السيد الشيخ احمد الرفاعي (رضي الله عنه)
باب في ذكر ولادته ونشأته المباركة
في كيفية ولادته ونشأته
وسنذكر في هذا الباب أبحاث لطيفة تذكر بعض بشارات إنبات عن ظهوره وإشراق نوره منها ما ذكره الشيخ أبو بكر العدني العيد روسي في كتابه النجم الساعي إن الشيخ منصور البطائحي (رضي الله عنه) رأى رسول (الله صلى الله عليه وسلم) في المنام وهو يقول له : يا منصور أبشرك إن الله تعالى يعطي إلى أختك بعد أربعين يوما ولدا يكون اسمه احمد الرفاعي مثل ما انا رأس الأنبياء كذلك هو رأس الأولياء وحين يكبر فخذه واذهب به إلى الشيخ علي القاري الواسطي واعطه له كي يربيه لان ذاك الرجل عزيز عند الله ولا تغفل عنه ، فقلت الأمر أمركم يا رسول الله( عليك الصلاة والسلام ) ، وكان الأمر كما ذكر (صلى الله عليه وسلم) وروي ان الشيخ أبا بكر الهمداني( رضي الله عنه ) انه كان ذات يوم جالسا يحدث اصحابه ويرغبهم في ما عند الله تعالى ، فقام اليه جماعة من الفقراء وسألوه عن رجال البطيحة واحوالهم فاجابهم الى ذلك وجعل يحدث كل واحد على قدر ما يفهم حاله وما راه الله تعالى فذكرو له رجال الشيخ منصور (رضي الله عنه) فقال لهم : رجال الشيخ منصور كثيرا ، فقال له : اخبرنا عن السيد احمد بن أبي الحسن الرفاعي ،فقال لهم : ما اعرفه فاقسمو عليه بالعزيز سبحانه فقال :اذا ذكر الانبياء عليهم الصلاة والسلام فحدثوا عنهم وفيهم ، واذا ذكر المصطفى( صلى الله عليه وسلم )فخا موش أي سكوت وهي كلمة فارسيه ، وكذلك اذا ذكر الاولياء رضي الله عنهم فحدثو عنهم فلا احد يقدر ان يردكم الا هذا الرجل فانه لا يقدر احد أن يصف من وصل اليه ، فعند ذلك خاموش لان نعمه الله عليهم واسعة سابغة ،ثم قال لهم :اي ساده ما اقول في رجل يخرج من موش المزابل رجال لا يعلمهم الا الله تعالى تتحير فيهم العقول والألباب ، قال : فتحير أصحاب الشيخ أبي بكر وقالوا له اي سيدنا اخبرنا ما هو موش المزابل ، فقال لهم : منهم شارب الخمر وقاطع الطريق وقاتل النفس وفاسق يتوبون على يده، فيغير صفاتهم ويصلح أمورهم ويخرج منهم رجال صلحا .
قال الشيخ الإمام شيخ الإسلام تاج الدين عبد الوهاب ألسبكي الشافعي رحمه الله في طبقاته حين ترجمه سيدنا الشيخ الكبير المشار اليه : كان مولده في المحرم سنة خمسمائة وبع ذلك أطنب واطال في ذكره ( رضي الله عنه ) الا ان السيد عبد الرحيم والشيخ ابا بكر العيد روسي وغيرهما ذكرو باتفاق المحققين من الرجال الرفاعية ان ولد رضي الله عنه في النصف الاول من شهر رجب الذي هو من شهور سنة الخمسمائة واثني عشر يوم الخميس وكانت ولادته في قرية حسن من اعمال البصرة عام وفاة خليفة بغداد احمد المستظهر بالله العباسي ،وشب رضي الله عنه على احسن حال حتى انه كان حالة صغره لا يجلس مع الصبيان الا قليلا ويالف مجالس الشيوخ ومحافل القران والدروس ، ويتلقى عن العافين ويعمل بنصائحهم ولا يفارقهم ،وقد شهد له أكابر رجال البطائح وهو صغير بالولاية الكبرى وأكثر الثناء عليه
وقد ذكر سيدنا تقي الدين الو اسطي في كتابه (ترياق الحبين) ان مما أكرم الله به هذا الولي الصالح انه كان مرة واقفا بين الصبيان في حال صغره فمر به جماعه من العارفين فلما رأؤوه واقفا وقفوا أمامه وجعلوا ينضرون إليه ثم قال احدهم : لا اله الا الله محمد رسول الله ظهرت هذه الشجرة المباركه ، فقال الثاني: عن قليل تفرع ، فقال الثالث: عن قليل يشمل ضلها ويعم نفعها ، فقال الرابع : عن قليل يكثر ثمرها ويشرق قمرها ، فقال الخامس : عن قليل يرى الناس منها العجب ويكثر نحوها الطلب ، فقال السادس : عن قليل يعلو شانها ويظهر برهانها ،فقال السابع : كم يغلق لها باب وكم يظهر لها أصحاب ، والسيد احمد ( رضي الله عنه ) يسمع كلامهم ولا يدرى لمن يشيرون ثم انصرفوا وهم متحيرون
وكان سيدنا الشيخ منصور البطائحي ( رضي الله عنه ) يعتني به كثيرا ويربيه تربية محمدية حتى نشأ بين يديه وصار من اكابر القوم ( رضي الله عنه ) وكان يلقن الناس في عهد خاله وشيخه الشيخ منصور الناس الدروس الشرعية من فقه وتفسير وحديث ولما اراد الله اظهاره في ام عبيدة استمر سنة يعمل فيها الجمع والمحيا ويقري الضيف والوارد ويرد الله على يديه الشارب، ثم بعد ذالك مرض سيدي الشيخ منصور ( رضي الله عنه ) مرض الوفاة فطال مرضه وايقن اصحابه وخواصه من اهل الكشف والعيان في بعض المواضع خلوه ، فجعلوا كلامه في ذكر حاله ومقامه وما شهد له به الشيخ منصور ( رضي الله عنه ) وكانو لصلاح احوالهم وصفاء قلوبهم لا يكتمون احوالهم لما عندهم من سلامة الصدور ،يقولون من يكون بعد سيد الشيخ منصور وكل منهم يقول انا اكون الشيخ ، وكان بينهم فقير اشعث اغبر لا يعبأ به وهو منكوس الراس على ركبتيه لا ينطق بحرف فلما طال الجدال بينهم وكثر المقال رفع راسه ذلك الفقير وقال لقد قلتم فاكثرتم وها انا مخبركم بمن يكون بعد الشيخ ، فقالو: هات فاخبرنا ان كان عندك خبرا او علم، فقال لهم : بعده يكون الشيخ الكبير السيد احمد الرفاعي المقري فضحكوا عليه وقالو له : نريد الدليل على صحت قولك، فقال لهم :بيني وبينكم هذا الولي يعني به الشيخ منصور،فقالو : نريد منك الدليل حتى نرجع الى الشيخ منصور، فقال لهم : ما قلت لكم هذا القول حتى درت جميع المواضع والمقامات فلم ارى حكوف الطير ونزول النوال الا على ام عبيدة فعلمت ان الامر قد سلم اليه وزمام الطريق بيديه ثم قال : انهم بعد ذلك نهضوا واسرعوا الى الشيخ منصور( رضي الله عنه ) فدخلوا اليه وسلموا عليه وجلسوا حواه وهو مغشي عليه ، فلما افاق حدثوه بما جرى بينه فقال لهم الشيخ منصور اي شي قاله لكم الفقير ابن مريم؟ فقالو له:قال لنا عن السيد احمد المقري فقال لهم : القول ما قاله ابن مريم فاعرفوه فقالوا له يا سيدي نريد الدليل فعند ذلك اخبرهم بالذي قاله ابن مريم من انعطاف الطير ونزول النوال ويكفي شاهدا هذه الاحوال
وذكر الشيخ احمد الزاهد ابن الشيخ منصور البطائحي ( رضي الله عنه ) جماعه من الاولياء فلمى انتهى الى ذكر السيد احمد الرفاعي قال : كان صاحب اسرار خارقة واحوال وماواجد ملازما قراءة القرآن غلب عليه محبة الله ، محبوه ومريدوه كلهم مرادون من جانب الحق تعالى ،واذا حضر واحدا منهم مجلسا سلب قلوب اهله وجلب محبتهم اليه باذن الله تعالى ، وقد شرفه (صلى الله عليه وسلم) بان اعطاه اسماء متعددة تدل على شرفه بين الاولياء منها : السيد احمد الرفاعي وسلطان العارفين وسيد المشائخ وصلاح الدين ومحيي الدين واحمد الكبير وابو صالح وابو الصفاء . وهو ( رضي الله عنه ) من بني هاشم فقراؤه ومريدوه وموازينهم في طريق الفقر ارجح موازين الفقراء واهل الاحوال ، ولا تنقطع فقراؤه ولا مريدوه الى يوم القيامة باذن الله تعالى لان عليه نضرا خاصا من جده سيد المرسلين عليه افضل صلوات رب العالمين وما وصل الى هذه الرتبه الى ببركته (صلى الله عليه وسلم) فانه فرع شجرته الزكية الطاهرة العلية رضي الله عنه وعن اولياء الله الصالحين
وذكر السيد العارف بالله الشيخ ابو بكر العيدروسي العدني في كتابه النجم الساعي ان السيد احمد بن زنكي يقول ان سيدنا السيد احمد الرفاعي كان احسن اهل زمانه طفلا ويافعا وكهلا وشيخا وما كان يجلس حال طفوليته مع احد من الناس سوى الفقيه ابي اليث الحراني ( رضي الله عنه ) ، وكان كلما كبر يلتحق بالمعروفين بين الناس بالصلاح والتقوى وقد تولى امر تربيته الشيخ علي القارئ الواسطي وسلكه الطريق واخذ عليه العهد الوثيق وتلقى عنده علوم الشرع وكشفت له باذن الله ايام صحبته علوم الحقائق والدقائق وكان سيدي علي الواسطي القارئ هذا شيخ العلماء واهل الخرقة في البطيحة وواسط وكان القوم في عصره يذكرونه بمنزلة المساوات مع سيدي منصور الرباني خال سيدي احمد الرفاعي ( رضي الله عنه ) وكان سيدي منصور هذا في زمانه شيخ الشيوخ جميع عصره وبصحبته تخرج سيدي احمد الرفاعي ( رضي الله عنه ) وتربى بتربيته ولبس خلقتة وخلف في مشيخة الشيوخ ، انتهى كلامه العالي بتصرف . وذكر سينا الشيخ عبد الوهاب الشعراني في مننه ما نصه : سال جماعة الشيخ ابا المنذرالمهتدارجي رضي الله تعالى عنه عن سيدي احمد بن الرفاعي فقال : لا اقدر ان اشرح لكم حاله فقالوا له : لا بد ان تخبرنا بشيء من احواله فقال : ماذا اقول في رجل ما اعترف قط لنفسه بمقام ولا قدر ولا خطر له غير ربه ولا رضي لنسه التنعم شيء من الدنيا في يوم من الايام ، كلما ازداد قدرا ومقاما عند الله تراه يزداد ذلا ومسكنة لله ولخلقه وكان الاشياخ يقولون : اعضم الاولياء في عصرنا هذا قدرا الشيخ احمد ابن الرفاعي في البطيحه وابو محمد بن عبد الله بالبصرة ، قيل لهم فاي الرجلين اعلى ؟ قالوا : احمد ابن الرفاعي كان قطب الاقطاب. انتهى كلامه العالي بتصرف
وذكر في ام البراهين ايضا ما حكاه الشيخ الخطيب ( رضي الله عنه ) قال : قدم بلدنا في بعض السنين رجل يقال له الاصهب من بلاد الشام ، وكان كبير القدر عضيم الشأن وفي صحبتة خلق كثير ، وكان رجلا مبصرا وكان الوقت معسرا فاجتمعت به وخدمته واصحابه وبقي عندي ايما فقال : اي خطيب تقدر ان تجمع بيني وبين سيدي الشيخ الكبير السيد احمد الرفاعي ( رضي الله عنه ) في خلوة اذن انحدرت معك اليه ؟ فقلت له : نعم فلما سمع كلامي نهض قائما على قدميه وقال لي : قم بنا ننحدر اليه قال: فقمت معه وانحدرنا الى ام عبيدة ودخلنا على الشيخ الكبير السيد احمد الرفاعي ( رضي الله عنه ) فوجدنا عنده الناس فاخبرته فقال : سمعا وطاعة ثم انه اخذ بيد الرجل الى بيت ماهان خادم الشيخ الكبيرالسيد احمد الرفاعي ( رضي الله عنه )، ثم جمعت بينهما خلوة فلم اجتمعنا وسلم كل واحد منهما على صاحبه سلا المعرفة كما قال القائل :
عروف بسري سرها وبغربتي تغربها والشكل بالشكل عارف
ثم انهما تحثا زمنا طويلا فلما ارادا ان يفترقا قال الاصهب : اي سيدي اهل السماوات واهل الارض متوقفون ان تسال الله في حق الخلق ، قال : فالتفت الشيخ الكبير السيد احمد الرفاعي اليه وقال له : اي مبارك لايؤآخذك الباري لا تعلمني الغلط ، الرجل يسأل من لايعلم ويخبر من لايدري ويفهم من لايفهم اي مبارك اليس هو مطلعا على خلقه ويعلم خائنة الاعين وماتخفي الصدور؟ فقال له الاصهب بلى اي سيدي فقال له اي مبارك اول ما يهلك حميد وذريته ان يعارض الله فيما يصنع في مملكته ثم نهض من عند سيدي الشيخ الكبير السيد احمد الرفاعي ( رضي الله عنه ) وخرج الينا ووقع يخور بنفسه ويبكي ويقول ما سمعنا ولا نسمع ولا رأينا ولا نرى انه جاء رجل أو يجيء مثل هذا الرجل ، ثم أننا خرجنا وسرنا حتى بعدنا عن أم عبيدة بقليل فقال لي اي خطيب خذ لي العهد من هذا الرجل حتى لايفوتني ، قال : فأخذت عليه العهد ثم قال لي أي شيخ أبو بكر قلت لبيك ، قال : قل عني أن هذا آخرا لقوم شرابا وأولهم قدما ثم سرنا حتى وصلنا إلى أصحابه فحدثهم بما جرى له مع سيدي الشيخ الكبير السيد احمد الرفاعي ( رضي الله عنه ) ، ثم أمرهم بزيارته والسلام عليه والتوبة على يده ثم انه التفت الي وقال لي اي شيخ أبا بكر اعلم أن هذا الرجل ختم الله به الولاية كما ختم بسيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم) النبوة ، ثم انه تنفس نفسا فقضى نحبه ولحق بربه في تلك الساعة ( رضي الله عنه ) ومثل هذا كثير ذكره الصوفية الكرام في طبقاتهم فلا حاجة للإطناب في هذا الباب فان ماشهد له الأئمة الأخيار وبشربه صدور الدين الأبرار شهدت له به أخلاقه الكريمة وقامت بتأييده واستقامته وهمته العظيمة ، فرضي الله عنه وعن أولياء الله أجمعين ونفعنا بهم آمين