:)
مشايخ الصوفية علماء اولياء
إعلم أن الإمام
الجنيد البغدادي هو الذي بيَّن مذهب أهل التصوف وبنى طريقا يوصل الناس إليهم وهو أخذ الطريقة ولبس الخرقة من خاله السري السقطي الذي أخذها من شيخه معروف الكرخي الذي أخذها ولبسها من شيخه داود الطائي وهو أخذها من الحسن البصري الذي أخذ الطريقة ولبس الخرقة من الإمام الغضنفر والسيد الأشهر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو الذي أخذ العلوم والأسرار والمعرفة والأنوار من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
العارف بالله الحسن البصري رضي الله عنه:واعلم أن شيخهم في الخرقة والطريقة وأستاذهم في البيعة والوثيقة الإمام الورع الزاهد السيد السند البطل المجاهد الشجاع، ومقتدى أكابر أهل الله العارفين، المرشد الأكمل شيخ الكل في الكل رئيس الطوائف إمام كل عارف خليفة ابن عم النبي القرشي ووارث مضمر العلم إمام العلماء الصوفية سيدنا أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار بن مطهر بن غاضرة بن قرهد وقيل فرهد (بالفاء) العوفي البصري رضي الله عنه والده أبو الحسن يسار من سبي ميسان وهي كورة واسعة عظيمة القرى والنخل بين البصرة وواسط من ارض العراق، سكن المدينة المنورة وكان مملوكا فأُعتِقَ وبقي في المدينة، وتزوج فيها وذلك في خلافة عمر رضي الله عنه.
وولد له الحسن في المدينة، لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه. كان الحسن البصري رضي الله عنه إماما في الفقه والحديث والتفسير وعلوم القرآن واللغة والأدب والبلاغة و التصوف. لبس الخرقة من الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه كما صحح ذلك الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله.
وقد أطبق القوم على أن إمام طريق التصوف من التابعين الحسن البصري رضي الله عنه، وقد انتهت إليه أسانيد الصوفية على الغالب. قال محمد بن الحسن: كان الحسن البصري قدوة وإماما في الشريعة والطريقة والسنة. وقال غيره: من أحب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بما كان عليه أصحابه، فليقتدِ بالحسن.
وكان الحسن يقول: من لبس الصوف تواضعا لله زاده الله نورا في بصره وقلبه، ومن لبسه إظهارا للزهد في الدنيا والتكبر به على الإخوان في نفسه، كُوِّرَ في جهنم مع الشياطين.
وكان يقول: ما كل الناس يصلح للبس الصوف لأنه يطلب صفاءً ومراقبة لله عزوجل. وقيل مرة: ما سبب لباسك الصوف فسكت فقيل له: ألا تجيب؟ فقال: إن قلتُ زهدا في الدنيا زكيتُ نفسي.
وقد صحح الجلال السيوطي ثبوت اجتماع الحسن البصري بسيدنا الإمام علي وتلقيه عنه وأخذه منه في كتابه المسمى “رفوا الخرقة”.
عارف بالله داود بن نصير الطائي رضي الله عنه:
وهو من أكابر القوم والأعيان وأشياخ الطريق أهل العرفان، مولانا الإمام الكبير، والزاهد العارف الشهير، خليفة الحسن البصري الإمام أبو سليمان داود بن نصير الطائي الكوفي رضي الله عنه.
قال الخطيب في تاريخه: داود بن نصير أبو سليمان الطائي الكوفي، سمع عبدالملك بن عمير وحبيب بن أبي عمرة وسليمان الأعمش ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى.
وروى عنه إسمعيل بن علية، ومصعب بن المقدام، وأبو نعيم الفضل بن دُكين.
وكان داود ممن شغل نفسه بالعلم ودرس الفقه وغيره من العلوم ثم اختار بعد ذلك العزلة، وءاثر الانفراد والخلوة، ولزم العبادة، واجتهد فيها إلى آخر عمره.
قال أبو سليمان الداراني: ورث داود الطائي من أمه دارا فكان يتنقل في بيوت الدار كلما تخرب بيت من الدار انتقل منه إلى ءاخر ولم يعمره، حتى أتى على عامة بيوت الدار.
قال: وورث من أبيه دنانير فكان يتقوت بها حتى كُفِّنَ بآخرها.
وقال داود مرة: إن كنت لا أشرب إلا باردا ولا ءاكل إلا طيبا ولا ألبس إلا لينا فما أبقيت لآخرتي!؟
وقال: صُمْ الدنيا، واجعل إفطارك الموت، وصاحب أهل التقوى ولا تدع الجماعة.
معروف بن الفيرزان الكرخي رضي الله عنه:من أكابر القوم العارفين، السالك طريق سيد المرسلين، الزاهد الذي انتهت إليه رئاسة الطريق، خليفة القطب أبو سليمان داود الطائي المعروف، يكنى أبا محفوظ، وهو منسوب إلى كرخ بغداد.
أسند عن معروف بن بكر بن خنيس وعبدالله بن موسى وابن السماك.
قال أخوه عيسى: كنتُ أنا وأخي معروف في الكُتَّاب وكنا نصارى، وكان المعلم يعلم الصبيان أب وابن، فيصيح أخي معروف أحدٌ أحد، فيضربه المعلم على ذلك ضربا شديدا، حتى ضربه يوما ضربا عظيما، فهرب على وجهه.
فكانت أمي تقول: لئن ردَّ الله علي ابني معروفا لأتبعنه على أي دين كان.
فقدم عليها معروف بعد سنين كثيرة فقالت له: يا بُني على أي دين أنت؟ قال: على دين الإسلام. قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فأسلمت أمي، وأسلمنا كلنا.
عن يحيى بن جعفر، قال: رأيت معروفا يؤذن فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، رأيت شعر لحيته وصدغه قائما كأنه زرع.
وعن عمرو بن موسى، قال: سمعنا معروفا يقول وعنده رجلٌ يذكر رجلا فجعل يغتابه فجعل معروفٌ يقول له: “أذكر القطن إذا وضعوه على عينيك، أذكر القطن إذا وضعوه على عينيك”.
وقال سري: سألت معروفا عن الطائعين بأي شيء قدروا على الطاعة لله عزوجل؟، قال: بخروج الدنيا من قلوبهم.
وعن إبراهيم البكار، قال: سمعت معروفا الكرخي يقول: إذا أراد الله بعبد خيرا فتح عليه باب العمل، وأغلق عليه باب الجدل، وإذا أراد به شرا أغلق عليه باب العمل وفتح عليه باب الجدل.
وقال مرة: ما أبالي رأيت امرأة أو رأيت حائطا.
فكان رضي الله عنه من السادات الاجلاء، وشيخا عظيما مبجلا، وكان كلامه حِكما وعِبرا، كلامه في الزهد والتصوف أخذ بالقلوب، وأثرت مواعظه في أفئدة الرجال، ترى في كلامه عبارات إنسان عاقل فطن أخذته الشفقة على الخلق فمن ذلك ما رُوي عن إبراهيم الأطروش قال: كان معروف قاعدا على دجلة ببغداد إذ مرَّ بنا أحداث في زورق يضربون الملاهي ويشربون، فقال له أصحابه: أما ترى أن هؤلاء في هذا الماء يعصون الله ادعُ الله عليهم فرفع يده إلى السماء، وقال: إلهي وسيدي أسألك أن تفرحهم في الآخرة كما فرحتهم في الدنيا، فقال له أصحابه: إنما قلنا لك ادع الله عليهم لم نقل ادع الله لهم، فقال: إذا أفرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم بشيء.
وما يدل على عِظَمِ شأن هذا الشيخ الكبير ما قاله تلميذه السري: هذا الذي أنا فيه من بركات معروف انصرفت من صلاة العيد فرأيت مع معروف صبيا شعثا، فقلت: من هذا؟ قال: رأيت الصبيان يلعبون وهذا واقف منكسر فسألته: لمَ لا تلعب؟ قال: أنا يتيم، قال سري: فقلت له: فما ترى أنك تعمل به؟ قال: لعلي اخلو فأجمع له نوى يشتري بها جوزا يفرح به، فقلت له: أعطنيه أغير من حاله، فقال لي: أوَتفعل؟ فقلت: نعم، فقال لي: خذه أغنى الله قلبك، فسويت الدنيا عندي بأقل من كذا.
وكراماته رضي الله عنه كثيرة، فمنها ما رواه خليل الصياد قال: غاب ابني إلى الأنبار فوَجدَتُ أمُّه وجدا شديدا فأتيتُ معروفا فقلت له: يا أبا محفوظ ابني قد غاب فوَجدَت أمه وجدا شديدا، قال: فما تشاء؟ قلت: تدعو الله أن يرده عليها فقال: اللهم إن السماء سماؤك، والأرض أرضك، وما بينهما لك، فأتِ به. قال خليل: فأتيتُ باب الشام فإذا ابني منبهر، فقلت: يا محمد أين كنتَ؟ فقال: يا أبتِ الساعة كنت بالأنبار.
وعن أبي بكر الزجاج، قال: قيل لمعروف الكرخي في عِلَّتِه: أوصِ، فقال: إذا متُّ فتصدقوا بقميصي هذا فإني أحب أن أخرج من الدنيا عريانا كما دخلت إليها عريانا.
توفي رضي الله عنه ببغداد وقبره ظاهر، ويُستسقى به ويُتبرك، وهو محل إجابة الدعاء كما هو مشهور. وكان إبراهيم الحربي يقول: قبر معروف الترياق المجرب، أي لإجابة الدعوة.
:arrow: