:D
حقوق الأخوة والصحبة
مختصر من إحياء علوم الدين للإمام الغزالي
اختصار: د. محمود أبو الهدى الحسيني
أولًا- مقدمة:
عقد الأخوة رابطة بين الأخَوين، كعقد النكاح بين الزوجين.
وكما يقتضى النكاح حقوقاً يجب الوفاء بها فكذا عقد الأخوة.
وحقوق الأخوة سبعة:
- حق في المال.
- وحق في اللسان.
- وحق في النفس.
- وحق في العفو عن الزلات.
- وحق في الدعاء.
- وحق في الوفاء.
- وحق في ترك التكلُّف والتكليف.
ثانيًا- حقوق الأخوة:
1- حق الأخوَّةِ في المال:
الأخَوَانِ تتمُّ أُخوتهما إذا ترافقا في مقصد واحد. فهما كالشخص الواحد، وهذا يقتضي المساهمة بينهما في السراء والضراء ، والمشاركة في كل الأحوال.
ومواساة الأخ بالمال يكون على ثلاث مراتب :
أ - أدناها أن تنزله منزلة خادمك، فتقوم بحاجته من فضلة مالك. فإذا احتاج وكانت عندك فضلة عن حاجتك ، أعطيته ، ولم تحوجه إلى السؤال . فإن أحوجته إلى السؤال فهو تقصير في حق الأُخُوَّة .
ب- أن تنزله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته إياك في مالك. حتى تسمح بمشاطرته في المال.
ج- وهي أعلاها ، أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك. وهذه هي رتبة الصدِّيقين، ودرجة المتحابين.
فإن لم تصادف نفسك في رتبةٍ من هذه الرتب مع أخيك ، فاعلم أن عقد الأخوة لم ينعقد بعد في الباطن. وإنما الجاري بينكما مخالطة جسمية.
أقوال وحكايات لطيفة:
- خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر يغتسل عندها ، فأمسك حذيفة بن اليمان الثوب ، وقام يستر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اغتسل . ثم جلس حذيفة ليغتسل ، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوب، وقام يستر حذيفة عن الناس . فأبى حذيفة وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا تفعل . فأبى عليه السلام إلا أن يستره بالثوب حتى اغتسل.
- وقال صلى الله عليه وسلم " ما اصطحب اثنان قط إلا كان أحبهما إلى الله أرفقهما بصاحبه"
- وقال سيدنا علي رضي الله عنه: عشرون درهماً أعطيها أخي في الله، أحبُّ إليَّ من أن أتصدق بمائة درهم على المساكين.
- وقال ابن عمر رضي الله عنهما ، أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسُ شاة ، فقال: أخي فلان أحوج مني إليه، فبعث به إليه ، فبعثه ذلك الإنسان إلى آخر فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر ، حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة.
- وجاء فتح الموصلي إلى منزل أخ له في الله ، وكان غائباً ، فأمر أهله فأخرجت صُندوقه ، ففتحه وأخذ حاجته . ولما عاد أخبرته جاريته بالخبر ، فأعتقها من شدة سروره وفرحه بما كان وقال لها: أنت حرة لوجه الله.
وقال أبو سليمان الداراني : إني لألقم اللقمة أخاً من إخواني فأجد طعمها في حلقي.
2- حق الأخوة في النفس:
وتكون الإعانة بالنفس من خلال قضاء الحاجات والقيام بها قبل السؤال.
وهي أيضًا على ثلاث مراتب:
أ - أدناها القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة مع البشاشة والاستبشار، وإظهار الفرح.
ب- أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك.
ج - أن تكون حاجة أخيك أهم من حاجتك، ولا تقتصر على قضاء حاجته، بل تجتهد في البداية بالإكرام في الزيادة، والإيثار والتقديم على الأقارب والولد.
أقوال وحكايات لطيفة:
- قال بعضهم : إذا استقضيت أخاك حاجة فلم يقضها، فذكره ثانية فلعله أن يكون قد نسي، فإن لم يقضها فكبر عليه ، واقرأ هذه الآية ( والموتى يبعثهم الله )
- وقضى ابن شبرمة حاجة لبعض إخوانه كبيرة، فجاء بهدية فقال ما هذا ؟ قال لما أسديته إليّ . فقال خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يُجهد نفسه في قضائها، فتوضأ للصلاة، وكبر عليه أربع تكبيرات، وعده في الموتى.
- وقال ميمون بن مهران : من لم تنتفع بصداقته، لم تضرك عداوته.
3- حق الأخوة في اللسان:
ويكون تارة بسكوت اللسان، وتارة بنطقه.
أ- حق الأخ في سكوت اللسان ويتلخص بالآتي:
1- السكوت عن ذكر عيوبه وقت غيابه وحضوره.
وما من شخص إلا ويمكن تحسين حاله بخصال فيه ، ويمكن تقبيحه أيضاً. ولو طلبَ الإنسانُ أخًا منزهاً عن كل عيب اعتزل عن الخلق كافة، ولن يجد من يصاحبه، فما من أحد من الناس إلا وله محاسن ومساوي، فإذا غلبت المحاسن المساوي فهو الغاية.
وستر العيوب ، والتجاهل والتغافل عنها شيمة أهل الدين. ويكفيك تنبيها على كمال الرتبة في ستر القبيح وإظهار الجميل، أن لله تعالى وُصف به في الدعاء ، فقيل: يا من أظهر الجميل وستر القبيح. والمرضي عند الله تعالى من تخلق بأخلاقه، فإنه ستّار العيوب، وغفّار الذنوب.
2- السكوت عن السؤال عن أحواله الخاصة تَجَسُّسًا عليه.
3- السكوت عن أسراره التي أسرَّ بها إليه، فلا يبثها إلى غيره البتة، ولا إلى زوجته أو أخص أصدقائه، ولا يكشف شيئاً منها أبدًا، حتى لو حصلت بينه وبين أخيه قطيعة أو تنافر. ومن أفشى السر عند الغضب فهو اللئيم.
ومن السكوت عن إفشاء سرِّ أخيه الذي استودعه إياه ، أن ينكره إن سُئِل وإن كان كاذبا فليس الصدق واجبا في كل مقام.
4- السكوت عن ذمِّ أحبابه وأهله وولده.
5- السكوت عن ذمِّ غيره له فإن الذي سبَّك هو من بلَّغَك.
إلا إذا وجب عليه النطق في أمر بمعروف أو نهي عن منكر، ولم يجد رخصة في السكوت.
6- السكوت عن الجدال والمماراة معه، لأنَّ أشد الأسباب لإثارة نار الحقد بين الإخوان المماراة والمناقصة، فإنها عين التدابر والتقاطع. والتقاطع يقع أولا بالآراء، ثم بالأقوال، ثم بالأبدان.
ومن رد على غيره كلامه فقد نسبه إلى الجهل والحمق، أو إلى الغفلة والسهو عن فهم الشيء على ما هو عليه. وكل ذلك من الاحتقار له.
قال أبو أمامة الباهلي: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتمارى ، فغضب وقال: "ذروا المراء لقلة خيره وذروا المراء فإن نفعه قليل وإنه يهيج العداوة بين الإخوان "
أقوال وحكايات لطيفة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ستر عورة أخيه ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة"
وقال صلى الله عليه وسلم: "المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس : مجلس يسفك فيه دمٌ حرامٌ ، ومجلس يستحل فيه فرجٌ حرامٌ ، ومجلسٌ يستحل فيه مال من غير حِلِّهِ"
وقال عيسى عليه السلام للحواريين ، كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائما وقد كشف الريح ثوبه عنه ؟ قالوا نستره ونغطيه. قال: بل تكشفون عورته. قالوا: سبحان الله ! من يفعل هذا؟ فقال: أحدكم يسمع بالكلمة في أخيه، فيزيد عليها ويشيعها بأعظم منها.
و قال ابن المبارك : المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العثرات.
وقال الفضيل : الفتوة العفو عن زلات الإخوان.
وقال الشافعي رحمه الله : ما أحد من المسلمين يطيع الله ولا يعصيه ولا أحد يعصي الله ولا يطيعه، فمن كانت طاعته أغلب من معاصيه فهو عدل.
وقيل : صدور الأحرار قبور الأسرار.
وقيل لرجل كيف تحفظ السر؟ فأجاب: أستره وأستر أني أستره .
وأسرَّ بعضُهم سِرًّا لأخيه ، ثم قال له: حفظت ؟ فقال: بل نسيت.
وقال عبد الله بن الحسن: إياك ومماراة الرجال ، فإنك لن تعدم مكر حليم ، أو مفاجأة لئيم.
وقال بعض السلف : أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان ، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.
ب- حق الأخ في نطق اللسان ويتلخص بالآتي:
أولًا- التودد إلى أخيه باللسان.ومنه الأمور الآتية:
1- إخباره بحبه له.
2- مخاطبته بأحب أسمائه إليه.
3- الثناء عليه بمحاسن أحواله.
4- الثناء على أولاده وأهله وصنعته وعقله وخُلُقه وهيئته من غير كَذِبٍ أوإفراط.
5- تبليغه ثناء من أثنى عليه، مع إظهار الفرحِ بذلك، فإن إخفاء ذلك يدل على الحسد.
6- شكره على صنيعه الجميل، أو على نيته لذلك.
7- إظهارُ المشاركة له في السرور بأحواله التي يسر بها.
8- إظهارُ المشاركة له في كراهية ما يكرهه.
ثانيًا- السؤال عن أحواله العامة، وإظهارُ انشغال البال بسببها.
ثالثًا- الذبُّ عنهُ في غَيْبته، إذا تَعرِّض لِعِرضِهِ أَحَدٌ تصريحًا أو تلميحًا.
رابعًا-تعليمه ونصيحته في كل ما ينفعه في الدين والدنيا.
ولكن ينبغي أن يكون ذلك في السرِّ فلا يطلع عليه أحد. فإن علمت أن النصح غير مؤثر فيه، وأنه مضطر من طبعه إلى الإصرار عليه فالسكوت عنه أولى.
أقوالٌ وحكايات لطيفة:
قال عليه السلام " إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره"
وقال صلى الله عليه وسلم " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله "
وقال علي رضي الله عنه : من لم يحمد أخاه على حسن النية لم يحمده على حسن الصنيعة.
وقال عمر رضي الله عنه . ثلاثٌ يصفين لك ود أخيك أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه.
وقال عمر لسلمان وقد قدم عليه: ما الذي بلغك عني مما تكره؟ فاستعفى (أي طلب أن يعفيه من الجواب) فألح عليه، فقال: بلغني أن لك حلتين تلبس إحداهما بالنهار والأخرى بالليل، وبلغني أنك تجمع بين إدامين على مائدة واحدة، فقال عمر رضي الله عنه : أما هذان فقد كفيتهما، فهل بلغك غيرهما ؟ فقال لا.
ونظر أبو الدرداء إلى ثورين يحرثان في فدان ، فوقف أحدهما يحك جسمه ، فوقف الآخر فبكى وقال : هكذا الإخوان في الله ، يعملان لله ، فإذا وقف أحدهما وافقه الآخر.
وقال مجاهد : لا تذكر أخاك في غيبته إلا كما تحب أن يذكرك في غيبتك.
وقال بعضهم : ما ذكر أخ لي بغيب إلا تصورته جالسا فقلت فيه ما يحب أن يسمعه لو حضر.
وقال آخر : ما ذكر أخ لي إلا تصورت نفسي في صورته، فقلت فيه مثل ما أحب أن يقال فيّ.
وقال الشافعي رضي الله عنه : من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه.
4- حق الأخوة في العفو عن الزلات:
وزلة الأخ نوعان:
- زلة بارتكاب معصية.
- وزلة بالتقصير في حقوق الأخوة.
- زلة الأخ بارتكاب معصية:
- يجب التلطف في نصحه بما يعيد إلى الصلاح والورع حاله.
فإن بقي مُصِرًّا، فللسلف في إدامة أخوته أو قطعها مذهبان:
1- مذهب أبي ذر رضي الله عنه:
وهو قطع مودته.
قال رضي الله عنه: إذا انقلب أخوك عما كان عليه، فأبغضه من حيث أحببته. وهو يرى ذلك من مقتضى الحب في الله، والبغض في الله.
2 - مذهب أبي الدرداء وجماعة من الصحابة:
وهو إدامة مودته مع دوام النصح له، وهي الطريقة الأقوم، وهي ألطف من طريقة أبي ذر رضي الله عنه، وأحسن وأسلم.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إذا تغير أخوك، وحال عما كان عليه، فلا تدعه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوج مرة، ويستقيم أخرى.
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في عشيرته : (فإن عصوك فقل إني بريءٌ مما تعملون ) ولم يقل إني بريء منكم.
وقيل لأبي الدرداء: ألا تبغض أخاك وقد فعل كذا ؟ فقال: إنما أبغض عمله، وإلا فهو أخي وأخوة الدين أوكد من أخوة القرابة.
وقال إبراهيم النخعي: لا تقطع أخاك، ولا تهجره عند الذنب بذنبه، فإنه يرتكبه اليوم ويتركه غدا.
وقال أيضا : لا تحدثوا الناس بزلة العالم، فإن العالم يزل الزلة ثم يتركها.
وفي الخبر " اتقوا زلة العالم ولا تقطعوه وانتظروا فيئته "
وقد سأل عمر رجلًا عن أخ كان آخاه ثم سافر إلى الشام، فسأل عنه بعض من قدم عليه، وقال : ما فعل أخي؟ قال له الرجل: ذلك أخو الشيطان. قال: مه. قال: إنه قارف الكبائر حتى وقع في الخمر. قال: إذا أردت الخروج فآذنّي، فكتب عند خروجه إليه: بسم الله الرحمن الرحيم " حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب " الآية ثم عاتبه وعذله. فلما قرأ الكتاب بكى، وقال: صدق اللهُ ونصحَ لي عمرُ . فتاب ورجع.
وحكي أن أخوين ابتلى أحدهما بهوى، فأخبر أخاه، وقال: إني قد اعتللت، فإن شئت أن لا تعقد على صحبتي لله فافعل. فقال: ما كنت لأحل عقد أخوتك لأجل خطيئتك أبدا. ثم عقد عهدًا بينه وبين الله أن لا يأكل ولا يشرب حتى يعافي الله أخاه من هواه، فطوى (جائعًا) أربعين يوما يسأله فيها عن هواه فكان يقول: القلب مقيم على حاله، ومازال هو يقاسي من الغم والجوع حتى زال الهوى عن قلب أخيه بعد الأربعين. فلما أخبره بذلك، أكل وشرب بعد أن كاد يتلف هزالا وضرا.
وحكي عن أخوين من السلف ، انقلب أحدهما عن الاستقامة، فقيل لأخيه: ألا تقطعه وتهجره؟ فقال: أحوج ما كان إلي في هذا الوقت لما وقع في عثرته أن آخذ بيده، وأتلطف له في المعاتبة، وأدعو له بالعود إلى ما كان عليه.
وقال جعفر بن سليمان: مهما فترت في العمل ، نظرت إلى محمد بن واسع وإقباله على الطاعة، فيرجع إليّ نشاطي في العبادة، ويفارقني الكسل.
- زلة الأخ بالتقصير في الأخوة:
والأولى فيها العفو والاحتمال، وكل ما يحتمل أخذه على وجه حسن ، ويتصور له عذر قريب أو بعيد ، فالعفو واجبٌ فيه بحق الأخوة.
وقد قالوا : ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذرا، فإن لم يقبله قلبك فرد اللوم على نفسك، وتقول لقلبك: ما أقساك ! يعتذر إليك أخوك سبعين عذرا فلا تقبله! فأنت المعيب لا أخوك.
وقد قيل :
خذ من خليلك ما صفا = ودع الذي فيه الكدر
وقال بعضهم : الصبر على مضض الأخ خير من معاتبته، والمعاتبة خير من القطيعة، والقطيعة خير من الوقيعة.
5- حق الأخوة في الدعاء:
وذلك بالدعاء للأخ في حياته وبعد مماته، بكل ما يحب لنفسه ولأهله، فتدعو له كما تدعو لنفسك، فإن دعاءك له دعاء لنفسك على التحقيق .
قال صلى الله عليه وسلم: " إذا دعا الرجل لأخيه في ظهر الغيب قال الملك: ولك مثل ذلك "
وكان أبو الدرداء يقول : إني لأدعو لسبعين من إخواني في سجودي، أسميهم بأسمائهم.
وكان محمد بن يوسف الأصفهاني يقول: وأين مثل الأخ الصالح؟ أهلك يقتسمون ميراثك ويتنعمون بما خلفت، وهو منفرد بحزنك، مهتم بما قدمت وما صرت إليه، يدعو لك في ظلمة الليل، وأنت تحت أطباق الثرى.
وكأن الأخ الصالح يقتدى بالملائكة إذ جاء في الخبر " إذا مات العبد قال الناس ما خلف؟ وقالت الملائكة: ما قدّم ؟
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مثل الميّت في قبره مثل الغريق يتعلق بكل شيء، ينتظر دعوة من ولد أو والد أو أخ أو قريب وإنه ليدخل على قبور الأموات من دعاء الأحياء من الأنوار مثل الجبال "
وقال بعض السلف : الدعاء للأموات بمنزلة الهدايا للأحياء، فيدخل الملك على الميت ومعه طبق من نور، فيقول هذه هدية لك من أخيك فلان، فيفرح بذلك كما يفرح الحي بالهدية .
6- حق الأخوة في الوفاء:
ومعنى الوفاء الثبات على الحب وإدامته إلى الموت، ويبقى بعد الموت مع أولاده وأصدقائه.
قال عليه الصلاة والسلام ، في السبعة الذين يظلهم الله في ظله " ورجلان تحابّا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه "
روى أنه صلى الله عليه وسلم أكرم عجوزًا أدخلت عليه فقيل له في ذلك، فقال: "إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان"
وقال بعضهم : قليل الوفاء بعد الوفاة خير من كثيره في حال الحياة.
فمن الوفاء للأخ مراعاة جميع أصدقائه وأقاربه.
ومهما قطع الأخ الوفاء، شَمَّتَ به الشيطان، قال الله تعالى: ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ) وقال مخبراً عن يوسف: ( من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي )
وما تآخى اثنان في الله ، فيفَرَّقُ بينهما، إلا بذنب يرتكبه أحدهما.
ومن الوفاء أن لا يتغير حاله في التواضع مع أخيه، وإن ارتفع شأنه، وعظم جاهه. فالترفع على الإخوان بما يتجدد من الأحوال لؤم.
قال الشاعر
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في المنزل الخشن
7- حق الأخوة في ترك التكلُّف والتكليف:
وذلك بأن لا يكلِّفَ أخاه ما يصعبُ عليه، ولا يحمِّلُه شيئا من أعبائه، ولا يستمد منه جاهً ولا مالا،
ولا يكلفه القيام بحقوقه.
بل يقصد بمحبته الله تعالى، ويقصد التبرك بدعائه، والاستئناس بلقائه، والاستعانة به على دينه، والتقرب إلى الله تعالى بالقيام بحقوقه.
وتمام التخفيف ، بطيّ بساط التكليف.
والناس ثلاثة :
- رجل تنتفع بصحبته.
- ورجل تقدر على أن تنفعه، ولكن لا تنتفع به ولا تتضرر به.
- ورجل لا تقدر على أن تنفعه ولكن تتضرر به.
فاجتنب الثالث أما الثاني فلا تجتنبه ، لأنك تنتفع في الآخرة بشفاعته وبدعائه ، وبثوابك على القيام به.
أقوال وحكايات لطيفة:
قال صلى الله عليه وسلم " أنا والأتقياء من أمتي برآء من التكلُّف "
وقال علي رضي الله عنه: شر الأصدقاء من تكلف لك، ومن أحوجك إلى مداراة، وألجأك إلى اعتذار.
وكان جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما يقول : أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه وأخفهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي.
وقال الجنيد : ما تواخى اثنان في الله فاستوحش أحدهما من صاحبه أو احتشم ، إلا لعلة في أحدهما.
وقال بعض الحكماء : من جعل نفسه عند الإخوان فوق قدره أثم وأثموا. ومن جعل نفسه في قدره تعب وأتعبهم. ومن جعلها دون قدره سلم وسلموا.
وقال رجل للجنيد: قد عز الإخوان في هذا الزمان . أين أخ لي في الله ؟ فأعرض الجنيد حتى أعاده ثلاثا . فلما أكثر قال الجنيد : إن أردت أخا يكفيك مؤنتك، ويتحمل أذاك، فهذا لعمري قليل. وإن أردت أخا في الله ، تحمل أنت مؤنته، وتصبر على أذاه، فعندي جماعة أعرفهم لك. فسكت الرجل.
وقال الفضيل : إنما تقاطع الناس بالتكليف، يزور أحدهم أخاه فيتكلف له، فيقطعه ذلك عنه.
وقيل لبعضهم : من نصحب ؟ قال من يرفع عنك ثقل التكلف، وتسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ.
وقال آخر : لا تصحب إلا من يتوب عنك إذا أذنبت، ويتعذر إليك إذا أسأت ويحمل عنك مؤنة نفسك، ويكفيك مؤنة نفسه.
وقد قال بعضهم : صحبت الناس خمسين سنة ، فما وقع بيني وبينهم خلاف. فإني كنت معهم على نفسي . ومن كانت هذه شيمته كثر إخوانه .
و قيل : من سقطت كلفته، دامت ألفته، ومن خفت مؤنته، دامت مودته.
وقول العرب في تسليمهم: مرحبا وأهلا وسهلا؛ أي لك عندنا مرحب وهو السعة في القلب والمكان، ولك عندنا أهل تأنس بهم بلا وحشة، ولك عندنا سهولة في ذلك كله، أي لا يشتد علينا شيء مما تريد.
ثالثًا- ملحق - حقوق الأخوة في الجوارح:
1- حق البصر:
- بالنظر إليهم نظر مودة ، وبالنظر إلى محاسنهم، والتعامي عن عيوبهم، والإقبال بالبصر عليهم في وقت إقبالهم وكلامهم.
وكان صلى الله عليه وسلم يعطي كل من جلس إليه نصيبا من وجهه.
وكان عليه الصلاة والسلام أكثر الناس تبسما وضحكا في وجوه أصحابه، وتعجبا مما يحدثونه به.
2 - حق السمع:
بسماع كلام الأخ مع التلذذ به ، وإظهار الاستبشار به، والامتناع عن سماع ما يكرهه.
وكان صلى الله عليه وسلم ما استصغاه أحد إلا ظن أنه أكرم الناس عليه.
3 - حق اللسان:
فلا يرفع صوته على أخيه ولا يخاطبه إلا بما يفقه.
4 - حق اليدين:
فلا يقبضها عن معاونة أخيه.
5 - حق الرجلين:
بالمشي بهما في حاجة أخيه، ويقوم لأخيه إذا أقبل، ولا يقعد إلا بقعوده .