التصّوف الإسلامي، مفهومه وأصوله
يعتبر التصوف الإسلامي جزءا أساسيا في تراثنا العربي الإسلامي حيث تبوأ مكانا هاما في الفكر العربي الإسلامي، والاهتمام بالتصوف قديم، تناوله المؤرخون والعلماء العرب والمسلمون ؛ (كالطوسي، والكلاباذي ، والقشيري وغيرهم)، كما ألف فيه الفلاسفة كابن سينا والغزالي وابن خلدون، وتجادل فيه الفقهاء وعلماء الكلام
معنى كلمة (تصوف - صوفي - صوفية).
مفهوم التصوف : تعددت التعاريف في حد التصوف ورسمه نورد بعضا منها وإن كانت بلا حصر: لفظ تصوف مشتق من اسمه صوفي وهي مشتقة من الصفاء فجعلوا منه (صوفي) فعلا مبنيا للمجهول من صافى، وقلب صوفي .
ويرد الإمام القشيري على ذلك بقوله: "إنه ليس يشهد لهذا الاسم صوفي من حيث العربية قياس ولا اشتقاق والأظهر فبه أنه كاللقب." وهناك من نسب الكلمة إلى الصوف، للبسهم الصوف، أو نسبة إلى أهل الصفة من صحابة رسول الله ، أو لأن المتصوفة كانوا في الصف الأول بين يدي الله.
وبذور التصوف الإسلامي ظهرت في بداية القرن الثاني الهجري متمثلة في هيئة زهد نتيجة ما حدث في العالم الإسلامي من ترف وملذات. ثم تطور في القرنين الثالث والرابع, وشاع مصطلح التصوف وتداوله كثير من العلماء والفقهاء والمتصوفة وأعطوه معان متعددة منها :
قال الجنيد : "التصوف أخلاق كريمة ظهرت في زمان كريم من رجل كريم مع قوم كرام." ويعرفه أيضا : "هو استرسال النفس مع الله على ما يريد."
وقال بشر بن الحارث: " الصوفي من صفا قلبه لله."
والصوفي أيضا من: "اختاره الحق لنفسه فصافاه وعن نفسه برّأه".
إذن فالصوفية هم أهل الباطن، وأمناء الله في الأرض يرون بنور الله.
وعلم التصوف اتجاه جديد يعبر عن العاطفة الدينية في صفائها ونقائها وهو الجانب الروحي الذي يعتمد على منطق الرؤيا والإشراق والمحبة، يكشف الإنسان فيه البعد المتعالي ليتحول إلى إنسان كامل فهو يحاول لكشف حكمة الله في الحياة وتمتع القلب والروح بلذة المشاهدة. وقد تطور التصوف من بداية القرن الثالث إلى الثامن وكثرت الاصطلاحات فيه والمذاهب وأدخلت عليه التغيرات والظواهر من حيث ترتيب المقامات والأحوال ونظام السلوك والآداب، فانعكس ذلك على أدب التصوف شعرا ونثرا ومن أشهر أعلامه (رابعة العدوية، ذو النون المصري (ت 245 هـ)، السهروردي الشامي، ابن الفارض، ابن عربي... الخ).
نتبين إذن أن التصوف بدأ زهدا وتطور ليصبح بهذا الشكل خاصة في الأدب الذي جاء متأثرا بكثير من أفكار الثقافات الأجنبية التي امتزجت بالفكر العربي عن طريق الفتوحات الإسلامية وازدهار حركة الترجمة.
وختاما يجدر القول أن التصوف الإسلامي هو خلاصة الحكمة في الآداب الإسلامية والفضائل النبوية وهو زبدة الدراسات النفسية والقلبية في الفكر الإسلامي ويعتبر ثروة وثورة فكرية وثقافية وأدبية ضخمة لما أثاره من خصومات ومجادلات من جهة ومن إعجاب وتأثر من جهة أخرى. كما أن الصوفية هم اللذين ارتفعوا بالأدب وجعلوه سلاحا نبيلا للدعوة إلى الله، فهو أدب صادق يصدر عن تجربة حية عاشها الصوفيون بين الحلم واليقظة وبين الأمل والألم، فهو أدب يفيض حبا وإشراقا وسموّا وإبداعا، والأديب الصوفي يتسامى كمالا وطهرا بتعابيره الإيمانية ونشواه الوجدانية وحبه للذات الإلهية.
ونشير في آخر المطاف إلى أن أصول التصوف ومصادره الأولى إسلامية من القرآن والسنّة