الحلم وكظم الغيظ

ومن أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم :

كثرة الحلم على من جني عليهم ، وكظم الغيظ عملا بأخلاق رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان لا يغضب لنفسه وإنما
يغضب إذا انتهكت حرمات الله عر وحل كما يأتي

وقد كان أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه يقول : أول مجازاة من حلم على من حني عليه أن يصير الناس كلهم أنصاره ،
وقد قال إبليس لعنة الله ليحيى عليه الصلاة والسلام ، أعظم مصائدي الغضب ، فبه أسرت الناس وعوقتهم عن طريق الجنة

وكان الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى إذا قيل له : إن فلانا يقع في عرضك يقول : والله لأغيظنَّ من أمره يعني : إبليس ، ثم يقول : اللهم إن كان صادقا فاغفر لي ، وإن كان كاذبا فاغفر له

وقد قال رجل لأبي هريرة رضي الله عنه : أنت أبو هريرة !؟ قال : نعم ، فقال أنت سارق الهرة !! فقال أبو هريرة ، اللهم اغفر لي ولأخي هذا ، ثم قال : هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغفر لمن ظلمنا

وقال رجل لأبي ذر رضي الله عنه :أنت الذي نفاك معاوية إلى الشام ، لو كان فيك خيرٌ ما نفاك. فقال أبو ذر : يا أخي ، إن بين يديّ عقبه سوداء فلو نجوت
منها لم يضرني ما قلت فيّ ، وإن لم أنجوُ منها ؛ فأنا شرٌ مما قلت
وقد قالت امرأة لمالك بن دينار رحمه الله تعالى : يا مُرَائي . فقال لها : يا هذه ، قد عرفتِ لقبي الذي أضلَّه أهل البصرة ، ولم يعرفونه

وقد كان علي رضي الله عنه يقول : إذا سمعت كلمة سفه فأعرض ولا تجب عنها ، فإن لها عند قائلها أخوات يجيبك بها
وكان محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى يقول : لا تغضبوا على كسر أوانيكم فإن لها آجالا كآجالكم


وقد كان مالك بن دينار رحمه الله تعالى يقول : ليس بحليم من نفَّذ غضبه في حمار و هرة . وكان يقول : أشد ما على السفيه الإعراض عن جوابه ، وإظهار عدم التأثير له

وكان الحسين بن علي رضي الله عنهما إذا شتمه أحد يقول له : يا أخي ، إن كان قولك صدقا ، فسيجازيك الله بصدقك ، وإن كان كذبا فالله أشد نقمة مني لك
وقد لطمه إنسان مرة على وجهه رضي الله عنه فلم يتغير ،
بل قال : من قدر هذا ؟
فقيل له : الله تعالى قدره . فقال : أَفترون أني أردُّ قضاء الله !؟

وكان ابن المقنع رحمه الله تعالى يقول : كظم الغيظ أولى من ذل الاعتذار.
وقيل له مرة : ما الفرق بين الحزن والغضب ؟ فقال : الحزن يكون من مخالفة من هو فوقك لهواك ، والغضب يكون من مخالفة من هو دونك لهواك
وقد كان أبو معاوية الأسود رحمه الله يدعو لمن نال منه

قال : وشتم رجل بكر بن عبد الله المزني رحمه الله وبالغ في شتمه وهو ساكت ، فقيل له : ألا تشتمه كما شتمك ؟ فقال : إني لا أعرف له شيئا من المساوي حتى أشتمه به ، ولا يحلُ لي أن أرميه بالكذب

وكان الأعمش رحمه الله تعالى يقول : قالت الأذن : لولا خوفي أن أنْصَرَّ و أنْجَمِع
بالجواب ، لطلت كما طال اللسان . وقال رجل لثور بن يزيد رحمه الله : ما قدري ، يا رافضي . فقال له : إن كنت كما قلت لي ، فأنا رجل سوء ، وإن كنت على خلاف ذلك ، فأنت في حل مني

وقد كان مكحول الدمشقي رحمه الله تعالى يقول : لا يبين حلم الرجل إلاَّ بتسليط الجاهلين عليه
وقد قال رجل مرة لسالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم : يا شيخ السوء ، فقال له سالم : ما أراك أبعدت يا أخي
وروي أن لقمان عليه السلام قال لابنه : يا بني ؟ إن أردت أن تواخي أحدا فأغضبه ، فإن أنصفك وهو مغضب فواخه ، وإلاَّ ! فاحذره

وقد سئل السري السقطي رحمه الله تعالى مرة عن الحلم ما هو ؟ فقال للسائل : أي حلم تريد ؟ فإن الحلم على خمسة أقسام :

الأول : حلم غريزي ، وهو : هبة من الله تعالى للعبد به يعفو عمَّن ظلمه ويعطي من حرمه ، ويصل به رحمه ، وان قطعت

الثاني : حلم تحالم ؟ وهو : أن يكظم العبد غيظه رجاء الثواب وفي القلب كراهة
الثالث : حلم مذموم ، وهو : حلم العبد على من جنا عليه رياء وسمعة يعني : يرائي به جلساءه ؛ وهو حاقد ساكت

الرابع : حِلمُ كبرٍ ، وهو : أن الشخص لا يراه أهلا بأن يجاوبه
الخامس : حلم مهانة ومذلة . فاعلم ذلك فإنه نفيس ،

والحمد لله رب العالمين