبرار ولم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة و التابعين ومن بعدهم طريقة الحق و الهداية واصلها العكوف على العبادة و الانقطاع الى الله و الإعراض عن زخرف الدنيا و زينتها فلما فشا الإقبال على الدنيا وجنح الناس الى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية فلما كتبت العلوم ودونت و ألف الفقهاء فى الفقه و أصوله و التوحيد و التفسير و غير ذلك كتب فى أحكام الورع ومحاسبة النفس فى الأخذ و الترك ومنهم من كتب فى آداب الطريق ومنهم من جمع بين ذلك وهذا العلم هو علم الوراثة المشار إليه بخبره
(من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم).