ربنا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)
ومن أخلاقهم رضي الله عنهم :
كثرة الشفقة على المسلمين ؛ الطائع والعاصي وعلى سائر الحيوانات والعملُ على حصول
عدمِ نقصٍ لدين أحد بسببهم ، وهذا من أشرف
أخلاقهم ولا يقدر على العمل به إلا مَن نوّر الله تعالىبصره ، وكان أشفق على الناس من أنفسهم
بحكم الإرث لرسول الله صلى اللهعليه وسلم وهناك يرغب
الناس في القُرب منهحتى ربما زادوافي الدار
المجاورة له أكثر من المجاورة لأهلهم .
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول :
يزاد في ثمن الدار إذا كان جارها طلقَ الوجه حُلو اللسان .
وقد كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله تعالى من المبالغين في
التخلق بالرحمة حتى أنه ربما كان يمَّر بالقوم فلا يسلم
عليهم ويقول : أخاف أن يحتقروني فل يردُّوا عليّ السلام فيأثموا بسببي .
وكان أبو عبد الله الأنطاكي رحمه الله تعالى يقول :
إذا علمتَ من الناس الوقوع في عرضك إذا رأُوك؛
فلا تجتمع بهم رحمة لهم إلا في أوقات الصلاة
وكان أبو عبد الله المغاربي رحمه الله تعالى يقول : مَن لم ينظر للعصاة بعين الرحمة فقد خرج عن الطريق .
وقد كان معروف الكرخي رحمه الله تعالى : إذا رأى عاصياً دعا له
بالمغفرة ورجا له الرحمة ،
ويقول : إن الله تعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم وبعثه لنجاة الناس والرحمة لهم والشيطان ـ لعنه الله -
بعث لإهلاكهم والشماتة فيهم .قال : ومرّ على معروف رحمه الله قوم في زورق
في الدجلة وبين أيديهم الخمر ونحوه ،فقيل له :ألا تدعو الله على هؤلاء
القوم العصاة ؟ فقال : اللهم كمافرَّحتهم في الدنيا ففرحهم في
الآخرة . فقالوا له : إنماسألناك أن تدعوعليهم وها أنت تدعو
لهم !! . فقال : معاذ الله ؛ أن أدعوَ على مسلم ،
وإن الله تعالى لا يفرّحهم في الآخرة إلاَّ إن تاب عليهم في الدنيا وغفر لهم ، وهذا من حسن سياسته رحمه الله .
وكان إبراهيم التييمي رحمه الله لا يدعو قط على من ظلمه ، ويقول : يكفيه ما حَلَّ عليه من وزر ظلمه .
وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى إذا نزل بفناه داره رفقة ،
وناموا يسهر يحرس متاعهم إلى الصباح من غير علمهم بذلك .
وقد روي أن موسى عليه الصلاة والسلام قال : يا رب دلني على أحب الخلق إليك ؛ فقال الله تعالى : يا موسى أحب الخلق إليّ مَن إذا سمع
بأن أخاه المؤمن شاكته شوكة حزن لها ؛ كأنها شاكته هو .
وكان سالم بن أبي الجعد رحمه الله تعال يقول : بَلَغنا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم جلس يوما في الظل ، وأصحابه رضي الله
عنهم في الشمس ، فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام
فقال يا محمد : تجلس في الظل وأصحابك في
الشمس !! . أي : عاتبه صلى الله عليه
وسلم على ذلك تشريعاً لأمته .
وكان أبو عبد الله بن عوف رحمه الله تعالى يقول :
أول ما يرفع من هذه الأمة الرَّحمة والشفقة .
وقد كان سفيان الثوري رحمه الله تعالى إذا حصل لأحد من المسلمين
أمر يهتم به سفيان ، حتى ربما يبول الدم من شدة الحصر .
وكان الحسن البصري رحمه الله تعالى يقول :
من علامة الأبدال كثرة الشفقة والرحمة لعامة
المسلمين . وكان معروف الكرخي رحمه الله
تعالى يقول : من قال كل يوم : اللهم ارحم
أمه محمد ، اللهم أصلح أمة محمد ، اللهم
فرج عن أمة محمد ؛ كتبه الله من الإبدال .
فاعلم ذلك يا أخي ، واقتد بسلفك في الرحمة ،
والحمد لله رب العالمين .
منقول من كتاب
تنبيه المغترين للشعراني
مطبعة دار البشائر