بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله حمدا يرضاه لذاته , والصلاة والسلام علي سيد مخلوقاته , ورضي الله عن الصحابة والآل , وأتباعهم من أهل الشرع والحال , والسلام علينا وعلي عباد الله الصالحين
يقول سيدي السيد الكبير أحمد الرفاعي ( رضي الله عنه ونفعنا الله به ولأولياء الله أجمعين ) :
(أي سادة ) الزهد أول قدم القاصدين الي الله عز وجل , وأساسه التقوي , وهي خوف الله رأس الحكمة , وجماع كل ذلك حسن متابعة إمام الأروح والأشباح , السيد المكرم , رسول الله صلي الله عليه وسلم وأول طريق المتابعة حسن القدوة عملا بحديث " إنما الاعمال بالنيات " (عن امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم متفق علي صحته رواه البخاري ومسلم " رياض الصالحين " ) ألا ترون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كيف قال لرجل , قال له يارسول الله : رجل يريد الجهاد وهو يبتغي عرضا من الدنيا , فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم " لا أجر له " ( اخرجه احمد والحاكم وحسنه ) فأعظم ذلك الناس , فقالوا للرجل : عد لرسول الله صلي الله عليه وسلم فلعلك لم تفهمه , فقال الرجل يارسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله , وهو يبتغي من عرض الدنيا فقال : " لا أجر له " رواه الثقات وصححوه فمن هذا ومثله علمنا أن نتائج العمل تحسن وتقبح بالنية فعاملو الله بحسن النيات , واتقوه في الحركات والسكنات , وصونوا عقائدكم من التمسك بظاهر ماتشابه من الكتاب والسنة , لأن ذلك من أصول الكفر قال تعالي ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) (آل عمران 7 ) والواجب عليكم وعلي مكلف في المتشابه الايمان بأنه من عند الله , أنزله علي عبده سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وما كلفنا سبحانه وتعالي تفصيل علم تأويله قال جلت عظتة ( وما يعلم تأويلة إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) ( آل عمران 7) فسبيل المتقين من السلف تنزيه الله تعالي عما دل عليه ظاهره,وتفويض معناه المراد منه إلي الحق تعالي وتقدس وبهذا سلامة الدين سئل بعض العارفين عن الخالق تقدست اسماؤه فقال للسائل : إن سألت عن ذاته , فليس كمثله شيء وإن سألت عن صفاته , فهو أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وإن سألت عن اسمه فـ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ الحشر21 ) وإن سألت عن فعله فـ (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) الرحمن 29 ) وقد جمع إمامنا الشافعي رضي الله عنه جميع ماقيل في التوحيد بقوله : من انتهض لمعرفة مدبره فانتهي إلي موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه وإن إطمأن إلي العدم الصرف , فهو معطل وإن اطمأن لموجود , واعترف بالعجز عن إدراكة فهو موحد
"أي سادة " -: نزهوا الله عن سمات المحدثين , وصفات المخلوقين وطهروا عقائدكم من تفسير معني الاستواء في حقه تعالي بالاستقرار , كاستواء الأجسام علي الأجسام المستلزم للحلول , تعالي الله عن ذلك واياكم والقول بالفوقية والسلفية , والمكان واليد والعين بالجارحة , والنزول بالاتيان والانتقال فإن كل ما جاء في الكتاب والسنة مما يدل ظاهره علي ما ذكر , فقد جاء في الكتاب والسنة مثله مما يؤيد المقصود فما بقي إلا ما قاله صلحاء السلف : وهو الإيمان بظاهر كل ذلك ورد علم المراد إلي الله ورسوله ,مع تنزيه الباري تعالي عن الكيف وسمات الحدوث وعلي ذلك درج الأئمة وكل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عنه ليس لأحد أن يفسره إلا الله تعالي ورسوله ولكم حمل المتشابه علي ما يوافق أصل المحكم لأنه اصل الكتاب والمتشابه لا يعارض المحكم سأل رجل الإمام مالكا بن أنس رضي الله عنه عن قوله تعالي (الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ( طه 5 ) ) فقال : الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعا وأمر به أن يخرج وقال إمامنا الشافعي رضي الله عنه لما سئل عن ذلك آمنت بلا تشبيه , وصدقت بلا تمثيل , واتهمت نفسي في الإدراك , وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه : من قال لا أعرف الله أ في السماء هو أم في الأرض ؟ فقد كفر لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا , ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه وسئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن الاستواء فقال : استوي كما أخبر , لا كما يخطر للبشر وقال الإمام ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام : من زعم أن الله في شيء , أو من شيء , فقد أشرك إذ لو كان علي شيء لكان محمولا ولو كان في شيء لكان محصورا ولو كان من شيء لكان محدثا
" أي سادة " أطلبو الله بقلوبكم , هو أقرب إليكم من حبل الوريد أحاط بكل شيء علما
الدين النصيحة إذا قلتم : لاإله إلاالله , فقولوها بالاخلاص الخالص من الغيرية , ومن خطورات التشبيه والكيفية والتحتية والفوقية والبعدية والقربية وخذوا نتائج الأعمال بخالص النية فقد قال سيد البرية عليه أفضل الصلاة والسلام والتحية ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء مانوي فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته إلي الله ورسوله ومن كانت هجرته إلي دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلي ماهاجر إليه ) (عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم متفق علي صحته رواه البخاري ومسلم ) أحكمو أعمالكم علي الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( بني الإسلام علي خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) عن آبى عبدالرحمن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلي الله عليه وسلم رواه البخاري ومسلم ( الاربعين حديث النووية ) إياكم ومحدثات الأمور قال عليه الصلاة والسلام : (من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهور رد ) عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم رواه البخاري ومسلم ( الاربعين حديث النووية ) عاملوا الله بالتقوي وعاملو الخلق بالصدق وحسن الخلق عاملو أنفسكم بالمخالفة , وقفوا عند الحدود (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ( النحل 91 )
إياكم والكذب علي الله والخلق فإن الدعوي كذب علي الله وخلقه كل العبودية معرفة مقام العبدية الذين عمل بالأوامر , واجتناب عن النواهي , وخضوع وانكسار في الأمرين العمل بالأوامر يقرب إلي الله والاجتناب عن النواهي خوف من الله طلب القرب بلا أعمال , محال وأي محال الخوف مع الجرأة فضيحة أطلبوا الله بمتابعة رسوله صلي الله عليه وسلم وإياكم وسلوك طريق الله بالنفس والهوي فمن سلك الطريق بنفسه ضل في أول قدم
"أي سادة " عظموا شأن نبيكم هو البرزخ الوسط الفارق بين الخلق والحق عبدالله حبيب الله , رسول الله , أكمل خلق الله , أفضل رسل الله , الداعي الي الله المخبر عن الله ,الآخذ من الله , باب الكل إلي الحظيرة الرحمانية وسيلة الكل إلي الحظيرة الصمدانية ومن اتصل به اتصل ومن انفصل عنه انفصل قال صلوات الله وتسليماته (لايؤمن أحكم حتي يكون هواه تبعا لما جئت به ) عن أبي محمد : عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلي الله عليه وسلم حديث صحيح ( الاربعين حديث النووية)
"أي سادة " إعلموا أن نبوة نبينا صلي الله عليه وسلم باقية بعد وفاته كبقائها حال حياته , إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها وجمع الخلق مخاطبون بشريعته الناسخة لجميع الشرائع ومعجزاته باقية وهي القرآن قال تعالي (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ( الإسراء 88 )
" أي سادة " من رد أخباره الصادقة كمن رد كلام الله تعالي آمنا بالله, وبكتاب الله ,وبكل ماجاء به نبينا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم قال تعالي (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) (النساء 115 ) أفضل الصحابة سيدنا أبو بكر رضي الله عنه , ثم سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه , ثم عثمان ذو النورين رضي الله عنه , ثم علي المرتضي كرم الله وجهه ورضي عنه والصحابة رضي الله عنهم كلهم علي هدي روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) رواه ابن عبدالبر والبيهقي وهو ضعيف من جهة السند, وقال الجوهري إن هذا الحديث حسن خلافا لمن نازع فيه يجب الإمساك عما شجر بينهم وذكر محاسنهم , ومحبتهم , والثناء عليهم , رضي الله عنهم أجمعين فأخبوهم وتبركوا بذكرهم , واعملوا علي التخلق بأخلاقهم قال النبي عليه السلام لأصحابه : (أوصيكم بتقوي الله والسمع والطاعة , وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعض منكم فسيري اختلافا كثيرا , فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمورفإن كل بدعة ضلالة ) عن أبي نجيع العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم رواه أبو داود , والترمذي , وقال : حديث حسن صحيح ( الاربعين حديث النووية ) ونوروا كل قلب من قلوبكم بمحبة آله الكرام عليهم السلام فهم أنوار الوجود اللامعة وشموس السعود الطالعة قال تعالي قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ( الشوري 22) وقال صلي الله عليه وسلم (الله الله في أهل بيتي ) ( رواه الدولابي في الذرية الطاهرة , وهو صحيح ) من أراد الله به خيرا ألزمه وصيه نبيه في آله فأحبهم واعتني بشأنهم وعظمهم وحماهم وصان حماهم وكان لهم مراعيا , ولحقوق رسوله فيهم راعيا المرء مع من أحب ومن أحب الله أحب رسول الله ومن أحب رسول الله أحب آل رسول الله صلي الله عليه وسلم ومن أحبهم كان معهم وهم مع أبيهم عليه الصلاة والسلام قدموهم عليكم ولا تقدموهم وأعينوهم وأكرموهم يعود خير ذلك عليكم
إلصقو بأولياء الله (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) ( يونس 62 و 63 ) الولي من واد الله , وآمن به واتقاه فلا تحادو من واد الله جاء في بعض الكتب الإلهية ( من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب ) ( رواه الامام أحمد في مسنده وهو صحيح وروي عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم بلفظ ( إن الله تعالي قال : من عادى لي وليا الحديث رواه البخاري ( الاربعين حديث النبوي) الله يغار لأوليائه وينتقم لهم من يؤذيهم ويكرمهم بصون محبيهم وعون من يلوذ فيهم هم أخص المخاطبين بآية ( 5 صفحة 28 ( السجدة فصلت 31 ) عليكم بمحبتهم والتقرب إليهم تحصل لكم بهم البركة كونوا معهم , (أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ( المجادلة 22 )