متى يجوز أن نحكم على المسلم بالكفر؟
المسلم من أعلن شيئا من شعائر الإسلام: شهادة أو صلاة أو إحراما ونحو ذلك، ولو لم0نعلم شيئا عن صلاحه أو تقواه، وهذا المسلم المعلم للإسلام يجب أن نجري عليه أحكام الإسلام من إلقاء للسلام عليه ومحبته وموالاته ما لم يخرج من هذا الدين، ولا يجوز لنا أن نُخرِج مسلما من دائرة الإسلام إلا وفق القواعد الآتية:
أولا:
أن يعلن الفرد عن نفسه أنه كافر، أو يلتحق بأعداء الإسلام في أرض الحرب فيكون معهم على المسلمين، أو يعبد عبادات الكفار، كمثل هذا لاشك في كفره وردته.
ثانيا:
أن يقول قولا أو يعتقد عقيدة من عقائد الكفر غير متأول، كمن قال: إن الله في كل مكان ولم يشهد بأنه سبحانه وتعالى فوق عرشه وأن عرش الله فوق سماواته، أو من قال لا حكم لله إلا ف العبادات فقط وأما في السياسات والمعاملات فالحكم لنا أو للأمة، ومن ادعى أن بشرا غير الرسل معصومون عن الخطأ، وأنهم يشفعون عند الله وإن لم يأذن الله لهم، أو من ادعى علم الغيب أو شهد به لغير الله، أو من يطلعهم الله على الغيب من الرسل فقط، هذا وغيره من اعتقادات وأقوال حكم عامة السلف على كفر قائلها ومعتقدها، ولكنهم لا يكفرون قائلها ومعتقدها إلا إذا أقيمت عليه الحجة وعرف أن هذه العقيدة التي يعتقدها والقول الذي يقوله كفر بالله، وكان في ذلك غير متأول لآية من كتاب الله أو حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً:
من عمل عملا حكم الله أو رسوله على فاعله بأنه كافر كمن حكم في قضية ما وهو يعلم أنه يحكم بغير حكم الله سبحانه وتعالى، حيث يقول سبحانه وتعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وكذلك من ترك الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: [بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة]، وكذلك من رمى مسلماً بالكفر لقوله صلى الله عليه وسلم: [من قال لأخيه ياكافر وليس كما يقول إلا حار عليه] أي إلا رجع عليه الوصف، وكذلك من انتسب إلى غير أبيه وهو يعلمه، لقوله: [من انتسب لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر]. وهذه الأعمال وغيرها مما حكم الله ورسوله على فاعلها بالكفر، فلا شك أيضا أنه لا يُكفّر فاعلها إلا إذا كان عالما بأن ما يفعله مما نهى الله عنه وكفّر فاعله وذلك لقوله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} وكذلك أن لا يكون مضطرا في ضرورة ملجئة لا حيلة له معها.
وإن كان علماء المسلمين في مثل هذا الباب قد وقفوا موقفين من حيث الحكم بالكفر، فقال بعضهم من عمل عملا قد حكم الله على فاعله بالكفر فهو كافر كفرا مخرجا من ملة الإسلام، وإنّ صاحبه مخلد في النار.. وآخرون رأوا مثل هذه الأعمال كفرها دون كفر الاعتقاد، وهؤلاء لا يجعلون كفرا يخرج من ملة الإسلام إلا الكفر الاعتقادي فقط، وأما الكفر العملي فيرونه كفرا دون كفر لا يخرج من ملة الإسلام وهذا رأي ابن عباس من الصحابة وجمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي.
وعلى كل حال فلا يجوز الحكم على مسلم بعينه بمكفر من هذه المكفرات قبل إقامة الحجة عليه والإعذار إلى الله فيه، ومعرفة بواطن أموره ولماذا صنع مثل ذلك.
ووفق هذه القواعد الثلاث نستطيع القول إن حكمنا على مسلم ما بأنه قد كفر يكون حكما صحيحا، وأما إطلاق القول على عواهنه في تكفير كل من فعل مكفّرا وإن لم تقم الحجة عليه، وكل من اعتقد عقيدة كفرية، وإن كان متأولا فلا شك أن هذا باطل وزور.
وأما إطلاق الحكم على مجتمعاتنا كلها بأنها كافرة وجاهلية وبالتالي على من لم يعرف من الإسلام بأنه كافر لأنه يعيش في مجتمع زعموه كافرا فلا شك أن مثل هذا من الضلال البيّن لأنه تكفير للمسلمين وهدم للإسلام.
http://www.al-eman.com/index.htm